بعض «ثمار» ضرب إنتاج محصول القمح وتقويضه!
عادل ابراهيم عادل ابراهيم

بعض «ثمار» ضرب إنتاج محصول القمح وتقويضه!

كُتب الكثير عن استمرار تراجع إنتاج محصول القمح عاماً بعد آخر، وعن الأسباب المباشرة التي تكرس هذا التراجع من خلال السلوك الحكومي، سواء بما يخص تأمين مستلزمات الإنتاج وسياسات تخفيض الدعم، أو من خلال أنماط التسعير الرسمية المجحفة وغير المجزية للمحصول، وبالتالي، تكبّد المزارعون الخسائر المتتالية عاماً بعد آخر!

وكذلك تم الحديث عن ارتباط نتائج ذلك بالمحصلة مع مصالح بعض الحيتان الكبار المستفيدين من هذا التراجع المستمر، من خلال منحهم الفرصة تلو الأخرى لتأمين الكميات اللازمة من القمح لسد الفجوة بين الاحتياج وبين الإنتاج، وذلك من أجل صناعة رغيف الخبز، الذي يعتبر من عوامل الأمن الغذائي للمواطن!
فها هي صفقة جديدة وكبيرة يتم الإعلان عنها لتوريد كميات من القمح عبر آلية التعاقد بالتراضي، برعاية حكومية وبما يضمن حصة ربحية كبيرة لمصلحة المورد المحظي!
فبحال أن أحداً لا يعرف من أين تؤكل الكتف، فإليه بعض التفاصيل!

تفاصيل الصفقة ومقدماتها!

انتهى موسم حصاد القمح عملياً مع نهاية الشهر الماضي تقريباً، واستلمت المؤسسة السورية للحبوب كمّاً جيداً من المحصول، بحسب ما تم الإعلان عنه رسمياً، بمختلف المواصفات ودرجات التجريم، المصنفة وخارج التصنيف!
فقد فسح المجال أمام المؤسسة هذا الموسم لاستلام كل الكميات من المزارعين، وعدم رفض أية كمية مهما كانت مواصفاتها، لذلك كانت الكمية المستلمة والمعلن عنها كبيرة نسبياً، وبواقع تجاوز 900 ألف طن، مع توقع مسبق «ومتفائل» تم الإعلان عنه رسميا،ً بأن هذا الموسم ستتجاوز كميات المستلم منه مليون طن!
وقد سبق لقاسيون أن أشارت إلى ذلك بمادتها المعنونة «أرقام القمح تفضح عورة السياسات!» بتاريخ 25/6/2023، حيث ورد فيها ما يلي: «يبدو أن الحكومة لم يعد الوقت يسعفها، لذلك فإنها على استعداد لاستلام أية كميات ومهما كانت مواصفاتها ونوعيتها، وذلك للوصول إلى رقم كبير ما، يغطي عورة سياساتها وظلمها للفلاحين وتقويضها للإنتاج وتضحيتها بالأمن الغذائي!».
ومع ذلك يبدو أن السورية للحبوب على عجلة من أمرها لتأمين المزيد من القمح من خلال الموردين، وبكمية كبيرة دفعة واحدة على غير العادة!
فصفقات القمح التي يتم الإعلان عنها عادة تتراوح كمياتها بين 50-250 ألف طن، والاستثناء بذلك محدود في بعض الأحيان، وهو ما جرت عليه العادة طيلة السنين الماضية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن جزءاً من الصفقات تتم بالمقايضة بين القمح القاسي من الإنتاج المحلي مقابل قمح طري مستورد، ومن خلال عقود ومناقصات غالباً!
أما أن يتم الإعلان عن صفقة بكمية 1,400,000 طن دفعة واحدة، ومن خلال التعاقد بالتراضي، فهذا جديد حكومي غير مسبوق!
فمن الموقع الرسمي للحكومة، أنه خلال جلسة الحكومة بتاريخ 12/9/2023، «وافق المجلس على توصية اللجنة الاقتصادية المتعلقة بالتعاقد بالتراضي لتوريد مليون و400 ألف طن من القمح الخبزي الطري، وفق المواصفات المعتمدة من المؤسسة السورية للحبوب، بهدف تعزيز المخزون الاستراتيجي من مادة القمح لفترات مناسبة والحفاظ على الأمن الغذائي».
الكمية الكبيرة أعلاه، المزمع توقيع عقد التراضي من أجلها بعد الموافقة الحكومية أعلاه، قد تعني بداية، أن الأرقام المعلنة عن استلام السورية للحبوب مبالغ بها، ليس من حيث الكم، بل من حيث النوع والمواصفة، ومدى إمكانية الاستفادة من جزء منها على مستوى تصنيع رغيف الخبز، أو من خلال عمليات المقايضة بالقمح الطري، عبر الإعلان عن مناقصات وعقود، تضمن نوعاً ما المصلحة العامة!
أما عن التعاقد بالتراضي كآلية لتوريد هذه الكمية الكبيرة، وليس من خلال مناقصة أو عقود مقايضة كما يفترض، فهذا شأن آخر مرتبط بعدة جوانب تم تجاوزها، نذكر منها التالي:
فالجانب القانوني تم تجاوزه عملياً بموافقة الحكومة!
والجانب الفني المرتبط بالمواصفة، تم تغليفه بعبارة «وفق المواصفات المعتمدة من المؤسسة السورية للحبوب»!
والجانب المالي ناحية السعر تم غض الطرف عنه بالتعاقد بالتراضي بعيداً عن المنافسة السعرية التي تضمنها نوعا ما المناقصات!
وأخيراً، هامش الربح المضمون للمورد المحظي الذي سيتم التعاقد معه لتوريد هذه الكمية الكبيرة، بالإضافة طبعاً لضمان هوامش الأرباح بذريعة العقوبات والحصار!
وكل ذلك تم تغليفه بعبارة «الحفاظ على الأمن الغذائي»!
فالأرباح التي تم ضمانها لمصلحة المورد المحظي، وفقاً لكم الصفقة الكبير أعلاه، ومن خلال آلية التعاقد بالتراضي، مليونية وكبيرة، وبالعملة الصعبة طبعاً، مع الأخذ بعين الاعتبار، أن الموافقة الحكومية أعلاه لحظت وذكرت الكم فقط، ولم تلحظ وتذكر التكلفة الإجمالية للصفقة المزمعة!

السياسات والناهبون المحظيون وتقويض الإنتاج!

هل عرفتم من أين تؤكل الكتف، وكيف هناك محظيون يعرفون تمام المعرفة آلياتها وأنماطها، وبمقدماتها ونتائجها، وصولاً لاستنزاف كل ما هو متاح من مقدرات وإمكانات في البلد، وبرعاية حكومية منقطعة النظير!
فصفقة القمح الحالية قد تكون الأولى بهذا الكم الكبير، لكنها لن تكون الأخيرة من كل بد، فمع استمرار تراجع محصول القمح فإن ذلك يعني زيادة مثل هذه الصفقات، وربما مع رغبة مضمرة أن نصل لاستيراد كل احتياجنا من القمح بعد الإجهاز الكلي على المحصول خلال السنوات القريبة القادمة، طالما بقيت الحكومة تتعامل معه وفقاً لنفس الأنماط بما يخص مستلزمات الإنتاج وتخفيض الدعم والتسعير المجحف!
فاستمرار السياسات الليبرالية المتبعة، والمجيرة كلاً وجزءاً لمصلحة القلة من كبار حيتان النهب والفساد، على حساب مقدرات ومصلحة العباد والبلاد، ستؤدي إلى استمرار مساعي تقويض كل ما هو منتج في البلاد (زراعي وصناعي، عام وخاص)، وذلك لزيادة فاتورة المستوردات، وبالتالي، حصة أصحاب الأرباح، ولو كان ذلك على حساب التضحية بالأمن الغذائي، وبقائه وبقائنا رهناً تحت رحمة من لا يرحم من الناهبين والفاسدين والنافذين الكبار!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1140