بيانات من «واقع» النفط والمشتقات.. توضـح الكثير وتسـتوجب التوضــيح!

بيانات من «واقع» النفط والمشتقات.. توضـح الكثير وتسـتوجب التوضــيح!

تعتبر شركة «محروقات» وهي الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية سادكوب الموزع الرئيسي للمشتقات النفطية في سورية، وهي الشركة التي يتجمع لديها كافة البيانات حول إنتاج مشتقات النفط وأسطوانات الغاز في سورية، ومبيعات الدولة من هذه المشتقات ومشترياتها منها سواء الخارجية أو الداخلية، أي المستوردة والمصدرة.

قاسيون حصلت من مصادر خاصة على معلومات حول بيانات الربع الأول من عام 2014 ومن خلال هذه البيانات نستطيع أن نطرح العديد من التساؤلات، وأن نظهر بعض التناقضات في التصريحات الحكومية المتتالية بما يسمح بإزالة بعض الضبابية حول مسألة دعم المحروقات في سورية.. 

قراءة الأرقام والبيانات التي سنجريها -بعد أن نُذّكر بالتصريحات الرسمية المتعلقة بالموضوع-، تساعد في وضع مجموعة من التساؤلات التي تتطلب الرد عليها من المعنيين بهذا القطاع، وتلغي العديد من الذرائع الحكومية الموضوعة كحجج لرفع أسعار المحروقات، وربما من حق المستهلكين السوريين كافة، وكل من دفع تكاليف إضافية للحكومة أن يحصل على اعتراف بالمشروع الموضوع لرفع الدعم، وليس على مجموعة من الذرائع الواهية! علّنا على الأقل نوضع أمام البرنامج والمبررات الحقيقية لرفع أسعار المشتقات النفطية خلال الأزمة، لسحب المزيد من القليل المتبقي في جيوب من تبقى من المستهلكين في سورية..

 

التصريحات الرسمية.. المصدر الوحيد

لا يمتلك الإعلام المحلي أو الباحث الاقتصادي أو المهتم أي معلومات عن القطاع النفطي في سورية إلا ما يرد من تصريحات رسمية عامة مقتضبة صادرة بشكل رئيسي عن وزير النفط، بالإضافة إلى ما ينقل إلى الصحف الرسمية من بيانات سنوية نهائية محددة الأرقام، حيث أن إيرادات القطاع النفطي لم تكن تظهر بكاملها في الموازنات العامة حتى  عام 2011 وعلى هذا المقياس فإن مستوى «الشفافية» بما يتعلق بالقطاع النفطي كانت دائماً في أدنى المستويات!. وهذه مجموعة من التصريحات الرسمية لوزير النفط المأخوذة من موقع أخبار النفط والغاز الالكتروني التابع لوزارة النفط عن عامي 2013-2014 والتي ستستخدم في سياق قراءة البيانات والأرقام:

• تصريح رقم 1: 40 مليار ل.س حتى الآن

صرح وزير النفط سليمان العباس في آخر تصريح له حول دعم المشتقات النفطية مؤكداً أن قيمة الدعم المقدم للمشتقات النفطية خلال الربع الأول من العام الحالي بلغت 40 مليار ليرة. وذلك وفق تصريحه بتاريخ  29/4/2014.

ينبغي الإشارة هنا إلى أن قيمة الدعم المخصص للمشتقات النفطية في عام 2014 بأكمله قد بلغت 40 مليار ل.س في موازنة عام 2014، أي أن الوزير يعلن في تصريحه أن الدعم الحكومي المقدم للمشتقات النفطية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2014 قد تجاوز الدعم المخصص للعام بأكمله.

وأضاف العباس أن (أعباء الدعم التي تتحملها خزينة الدولة لا تزال في ازدياد وذلك مع تغير أسعار الصرف، فالمازوت اليوم يدعم بـ85 ليرة سورية لليتر الواحد وذلك أيضاً وفق سعر الصرف الرسمي، وكذلك الأمر بالنسبة لأسطوانة الغاز التي تباع بـ1000 ليرة سورية في حين تصل تكلفتها على الخزينة بما يزيد على 1900 ليرة سورية.)

• تصريح رقم 2: النفط من إيران والدفع لاحق

صرح وزير النفط بأن كافة احتياجات سورية من النفط الخام أو المشتقات النفطية الجاهزة تتأمن من إيران عبر الخط الائتماني الإيراني حيث ذكر: (الوزارة تعمل حالياً على تأمين حاجة الاستهلاك المحلي من النفط الخام والمشتقات بالاعتماد على الخط الائتماني الإيراني).

• تصريح رقم 3: الدعم فرق المبيعات والمشتريات

في تصريح لوزير النفط حول دعم المشتقات النفطية في عام 2013 استخدم الفرق بين مبيعات ومشتريات شركة محروقات لتقدير حجم الدعم حيث ذكر بأن: ( قيمة المبيعات الاجمالية لشركة محروقات لعام 2013 من المشتقات النفطية والغاز المنزلي فقد بلغت 327,7 مليار ل.س في حين بلغت قيمة المشتريات الإجمالية لهذه المواد 523 مليار ليرة وبلغت قيمة الدعم المقدم للمشتقات النفطية لعام 2013: 226 مليار ل.س.)

 

عوامل ترفع أعباء المحروقات.. وأخرى تخفضها!

الطرح الحكومي المتداول باستمرار بأن أعباء استيراد المشتقات وتكاليف إنتاجها قد ارتفعت بشكل كبير، وذلك بنتيجة جملة من العوامل المنطقية وهي: أولاً: تراجع الإنتاج المحلي من النفط الخام واللجوء للاستيراد، ثانياً: ارتفاع سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار بالتالي ارتفاع كلف الاستيراد بشكل كبير، ثالثاً: صعوبات النقل والتأمين الناجمة عن الوضع الأمني الداخلي والعقوبات الخارجية.

 

تراجع الإنتاج المحلي وزاد الاستيراد!

تراجع الإنتاج المحلي بشكل كبير بنسبة تفوق 95% من 385 ألف برميل يومياً في مطلع عام 2011 إلى 13 ألف برميل اليوم،  وتحول الاعتماد على استيراد النفط الخام أو المشتقات النفطية وذلك بحسب تصريحات لوزير النفط. وبالفعل تؤدي هذه المعطيات إلى رفع التكاليف ولكن بحدود نتيجة وجود عوامل متضاربة متعلقة بهذه النقطة:

بداية لم يكن النفط السوري المنتج محلياً في السابق يخفف بشكل كبير من تكاليف الاستيراد لأن النفط كان يباع للمصافي السورية بالسعر العالمي سواء كانت عمليات الشراء من الشركات السورية الوطنية أم الشركات العالمية، وهو ما كان يرفع من تكلفة إنتاج الليتر من المشتقات في المصافي ويرفع من تكلفة الدعم.

أي كأننا كنا نستورد النفط الخام سابقاً كما نستورده اليوم والاختلاف بجزء من التكلفة والنقل فقط، ومع فارق سعر الصرف اليوم.

 

ارتفاع كلف الاستيراد ولكن مؤجلة!

لا تحصل المصافي الوطنية اليوم على النفط الخام من حقول النفط السورية بطبيعة الحال، بل يتم استيراد النفط الخام الإيراني بالسعر العالمي أيضاً، ولكن من الخط الائتماني الإيراني أي أن الحكومة لا تدفع نقداً اليوم قيمة النفط الخام المستورد من إيران، أو المشتقات النفطية المستوردة، بالتالي فإن العبء المباشر لاستيراد النفط الخام مؤجل الدفع وغير مستحق الآن! وعلى الرغم من استيراد النفط الخام فإن كميات الإنتاج في المصافي الوطنية لم تختلف عن كميات الإنتاج في عام 2010 أي قبل الأزمة والجدول (المرفق بالأسفل) يوضح مقارنة لبيانات إنتاج المصافي بين 2010 و2013:

 

 

بناء على المقارنات التي اعتمدنا في بياناتها على التصريحات الحكومية المنشورة في صحيفة الثورة الرسمية لعامي 2010-2013، فإننا نستطيع القول بأن الإنتاج المحلي من المشتقات النفطية يماثل من حيث الكمية إنتاج المشتقات النفطية في عام 2010، وهنا لا بد من التساؤل كيف ولماذا لم تنخفض كميات المشتقات المنتجة على الرغم من تراجع الاستهلاك والمبيعات المحلية بشكل كبير؟

 

انخفاض الاستهلاك يخفض الأعباء!

ارتفعت تكلفة المستوردات بشكل كبير بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية من جهة، وبسبب ارتفاع أعباء النقل والتأمين، بالمقابل فإن كميات الاستهلاك من المشتقات الرئيسية انخفضت بشكل كبير بالمقارنة بين كميات الاستهلاك قبل الأزمة وخلالها: 

البنزين انخفاض بمقدار 61%: متوسط الاستهلاك الربعي (ثلاثة أشهر) في عام 2010:  750 مليون لتر بنزين، مقابل استهلاك حالي 287 مليون ليتر.

المازوت انخفاض بمقدار 64% : متوسط استهلاك المازوت الربعي: 1,7 مليار ليتر، مقابل 605 مليون لتر أي انخفاض الاستهلاك بمقدار: 64% تقريباً.

 

ارتفاع أسعار المبيعات بنسب أكبر!

تعداد الجوانب السابقة يهدف إلى التنويه إلى أن ازدياد أعباء دعم المشتقات النفطية كما تكرر وتؤكد التصريحات الحكومية، ليس أمراً محسوماً مع وجود عوامل متعارضة تزيد الأعباء وتخففها من جهة أخرى فوجود وجود إنتاج محلي معادل للإنتاج السابق يخفف من ثقل الاستيراد، وتأجيل دفع الحكومة حتى الآن لأسعار مستورداتها من نفط إيران وفق الخط الائتماني (الذي يقتضي الدفع اللاحق) يخفف من أعباء سعر الصرف، يضاف إلى ذلك رفع الحكومة لأسعار المبيعات بشكل كبير لتغطي جزءاً هاماً من تكاليف النقل والتأمين وغيرها:

المازوت أكثر من سبعة أضعاف: ارتفع سعر ليتر المازوت بين ما قبل الأزمة واليوم من 7 ل.س/لليتر إلى 60 ل.س/لليتر.

البنزين ضعفي السعر السابق:  فقد ارتفع من 40 ل.س/ للتير عام 2010 إلى 120 ل.س/ لليتر.

أما الغاز فقد ارتفعت تكلفة تبديل أسطوانة الغاز المنزلي من 250 ل.س إلى 1200 تقريباً بمعدل يزيد عن ثلاثة أضعاف، على الرغم من أن مشتريات الغاز المنزلي ومبيعاته في الربع الأول من عام 2014 تشير إلى عوائد، وفق الجدول التالي:

 

  

بناء على تصريح وزير النفط حول دعم المشتقات النفطية في عام 2013 والقائم على الفرق بين مبيعات ومشتريات شركة محروقات من المشتقات النفطية والغاز، فإن قياس دعم المشتقات النفطية للربع الأول لعام 2014 وبناء على المعلومات الواردة لجريدة قاسيون يوضح التالي:

  

بالمقابل هناك طريقة قياس أخرى لدعم المشتقات النفطية باعتماد الفرق بين المبيعات وبين كلفة مستلزمات الإنتاج وأجور النقل والتي تحسب وفق التالي: 

  

بالتالي فإن رقم دعم المشتقات النفطية والغاز معاً يتراوح بين 19-36 مليار ل.س ولا يصل إلى 40 مليار ل.س، وهو ما يخالف تصريح وزير النفط الذي أعلن أن دعم المشتقات النفطية والغاز المنزلي، بلغ 40 مليار ل.س في الربع الأول من عام 2014! وفي هذا عدم دقة في التصريحات وعدم وضوح في طرق القياس.

 

الاستيراد عشرات المليارات فقط!

أيضاً بناء على التصريحات فإن ارتفاع سعر الصرف وزيادة أعباء الاستيراد هي السبب الأساسي في ارتفاع أعباء دعم المشتقات النفطية، حيث يعتبر ارتفاع حجم المستوردات مقابل تراجع الإنتاج، مع ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة من المسببات الرئيسية لارتفاع الأعباء.

ولكن البيانات والمعلومات تشير إلى أن كميات الاستيراد منخفضة بالقياس إلى كميات الاستهلاك حيث بلغت كميات الاستيراد لأهم المشتقات ولإجمالها كالتالي:

بيانات قيمة الاستيراد في الربع الأول من عام 2014 

  

إن البيانات التالية تشير إلى أن نسبة المستوردات من تأمين المشتقات النفطية منخفضة، إن انخفاض عبء الاستيراد من مجمل الاستهلاك يلغي إلى حد بعيد ذريعة تغيرات سعر الصرف كمسبب لارتفاع كلف وأعباء تأمين المشتقات النفطية على الحكومة، فهو لا يشكل سوى نسبة 12% من مجمل مستلزمات الإنتاج والنقل.

 

  نقاط بانتظار الرد: كيف تبررون التالي..؟!

 • البيانات تغالط تصريحين لوزير النفط الأول يتعلق (بتكبير) رقم دعم المشتقات النفطية في الربع الأول من 2014 بينما المعلومات تشير إلى أن الدعم بين 19-36 مليار ل.س. والتصريح الثاني المتعلق بتكلفة إسطوانة الغاز والإعلان عن دعم للغاز بينما تشير بيانات المشتريات والمبيعات إلى تحقيق محروقات لفائض من مبيعات الغاز بمقدار 2,8 مليار ل.س

 

• ما الذي يفسر وجود إنتاج محلي من المشتقات في المصافي الوطنية، يعادل إنتاج ما قبل الأزمة على الرغم من تراجع إنتاج النفط الخام بمقدار 95%، أي لماذا يتم استيراد نفط خام لإنتاجه بهذه الكميات على الرغم من تراجع استهلاك المشتقات النفطية الرئيسية بنسب تزيد عن 60%، وبسؤال آخر لماذا استيراد وإنتاج كميات كبيرة لا تستهلك، وبالتالي من يستهلكها!

• طالما أن الدفع وفق الخط الائتماني الإيراني هو دفع مؤجل، فلماذا يوضع سعر الصرف كذريعة لارتفاع الأعباء ويصرح المسؤولون عن القطاع أن تكاليف استيراد المشتقات النفطية ترتفع مع ارتفاع سعر الصرف بينما الاستيراد لا يشكل سوى نسبة 14% من التكاليف وفق البيانات!

• بما يخص آخر رفع للأسعار وهو أسعار البنزين، فإن البيانات تشير إلى أن سورية لم تستورد أي كمية من البنزين خلال الربع الأول، فماذا نسمي إعلان وزير النفط أن سبب رفع السعر هو ارتفاع سعر الصرف وارتفاع الأعباء!

• كيف تبرر الحكومة أن يكون ما تأخذه من المستهلكين السوريين في ثلاثة أشهر من عام 2014  (99,9 مليار ل.س) أكثر مما كانت تحصله من مبيعات داخلية وخارجية في عام 2010 وقبل الأزمة الوطنية (67 مليار ل.س)!

أصحاب القرار  في الاقتصاد السوري أعلنوا سياسة  ضغط النفقات، والتراجع عن الدعم والاعتماد على جيوب المستهلكين للمحافظة على ما في جيوب كبار الفاسدين واستمرار الضخ إليها، ولذلك فإن المساجلات والنقاط المطلوب الرد عليها هي فقط لإيقاف مهزلة التصريحات والتبريرات التي تضاعف الاستفزاز والاحتقان وتزيد التزام السوريين بالصمت حتى الآن صعوبة!