تراجع الإنتاج الزراعي والصناعي المستمر.. والسياسات المدمرة للإنتاج!

تراجع الإنتاج الزراعي والصناعي المستمر.. والسياسات المدمرة للإنتاج!

للأرقام سحرها في توضيح الكثير من القضايا الملتبسة أو العصية على الفهم، والأهم توضيح ما يتم السعي إلى إغفاله أو تغييبه عمداً في بعض جوانبها أحياناً!

فمن خلال المجموعة الإحصائية لعام 2022 الصادرة مؤخراً عن المكتب المركزي للإحصاء سنستعرض ما ورد من أرقام عن مساهمة كل من قطاعي الإنتاج الزراعي والصناعي في الناتج المحلي الإجمالي، والتي تبين حجم التراجع الكبير في هذه القطاعات الإنتاجية الحيوية والهامة، والمستمر حتى تاريخه!

وليتبين بالتالي زيف الادعاء الرسمي عن دعم الإنتاج، بل لتتوضح مسيرة تقويض هذا الإنتاج بشكل رسمي وعاماً بعد آخر، مع انعكاساته الكارثية على البلاد والعباد!

مقدمة لا بد منها!

حسابات الدخل القومي تعطي صورة واضحة نوعاً ما عن الاقتصاد في البلد المعني، مع إبراز أهمية القطاعات الإنتاجية النسبية فيه، وهو ما يفترض أن يساعد الدولة المعنية على كشف وتوضيح نقاط القوة والضعف في اقتصادها، كي تتمكن من وضع السياسات المناسبة والملائمة، مرحلياً وإستراتيجياً، وبما يحقق معدلات النمو والتنمية المطلوبة.

وعند الحديث عن القطاعات الإنتاجية تجدر الإشارة إلى أن الهام منها هي قطاعا الزراعة والصناعة، باعتبارها قطاعات موردة ومولدة للثروة، بالإضافة طبعاً إلى أهمية القطاع الإنشائي وقطاع البنى التحتية، حيث جميعها وبحال تبني سياسات اقتصادية تنموية فعلية، فستحقق المطلوب منها نمواً وتنميةً، بالتوازي مع الأدوار المفترضة لبقية القطاعات الخدمية المالية والتجارية والنقل والإعلام و.. لتحقيق هذه الغاية.

وكذلك تجدر الإشارة الى أهمية الاستثمار بالنسبة للاقتصاد، ليس لدوره على مستوى قدرته على خلق المزيد من فرص العمل، بل وعلى زيادة قدرة الدولة الإنتاجية، وبالتالي فإن الإنفاق الحكومي المغذي للأنشطة الاقتصادية تزداد أهميته على مستوى التوظيف الاستثماري من أجل دفع العجلة الاقتصادية، وتبرز هذه الأهمية أكثر عند تراجع حركة الاستثمار والإنفاق الاستهلاكي.

فمن المعروف أن تزايد المكاسب الإنتاجية لدولة ما تؤدي إلى زيادة في الدخل الفردي (بحال توفر نوع من العدالة النسبية في توزيع الثروة) وبالتالي زيادة معدلات الإنفاق لشراء المزيد من السلع والحصول على المزيد من الخدمات، والتي تنعكس إيجاباً على المستوى المعيشي، وجودة الحياة نفسها بالنتيجة.
فماذا تقول بعض أرقام الاقتصاد السوري بما يخص الناتج المحلي الإجمالي ومساهمة قطاعي الإنتاج الزراعي والصناعي فيه؟!

أرقام وبيانات رسمية!

فيما يلي جدول تكثيفي يوضح تطور وتغير حجم مساهمة قطاعي الزراعة والصناعة بالدخل القومي بسعر السوق من عام 2000 وحتى عام 2021، بالليرة السورية بحسب ما وردت في بيانات المكتب المركزي للإحصاء، وبما يعادلها بالدولار بحسب سعر الصرف الرسمي في السنوات المرصودة، الذي كان 45 ليرة في عام 2000، ووصل الى 1256 ليرة في عام 2021، علماً أنه لا يمثل القيمة الحقيقية بل يقاربها نسبياً:

1131a

الأرقام أعلاه توضح تماماً حجم التراجع في قطاعي الإنتاج الزراعي والصناعي بالليرة، ويتبين هذا التراجع ذلك بشكل أوضح محسوباً بالدولار!

ومع ذلك وعلى الرغم من أن الأرقام المبينة أعلاه هي أرقام رسمية إلا أن الحكومة آخر من يعنيها هذه الأرقام بدلالاتها الكارثية!

حسابات معدلات التغيّر!

ولمزيد من التوضيح نورد الجدول التالي، الذي يبين حساب معدلات التغير بالنسبة لقيم الناتج المحلي لقطاعي الزراعة والصناعة بسعر الدولار الرسمي، وذلك من خلال حساب معدل التغيّر بالنسبة لسنة الأساس (عام 2000)، إضافة إلى معدل التغير السنوي، حسب التالي:

1131b

البيانات في الجدول أعلاه توضح حجم التدهور الحاصل بقطاعي الإنتاج الزراعي والصناعي خلال السنوات المذكورة، سواء تم حساب معدل التغير من سنة الأساس أو معدل التغير السنوي من عام لآخر!
فخط الاتجاه العام لكلا القطاعين الإنتاجيّين آخذ بالانخفاض، وبنسب كبيرة ومرعبة كما هو واضح!

حجم المساهمة كان أعلى من 50% ووصل إلى أقل من 25%!

أخيراً ربما لا بد من توضيح نسبة مساهمة هذين القطاعين الإنتاجيين في جمالي الدخل المحلي خلال السنوات المذكورة، والجدول التالي يوضح ذلك:

1131c

الأرقام أعلاه توضح تماماً ما أصاب هذين القطاعين الإنتاجيين من تراجع على مستوى نسبة مساهمتهما بالناتج المحلي الاجمالي خلال السنوات المدروسة أعلاه!

فمساهمة الإنتاج الزراعي كانت 25% ووصلت إلى 14% فقط، ومساهمة الإنتاج الصناعي كانت 30% ووصلت إلى 10% فقط، وكلاهما كانا 55% ووصلا إلى 24%!

فهل من جريمة أكبر من ذلك بحق الإنتاج والمنتجين والبلد؟!

بعض الاستنتاجات!

طيلة السنوات المدروسة أعلاه كانت الحكومة تتحدث عن أهمية الإنتاج (الزراعي والصناعي) ودعمه، مقابل استمرارها بسياساتها المضرة بالإنتاج وتقويضه وبالاقتصاد الوطني عموماً!

فالأرقام أعلاه تبين التالي:

تراجع الإنتاج الزراعي والصناعي (عام وخاص) بدأ منذ ما قبل عام 2000، واستمر حتى عام 2011 بخطا تراجعية ثابتة نسبياً، وذلك تنفيذاً للسياسات الليبرالية الظالمة المطبقة!

التراجع في الإنتاج الزراعي أدى إلى مزيد من التراجع في الإنتاج الصناعي، باعتبار أن الكثير من الصناعات المحلية مرتبطة بالإنتاج الزراعي، بالإضافة إلى السياسات كسبب طبعاً!

تراجع دور الدولة وقطاعها العام (لقلة الدعم ولمسيرة الخصخصة المباشرة وغير المباشرة فيه) كان له دور على مستوى تسجيل المزيد من التراجع في الإنتاج!

التراجع الرقمي الكبير المبين أعلاه يعني أن الكثير من المنشآت الإنتاجية، الزراعية والصناعية، تعطلت أو توقفت كلاً أو جزءاً، أي مزيداً من العاطلين عن العمل والمفقرين!

استمرار تراجع إنتاج المواد والسلع محلياً يعني تعويض نقص الحاجات عبر بوابات الاستيراد، أي مزيداً من الارتفاعات السعرية، ومزيداً من تراجع معدلات الاستهلاك، والمزيد من التضخم، وبالتالي المزيد من التراجع الاقتصادي العام!

الانعكاسات السلبية لهذا التراجع والتوقف دفع ضريبته المنتجون والمستهلكون على السواء، بالإضافة إلى الاقتصاد الوطني!

هذا التراجع الكبير خلال السنوات العشر أعلاه بانعكاساته السلبية الكارثية على حياة السوريين كان أحد الأسباب الرئيسية لانفجار الأزمة!

سنوات الحرب والأزمة ساهمت بمزيد من التراجع، لكن السبب الرئيسي باستمرار التراجع بهذه الأرقام الفاقعة هو الاستمرار بنفس النهج والسياسات التدميرية للإنتاج!

فقد استمر التدهور حتى بعد استعادة سيطرة الدولة على الكثير من المناطق والأراضي، وبعد انخفاض مستوى التوتر العسكري والأمني في البلاد بشكل كبير، وما زال مستمراً حتى تاريخه!

ما زالت الحكومة مستمرة بالتذرع بالحرب والأزمة والعقوبات لتبرير موبقات سياساتها الظالمة المقوّضة للإنتاج وللاقتصاد الوطني!

المستفيد من كل ما سبق هم القلة القليلة من كبار أصحاب الأرباح، الذين أصبحوا متحكمين بالاقتصاد الوطني بشكل كلي!

هذه القلة ليس من مصلحتها استعادة الإنتاج والعملية الإنتاجية، بل على العكس تسعى إلى إنهاء كل ما هو منتج!

لا يمكن للإنتاج (الزراعي- الصناعي، العام- الخاص) أن يستعيد عافيته في ظل الاستمرار بنفس النهج والسياسات التدميرية والظالمة، وفي ظل استمرار تحكم القلة من حيتان أصحاب الأرباح بالاقتصاد الوطني وقراره!

1131d

معلومات إضافية

العدد رقم:
1131
آخر تعديل على الأربعاء, 19 تموز/يوليو 2023 20:18