المركزي ينافس نفسه على حساب الاقتصاد الوطني والمفقرين ومن جيوبهم!

المركزي ينافس نفسه على حساب الاقتصاد الوطني والمفقرين ومن جيوبهم!

عدل مصرف سورية المركزي بتاريخ 1/10/2023 سعر صرف الليرة مقابل الدولار في نشرة الحوالات والصرافة، بحيث أصبح 11500 ليرة، وكذلك سعر الصرف في نشرة السوق الرسمية، بحيث أصبح السعر الوسطي فيها 11557 ليرة مقابل الدولار الواحد!

وقد كانت الزيادة الطارئة على سعر الصرف في نشرة الحوالات والصرافة 300 ليرة، بينما كانت الزيادة الطارئة على نشرة السوق الرسمية 3015 ليرة دفعة واحدة!
وقد أصدر المصرف المركزي خبراً صحفياً يقول: «من خلال المراجعات اليومية التي يقوم بها مصرف سورية المركزي لنشرات أسعار الصرف، أصدر اليوم تعديلًا بزيادة سعر صرف نشرة السوق الرسمية (التي تستخدم: لعمليات القطاع العام، تقييم بيانات المصارف، بدل الخدمة الإلزامية، وغيرها من الاستخدامات) لتقارب نشرة الحوالات والصرافة، بهدف تخفيف الفجوة السعرية بين نشرات أسعار الصرف. ويستمر مصرف سورية المركزي بإجراء هذه المراجعات اليومية وتعديل أسعار الصرف كلما اقتضى ذلك»!
الخبر الصحفي أعلاه، برر الزيادة في نشرة السوق الرسمية لتقارب نشرة الحوالات والصرافة، لكنه لم يبرر الزيادة المستمرة في هذه النشرة بين الحين والآخر!
مقابل ذلك، فإن بعض المؤشرات تقول: إن سعر الصرف في السوق الموازي أصبح مستقراً نسبياً منذ فترة، ويتم تجيير إيجابيات ذلك على إجراءات المصرف المركزي!
لكن بالمقابل أيضاً، يتبين أن الزيادات التي أقرها المصرف المركزي على سعر الصرف مؤخراً، ومع واقع الاستقرار النسبي بسعر الصرف، هي غير مبررة!
بل وكأن المصرف المركزي أصبح يسابق نفسه في سعر الصرف بالانتقال من عتبة إلى عتبة أعلى، وليس بالتنافس مع السوق الموازي فقط!
وبهذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن سعر الدولار مقابل الليرة كان مطلع العام 3015 ليرة، ثم صدرت نشرة الحوالات والصرافة بشكل متتابع حتى تاريخه، ليصل سعر الصرف فيها الآن 11500 ليرة.
على ذلك، فإن الزيادة على سعر الصرف بموجب نشرة الحوالات والصرافة منذ مطلع العام وحتى الآن بلغت نسبة 281,42%!
وطبعا لا يخفى على أحد، الانعكاسات السلبية نتيجة متغيرات سعر الصرف على واقع الأسعار في السوق على السلع والخدمات، وعلى تراجع القيمة الشرائية لليرة مقابلها، وبالتالي، على مستوى المزيد من انخفاض معدلات الاستهلاك بالنسبة للغالبية المفقرة، وكذلك الانعكاسات السلبية على أسعار مستلزمات الإنتاج، وبالتالي على أسعار المنتجات، وتأثير ذلك على حركة السوق المحلية وعلى أسواق التصدير، وكل ذلك كيف ينعكس سلباً على مستوى تسجيل المزيد من معدلات التضخم، كسلسلة غير متناهية من الأسباب والنتائج التي تحيل حياة المواطنين بغالبيتهم المفقرة إلى جحيم، والاقتصاد الوطني إلى عتبة التموت!
مع الأخذ بعين الاعتبار، أن عوامل الحفاظ على الليرة بقيمتها مقابل العملات الأجنبية لم يطرأ عليها أي تغير إيجابي خلال الفترة القريبة الماضية، فلا زيادة في معدلات الإنتاج والاستهلاك، بل هناك تقلص مستمر بمعدلات الاستهلاك وتراجع بمعدلات الإنتاج، ولا بضائع مصدرة بكميات إضافية، أو نوعية، تستقطب المزيد من القطع الأجنبي، ومقابل تراجع الإنتاج ترتفع فاتورة الاستيراد، أي مزيد من استنزاف القطع الأجنبي، ومعدل التحويلات الخارجية من السوريين في الخارج لذويهم في الداخل على حالها نسبياً، والواقع السياسي العام على مستوى الأزمة الوطنية الشاملة من سيئ إلى أسوأ دون حلول منظورة!
أما الكارثة المستجدة بعد كل ما سبق، فهي بالزيادة السعرية على سعر الصرف بموجب نشرة السوق الرسمية، والتي ستفرض على جهات القطاع العام إعادة حسابات عملياتها وتكاليفها استناداً إليها!
فنسبة الزيادة التي طرأت على سعر هذه النشرة بلغت 35,29%، حيث كان وسطي السعر في هذه النشرة 8542 ليرة، وأصبح 11557 ليرة!
على ذلك، فإن إعادة الحسابات والتكاليف ستكون مقاربة لنسبة الزيادة أعلاه، والتي ستتم إضافتها على سلع وخدمات الجهات العامة، ومن جيوب المواطنين بالمحصلة، ناهيك عن عجز هذه الجهات عن تنفيذ خططها ومشاريعها، ما يعني المزيد من التراجع على مستوى دور الدولة نفسه!
فالمصرف المركزي بحسب آليات عمله، أصبح مشاركاً بلعبة سعر الصرف، ومنافساً لنفسه فيها أكثر من تنافسيته مع السوق الموازي، بذريعة توحيد سعر الصرف في النشرات المختلفة وتقاربها مع السوق الموازي، وبمحاولة استقطاب المزيد من الحوالات الخارجية، وهو على ذلك مساهم رئيسي على مستوى تراجع قيمة الليرة مقابل العملات الأجنبية، وعلى مستوى تراجع قيمتها الشرائية في الأسواق على السلع والخدمات، والأسوأ تكريس تراجع الإنتاج وتقويضه، وتكريس وزيادة نسب التضخم!
وكل ذلك على حساب ومن جيوب الغالبية المفقرة بالنتيجة، فيما ما زال كبار أصحاب الأرباح المحظيين يحصدون المزيد من الأرباح على حساب المفقرين والاقتصاد الوطني!
فمع الاستمرار بعمل المركزي وفقاً للسياسات النقدية المتبعة من قبله، بالتوازي مع بقية السياسات الليبرالية المطبقة، الظالمة والمنحازة لمصلحة كبار أصحاب الأرباح على طول الخط، بما في ذلك طبعاً حيتان المضاربين على العملة والمتاجرين فيها، ومع الاستمرار بسياسات إضعاف وتقويض الإنتاج (الزراعي والصناعي- العام والخاص)، فإن الليرة ستستمر بتسجيل المزيد من الخسارة أمام العملات الأجنبية، مع ما يتبع ذلك من كوارث على المستوى الاقتصادي العام، وعلى المستوى المعيشي والخدمي للغالبية المفقرة!
فجملة السياسات الجائرة المعمول بها مولدة للأزمات وعاجزة عن حلها، وهي تزيد من الأزمات يومياً ولحظياً، وهو الملموس بشكل فاقع وفج وصولاً إلى درجة التوحش، وبكل اختصار، لا حلول ممكنة إلا من خلال إنهاء هذه السياسات كلياً، مع تقويض إمكانات المستفيدين منها طبعاً، كبار أصحاب الثروة والفاسدين والناهبين!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1142
آخر تعديل على الخميس, 19 تشرين1/أكتوير 2023 17:16