الكارثة المعاشة وصعوبات تحمل الاستفزازات الرسمية
سمير علي سمير علي

الكارثة المعاشة وصعوبات تحمل الاستفزازات الرسمية

تم رفع سعر المشتقات النفطية (بنزين- مازوت) رسمياً، وقد ترافق ذلك مع الكثير من التبريرات والذرائع المعتادة، العاجزة عن تغطية موبقات السياسات الحكومية بآثارها ونتائجها الكارثية على الإنتاج والأسعار والخدمات والنقل و.. وعلى معيشة المواطن بالمحصلة.

فبحسب رئيس الحكومة، خلال إفادة صحفية، فقد كانت الحكومة أمام خيارين: «إما أن تفقد المشتقات النفطية من الأسواق، أو أن نزيد سعرها بشكل بسيط يساعد في تأمينها، ومن دون اتخاذ هذا القرار كان الواقع سيكون هو وقف النشاط الاقتصادي، ووقف جميع الخدمات التي تقدم للمواطنين».
ولا ندري إن كانت العبارة أعلاه تدخل ضمن التبريرات الذرائعية المعتادة رسمياً، أو تكريساً للعجز والتحلل من المسؤوليات بشكل مباشر، أم تعبيراً عن حال الانفصال الحكومي عن الواقع؟!

مزيد من الاستفزاز الرسمي

يضيف رئيس الحكومة في إفادته: «رفع سعر ليتر المازوت 200 ليرة تأثيره بسيط جداً، وضمن الحدود المقبولة للظروف العامة على أسعار المنتجات المحلية.. الدولة لا يمكن أن تضع المواطن أمام واقع صعب.. رفع سعر المشتقات النفطية ليس سياسة اقتصادية تنتهجها الحكومة، لكن فرضتها الظروف».
كذلك قال وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حديث إذاعي: «سيكون هناك رفع في أسعار بعض المنتجات والخدمات، لكنه لن يكون كبيراً.. الحكومة ليست تاجراً، وهي لا تزال خاسرة حتى بعد الرفع الأخير.. 44% من كميات المازوت المستوردة تذهب لقطاع النقل، وهي كميات كبيرة جداً، لذلك رفع السعر 200 ليرة لليتر الواحد لا يمكن حتى التفكير فيه».
غيض من التفنيدات لفيض من الاستفزازات
إن التأثير البسيط والحدود المقبولة حكومياً هي غير ذلك في الواقع تماماً!
فالحدود المقبولة حكومياً، بسبب الظروف العامة، غير مقبولة شعبياً لنفس الظروف تحديداً، والتي جعلت من واقع المواطن أكثر صعوبة بأشواط، بل جعلته كارثياً بكل ما تعنيه الكلمة معنى!
والتأثير البسيط بنظر الحكومة هو مزيد من تلك الآثار الكارثية على حياة ومعيشة المواطن!
وعلى العكس من حديث الحكومة أعلاه، فإن النهج الاقتصادي السياسي المتبع يعتمد على رفع أسعار المشتقات النفطية بين الحين والآخر، بالتوازي مع إجراءات تخفيض الدعم على هذه المشتقات، والواقع والوقائع تؤكد ذلك!
اما الفاقع فهو الاعتراف بأن ذلك سيؤدي إلى رفع أسعار بعض المنتجات والخدمات، لكنه بحسب الحكومة لن يكون كبيراً!
مع العلم، أن وقائع ارتفاعات الأسعار مستمرة وكبيرة، وتطال جميع المواد والسلع والخدمات، وعمليات الرفع السعري في الأسواق لا تنقصها المبررات والذرائع، فكيف الحال مع زيادة الأسعار رسمياً، وللمشتقات النفطية التي تشكل جزءاً أساسياً وكبيراً من التكلفة لجميع القطاعات الاقتصادية وأنشطتها؟!
أما أن «الحكومة ليست تاجراً» فتسقط مباشرة مع عبارة «لا تزال خاسرة» التي تبعتها!
فالحكومة فعلاً تتعامل مع المواطنين بمنطق التاجر وأدواته، فهي بين الحين والآخر، وعن لسان الكثيرين من رسمييها، تعيد على مسامعنا ما يتم إنفاقه مقابل ما يتم جبايته، وخاصة ما يتعلق بالمواد المدعومة، وكأنها صاحبة المال، وليست كما هو مفترض مؤتمنة عليه لمصلحة المواطنين، كل المواطنين، وليس لمصلحة شريحة الأثرياء من حاصدي الأرباح، مستغلين وفاسدين وناهبين!
المفروغ منه والمهام الصعبة!
ربما لم يكن هناك داعٍ للمزيد من الحديث عن السياسات الحكومية وإجراءاتها المتتابعة، فالنتائج الكارثية لهذه السياسات أصبحت أكبر وأوسع وأعمق بكثير من أن يتم تبويبها واختصارها ببعض العبارات، فمجلدات غير كافية لإنجاز مثل هذه المهمة!
والمهمة الأصعب بالنسبة للمواطنين، ربما تتمثل في رصد التبريرات الذرائعية لاستمرار هذه السياسات الظالمة، والنهج التدميري المستمر لكل القطاعات والأنشطة الاقتصادية في البلاد، وخاصة المنتجة!
أما محاولة تحمل مضمون بعض التصريحات الرسمية، المستفزة والمنفصلة عن الواقع، من قبل المواطنين فهي من

أصعب المهام بالنسبة إليهم!

فقد امتلأت المواقع الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي بعبارات التعرية والفضح لجملة السياسات المتبعة بآثارها وتداعياتها ونتائجها الكارثية والهدامة، وكذلك التهكم على الذرائع والمبررات التي يتم اجترارها رسمياً مع كل متغير، مع الكثير من عبارات الغضب، وكظم الغيظ على تصريحات الاستفزاز الرسمية، وصولاً إلى الحديث المعمم عن ضرورة التغيير الجذري والعميق والشامل، للسياسات والبنى المتحكمة بمصير البلاد والعباد، ولا شك أن هذه المهمة قد أصبحت أسهل بكثير من مهمة تحمل موبقات السياسات الظالمة، ومهمة كظم الغيظ، بالنسبة لعموم المواطنين، بغالبيتهم المفقرة والمهمشة والمطحونة!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1101
آخر تعديل على الخميس, 22 كانون1/ديسمبر 2022 14:58