ناعورة البشريات بحماة بعين الخطر بكل لا مبالاة واستهتار!

ناعورة البشريات بحماة بعين الخطر بكل لا مبالاة واستهتار!

لا تزال معظم المواقع والصروح الأثرية السورية تعاني من الإهمال بذرائع واهية مثل الحصار الاقتصادي، وعدم كفاية الموارد، وعدم وجود موازنات، وصولاً إلى بيروقراطية وترهل واضح في تنفيذ بعض الإجراءات، حال دون اتخاذ مواقف جدية وتدخل مباشر لإنقاذها من التداعي والتهتك والدمار!

مثالنا الجديد بهذا السياق هي ناعورة البشريات على نهر العاصي في مدينة حماة، حيث تداولت الأخبار أن جدارها تعرض لتصدع وتشققات خطيرة مؤخراً على إثر الزلزال مطلع العام الحالي!

لمحة تاريخية

أبرز المعالم الأثرية التي تتميز بها مدينة حماة هي النواعير، هذه الآلة الدائرية دائمة الحركة التي استخدمت قديما لري الأراضي والبساتين، إذ تنقل 2400 ليتر من الماء في كل دورة لها!
وقد اختلف المؤرخون في تحديد من قام ببنائها، فمنهم من يرجع هذا الصرح للآراميين، أي للألف الأولى قبل الميلاد، ومنهم من يقول إنها تعود للعهد الروماني.
وتعد ناعورة البشريات ثالث أكبر ناعورة في حماة بعد «المحمدية» و«المأمورية»، ومن الجدير بالذكر أن قطر ناعورة البشريات الكبرى يبلغ 19 متراً وتحوي 120 صندوقاً، أما الصغرى فقطرها 13 متراً وتحوي 80 صندوقاً.
أدى الجفاف الذي أصاب نهر العاصي إلى تلف جزء كبير من أخشاب النواعير مما تطلب صيانة وترميماً لها، علماً أن النواعير تحتاج للصيانة دورية بمعدل مرة في كل عام، والترميم الأكبر لناعورة البشريات كان بتاريخ 28/05/2009!
بدأت في العام الماضي 2022 حملات ترميم جزئية لناعورة البشريات، لكنها اقتصرت فقط على استبدال المحور والدوائر الخارجية والداخلية، وذلك بسبب ضعف التمويل وصعوبة تأمين مستلزمات العمل، الذي أدى إلى توقف أعمال الترميم والتأهيل واستكمالها!

كارثة الزلزال وتداعياتها على الناعورة!

أدت كارثة الزلزال، التي عاناها منها معظم الشعب السوري في مطلع العام الحالي، لإصابة جدار ناعورة البشريات بتصدع خطير وتشققات واضحة في الحجارة والأقواس، مع ميول واضح في أحد جدران هذه الناعورة!
وفي تصريح لمدير دائرة آثار حماة «حازم جركس» لإذاعة المدينة إف إم بتاريخ 20/7/2023 أوضح حجم الأضرار وضرورة التدخل لمنع انهيار هذه الناعورة، كما وأكد أنه خاطب محافظة حماة للمساعدة على اعتبار أن دائرة الأثار ليس لديها إمكانية وموازنة للترميم، واكتفت محافظة حماة بتحويل الكتاب إلى غرفة العمليات والمكتب الفني دون اتخاذ أي إجراء فعلي!

الخيارات البديلة بسبب نقص التمويل!

أشار مدير دائرة آثار حماة أنه سوف يتم مخاطبة المحافظة مرّة أخرى للمساعدة، أو أن يتم التدخل في ترميمها من موازنة مجلس المدينة!
أما الخيار الأخير فهو أن يتم ذلك عن طريق مُستثمر مطعم الأربع نواعير كونها تقع بجوار المطعم، ولو كان هذا التدخل حلاً إسعافياً (ترويب وتكحيل)، لافتاً إلى أن دائرة الآثار جاهزة للإشراف والموافقة والشروط، ولكن يلزمها التمويل!
فمع التقدير بحال قيام مستثمر المطعم المذكور أعلاه بتمويل عمليات الترميم المطلوبة إسعافياً للناعورة، والتي يمكن أن تكون مشروطة لمصلحته طبعاً، ولكن لكم أن تتخيلوا بالمقابل حجم اللامبالاة والاستهتار الرسمي بهذا الصرح الأثري، الذي لا تغطيه الذرائع والمبررات أياً كانت!

تحذيرات إضافية!

بحسب صحيفة الفداء بتاريخ 22/7/2023 أن المهندس مجد حجازي، معاون مدير الثقافة في حماة وخبير الآثار المعروف، كتب ما يلي، يجب إيقاف ناعورة البشريات الكبرى عن العمل وبشكل فوري ومنع السباحة حولها والقفز من فوق حجريتها، حيث عادت الناعورة إلى الدوران وبقوة مع عودة جريان النهر.. منذ عدة أيام شاركنا الصديق عبد القادر مصطفى العلواني بصور لفتت النظر لشق طولي موجود بأعلى حجرية الناعورة وشاركت تلك الصور أغلب صفحات التواصل الاجتماعي بحماة.. هذا التشقق بالحجرية هو وبأغلب الظن ناتج عن آثار الهزات الارتدادية التي عانت منها منطقة حماة بالآونة الأخيرة وآخرها كانت هزتين ارتداديتين هذا المساء، والخطورة هنا سببها مكان هذا الشق الموجود عند تقاطع وتلاقي برج الناعورة مع قناطر الحجرية..

من المسؤول وبعهدة من؟!

على مدار أعوام والسوريون يطرحون التساؤلات حول المواقع الأثرية والتاريخية، ومن المسؤول الفعلي عنها وعن الحفاظ عليها وصيانتها وحمايتها!
وعلى مدار هذه الأعوام ذاتها بات من الواضح في أذهان معظمنا أن المسؤولية شبه غائبة، بدليل واقع حال الكثير من المواقع التاريخية والأثرية الذي يرثى له إهمالاً وترهلاً وصولاً إلى تهالكها على مر السنين، بالرغم من وجود الكثير من الجهات الرسمية وغير الرسمية، التي من المفترض أنها تتحمل مسؤولياتها وواجباتها تجاهها!
لكن النتيجة الملموسة هي المزيد من الإهمال واللامبالاة، مع كل ما يعنيه ذلك من تفريط بهويتنا وتاريخنا وآثارنا، بشكل غير مقصود استهتاراً وتقاعساً، أو بشكل مقصود مع سبق الإصرار في ذلك!
ففي كل يوم هناك مصيبة جديدة تسجل بحق الآثار والتاريخ والهوية، وتقيد ضد مجهول، فمثال ناعورة البشريات، مع 44 موقعاً أثرياً آخر تضرر من الزلزال في محافظة حماة، لم يكن الوحيد ولا الأخير، فحريق ساروجا في العاصمة دمشق مؤخراً وما نجم عنه من دمار وضياع للآثار والوثائق مثال آخر يؤكد ما جرى ويجري بحق الآثار والتاريخ والتراث والهوية!
فهل من الممكن أن نتخيل مدينة حماة بلا نواعيرها وعاصيها مثلاً، في ظل استمرار هذا النمط من التعاطي البارد وغير المسؤول رسمياً؟!
فإلى متى، وبعهدة ومسؤولية من، ولمصلحة من؟!
أسئلة كبيرة وجدية بحاجة للإجابات وتحميل المسؤوليات، والأهم الحاجة لقرع ناقوس الخطر على المستوى الوطني لكل ما يمس حوامل هويتنا الوطنية، الحضارية والتاريخية والأثرية والتراثية، المادية واللامادية!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1134