التعليم الجامعي.. مزيد من الفرز الطبقي والنبذ للمفقرين!

التعليم الجامعي.. مزيد من الفرز الطبقي والنبذ للمفقرين!

أصدرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مفاضلات القبول الجامعي للعام الدراسي 2023-2024، على أن يبدأ التقدم للمفاضلة اعتباراً من تاريخ 17/9/2023 ولغاية 8/10/2023، وفق آلية جديدة تعتمد الشكل الإلكتروني في التسجيل عن بعد مع تسديد الرسوم عبر آليات الدفع الإلكتروني، ومن خلال مفاضلة واحدة للعام والموازي!

ولم يتبين من الإعلانات والتعليمات الصادرة عن الوزارة ماهي نسبة القبول في التعليم العام «المجاني»، ونسبة القبول في التعليم الموازي «المأجور»، من إجمالي عدد المقاعد في الجامعات الحكومية لهذا العام وفقاً لسياسة الاستيعاب المطبقة، حيث كان من المفترض أن يتم تحديد هذه النسبة بشكل مسبق قبل التقدم للمفاضلات!
فهل سنشهد مزيداً من الفرز الطبقي، وتكريس انعدام تكافؤ الفرص، في مرحلة التعليم الجامعي هذا العام؟!

جديد هذا العام.. سقوف الرغبات محكومة بالذكاء!

الجديد لهذا العام أن التقدم للمفاضلة سيتم ببطاقة مفاضلة واحدة فقط بحسب الشهادة الثانوية (للفرع العلمي أو للفرع الأدبي)، إلكترونياً عن بعد من خلال التطبيق الخاص بمفاضلات القبول الجامعي.
وقد تم وضع الرابط الخاص بالتطبيق للولوج والتسجيل، إما عبر جهاز الحاسب الشخصي، أو من خلال الهاتف المحمول، وفق تبويبات خاصة بمراحل إدخال البيانات المتتابعة الخاصة بكل طالب، وصولاً إلى إدخال الرغبات (مع إمكانية تعديلها من قبل الطالب)، ثم تسديد الرسوم عبر آلية الدفع الإلكتروني أيضاً.
وجميع المراحل أعلاه تعتمد على رقم الهاتف المحمول للطالب، وعلى (رمز التقدم للمفاضلة- ورمز التفعيل الخاص بكل طالب)، والتي ستصل للطالب من خلال رسالة نصية على هاتفه المحمول الخاص، ما يفترض توفر جهاز محمول أو حاسب لدى كل طالب، بالإضافة إلى اللوجستيات الأخرى، شبكة نت وشبكة كهرباء!
أما بقية المتقدمين للمفاضلات الخاصة (سوري غير مقيم- عرب وأجانب- هيئة تدريسية- ذوو الشهداء والجرحى والمفقودين- المعاقين- أبناء المواطنات السوريات- العرب المولودون في سورية) فتتم حصراً من خلال مراكز التسجيل الخاصة بهم، وإلكترونياً أيضاً.
وعلى الطلاب وفقاً للتعليمات الصادرة حسن اختيار رغباتهم مما هو متاح بحسب درجات كل منهم، بسقف رغبات للفرع العلمي يصل إلى 120 رغبة (35 للقبول العام و25 للقبول الموازي، و20 لمنح الجامعات الخاصة و40 للكليات الطبية بالجامعات الخاصة المأجورة)، وللأدبي بسقف رغبات 60 رغبة (25 للقبول العام و20 للقبول الموازي و15 لمنح الجامعات الخاصة)!
وما على الطالب بعد كل ذلك إلا انتظار نتائج المفاضلة النهائية ليتبين مقدار ارتفاع معدلات القبول لهذا العام بالمقارنة مع العام الماضي، سواء للعامّ أو للموازي، وما هو الفرع والتخصص الذي من المفترض أن يستكمل تسجيله به من ضمن «رغباته» المسجلة (عام- موازي)!
ولا داعي للتشكيك طبعاً، فالآلية مؤتمتة ومتحكم بها من قبل التطبيق الذكي، لكن لا ندري بالمقابل مدى انطباق مفردة «رغبات» على هذه الآلية من الفرز والقبول الجامعي؟!

القبول الجامعي والنموذج الليبرالي القائم على «العرض والطلب»!

المفاضلة الواحدة للعام والموازي، مع فروقات في درجات الحد الأدنى للقبول في كل منها، والتي وصلت في بعضها إلى 25 درجة، وعدم الإعلان المسبق عن نسب القبول في التعليم الموازي والعام، أي عدد المقاعد المحجوزة مسبقاً لكل منها، ربما سيترك الباب مفتوحاً لتباين نسب القبول بحسب مجريات نتائج المفاضلة «الإلكترونية»، ما يعني أن نسبة القبول في التعليم العام «المجاني» قد تنخفض لمصلحة ارتفاع نسبة القبول في التعليم الموازي «المأجور» هذا العام، وذلك وفقاً «لآليات العرض والطلب» المرتكز على درجات الحد الأدنى المعلن عنها للعام والموازي بكل جامعة وكلية وقسم ومعهد، وعدد المتقدمين إلى كل منها على ما يبدو، وليذهب التعليم الجامعي المجاني، ومبدأ تكافؤ الفرص، المحميَّين والمكفولَين دستوراً وقانوناً، إلى الجحيم!
وتجدر الإشارة إلى قاسيون بتاريخ 10/9/2023 بمادة حملت عنوان «متاهة طلابية مستجدة.. ومزيد من الفرز الطبقي!»، فمما ورد فيها: «المفاضلة الشاملة المستجدة ستضمن على ما يبدو تحقيق الزيادة المطلوبة في بعض الكليات والمعاهد (المستهدفة) بذريعة احتياجات سوق العمل، وبغلاف تأمين مقعد تعليم عام لكل طالب ناجح، وما على الطلاب إلا الاستنكاف بحال تعارض رغبتهم الحقيقية مع هذا التوجه!».
فالسياسات التعليمية، بما في ذلك سياسات الاستيعاب والقبول الجامعي، وفقاً للنموذج المتبع منذ عقود وحتى الآن، وخاصة خلال السنوات القريبة الماضية، تكرس الفرز الطبقي المجحف في مرحلة التعليم الجامعي، لمصلحة المليئين مالياً والأثرياء فقط، فيما يتم نبذ وطرد المفقرين تباعاً من هذه المرحلة، سواء بسبب سياسات القبول الجامعي، وزيادة حصة المأجور على حساب المجاني عاماً بعد آخر، أو بسبب آليات الفرز والتصفية والتطفيش خلال المرحلة الجامعية بنتيجة العمليات الامتحانية وسلالم التصحيح ونسب النجاح، بالإضافة طبعاً إلى جملة السياسات الاقتصادية الظالمة التي تنعكس سلباً على المفقرين وتدفعهم إلى العزوف عن استكمال تعليمهم الجامعي بسبب سوء وتردي الوضع المعيشي عموماً!

قضم المجاني وزيادة المأجور!

للتذكير تجدر الإشارة إلى أن نسبة القبول في التعليم الموازي كانت 10% مقابل 90% للعام المجاني، عند البدء بإطلاق هذا النموذج من أنظمة التعليم المأجورة على حساب التعليم المجاني، لترتفع هذه النسبة لاحقاً إلى 20%، حيث بقيت كذلك حتى عام 2020، ثم وفي عام 2021 ارتفعت إلى نسبة 30%، وفي عام 2022 ارتفعت إلى نسبة 40%، وفي عام 2023 وصلت إلى نسبة 50%، في قفزات كبيرة وسريعة ومتتالية، وكأننا في سباق محموم لتقليص مقاعد ونسبة التعليم العام المجاني في الجامعات الحكومية على حساب زيادة نسبة التعليم المأجور فيها، وصولاً إلى ترك النسبة مفتوحة الآن للعام الدراسي 2024 دون تحديد لما بعد صدور النتائج النهائية للمفاضلة، إن تم الإعلان عنها!
فماذا سيتبقى من التعليم العام المجاني بحسب مسيرة السياسات التعليمية القاضمة له، والمقوّضة لما بقي من إمكانات في الجامعات الحكومية، مقابل زيادة حصة أنظمة التعليم المأجورة المكلفة على حسابه، بالتوازي مع أنماط الخصخصة المباشرة الأخرى، سواء في مرحلة التعليم الجامعي، أو في مرحلة الدراسات العليا؟!

رسوم الموازي المكلفة عامل نبذ إضافي!

رسوم التعليم الموازي كانت مقبولة نسبياً بالمقارنة مع معدلات الأجور ومستويات المعيشة، لكن على مر السنين، وبسبب التردي الاقتصادي المعيشي، استمرت الرسوم بالارتفاع مع استمرار التدهور الاقتصادي المعيشي، وبحيث لم تعد الرسوم متناسبة لا مع معدلات الأجور ولا مع مستويات المعيشة على الإطلاق!
فقد ارتفعت الرسوم السنوية في التعليم الموازي من عام إلى آخر خلال السنوات القريبة الماضية بنسب تقارب 50% في كل مرة، لكن هذا العام ارتفعت الرسوم بنسبة 100% تقريباً دفعة واحدة!
فالرسم السنوي للقبول الموازي للسنة التحضيرية وللكليات الطبية (بشري- أسنان- صيدلة) تم تحديده بمبلغ 1,200,000 ليرة، وللهندسات بمبلغ 900,000 ليرة، ولبقية الكليات بمبلغ 500,000 ليرة، وأدنى رسم سنوي يبلغ 250,000 ليرة لبعض المعاهد للمقبولين من حملة شهادة الثانوية للفرع الأدبي.
وطبعاً ستضاف إلى هذه الرسوم بقية التكاليف الدراسية السنوية المعممة على طلاب العام والموازي على السواء، والتي تبدأ بالكتب والمحاضرات ولا تنتهي بأجور المواصلات، أي تكلفة مليونية سنوية كبيرة يعجز حيالها المفقرون!
على ذلك فإن التعليم الموازي المأجور والمكلف سيخرج من حسابات وخيارات ورغبات غالبية المفقرين من كل بد، ومع تدني نسبة القبول في العام المجاني وتراجعه عاماً بعد آخر فإن هؤلاء لن يتمكنوا من استكمال تحصيلهم العلمي في المرحلة الجامعية، ليس بسبب قلة قدراتهم وإمكاناتهم العلمية والمعرفية، بل بسبب سياسات الإفقار الظالمة الممارسة بحقهم، بالتوازي مع السياسات التعليمية النابذة والطاردة لهم، ويتبع ذلك طبعاً التنافس على فرص العمل التي ستذهب إلى الميسورين والأثرياء ممن استكملوا تحصيلهم العلمي أيضاً، أي مزيد من النبذ والقهر المعيشي للمفقرين!
فجور السياسات الليبرالية وظلمها تجاوز وأد الإمكانات وتفويت الفرص أمام المفقرين لاستكمال تعلمهم بكافة مراحل التعليم، بكل صلف وعن سبق إصرار وتصميم، إلى تقويض فرص الحياة نفسها بالنسبة إليهم، كجريمة مضافة إلى جملة الجرائم المسجلة باسمها!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1140