بين السياحة والإنتاج.. الأرباح الكبيرة والسريعة أولاً
سمير علي سمير علي

بين السياحة والإنتاج.. الأرباح الكبيرة والسريعة أولاً

سنقف فيما يلي عند خبرين مقتضبين، تم تداولهما منفردين عبر بعض المواقع الإعلامية نهاية الشهر الماضي، للمقارنة بين منشآت الإنتاج ومشاريع السياحة على مستوى الاهتمام الحكومي في ظل السياسات المتبعة:

فنقلاً عن مدير صناعة حمص بتاريخ 25/7/2022، أنه: «بلغ مجموع عدد المنشآت الصناعية والحرفية المرخصة والمنفذة منذ بداية العام الجاري وحتى تاريخه 287 منشأة، برأسمال قدره 12,5مليار ليرة، مما يوفر حوالي 711 فرصة عمل جديدة».
على الطرف المقابل، ورد على موقع الحكومة بتاريخ 26/7/2022 ما يلي: «منحت هيئة الاستثمار السورية إجازة استثمار لأول مشروع سياحي من مستوى أربع نجوم وفق أحكام القانون 18 لعام 2021 بتكلفة تقديرية 48 مليار ليرة سورية، حيث يؤمن المشروع 158 فرصة عمل».

مقارنة بسيطة وفاقعة

في مقاربة أولية لما ورد في الخبرين أعلاه نورد النقاط التالية للمقارنة:
الكلفة التقديرية للمشروع السياحي في طرطوس أعلاه /48/ مليار ليرة، توازي تقريباً أربعة أضعاف كلفة رأسمال المنشآت الصناعية والحرفية المرخصة في حمص منذ بداية العام وحتى الآن المقدرة بـ /12,5/ مليار ليرة.
الفارق الكبير لفرص العمل التي سيوفرها المشروع السياحي بواقع /158/ فرصة عمل، بالمقارنة مع فرص العمل التي وفرتها المنشآت الصناعية والحرفية بواقع /711/ فرصة عمل.
الرأسمال الوسطي لكل منشأة صناعية وحرفية، بحسب الأرقام أعلاه، تقدر بحدود 43 مليون ليرة.
مبلغ 48 مليار ليرة سورية كرأسمال بحال تم توظيفه في الصناعة والحرف، فهذا يعني إضافة 1,116 منشأة صناعية وحرفية، مع تأمين 2,790 فرصة عمل إضافية تقريباً.
مع الأخذ بعين الاعتبار، أن المشروع السياحي سيقام على مساحة من الأرض تبلغ نحو 15,000 متر مربع، ولو تم تخصيص ما يعادلها للإنتاج، فستتسع لعشرات المنشآت الصناعية والحرفية الاضافية.
إن المشروع السياحي أعلاه سيستفيد من مزايا قانون الاستثمار 18 لعام 2021، بما فيه من إعفاءات وتسهيلات، وخاصة التسهيلات التمويلية.
وسيستفيد المستثمر «الأوحد» من الأرباح الكبيرة والسريعة والمضمونة من مشروعه السياحي.
مقابل كل المعيقات التي تواجه المنتجين (في الصناعة والحرف)، اعتباراً من صعوبات تأمين مستلزمات الإنتاج، مروراً بتخفيض الدعم على بعض هذه المستلزمات، وخاصة المحروقات، وليس انتهاءً بما يترتب عليهم من تكاليف ورسوم ونفقات، حيث لا يستفيدون من ميزات الإعفاءات والتسهيلات الممنوحة للمستثمرين الكبار!
فصاحب المنشأة الصناعية والحرفية بالواقع العملي أصبح بالكاد يحصل مصدر دخل يؤمن له كفاف العيش.
يبقى الفارق النوعي المضاف في تشغيل العاملين في سلاسل التوريد والتوزيع، بين منشأة واحدة سياحية، مقابل 287 منشأة صناعية وحرفية.
مع الفارق النوعي الإضافي الذي لا يقل أهمية والمتمثل بما تؤمنه المنشآت الصناعية والحرفية من بضائع وسلع، والقيمة المضافة عليها، بما في ذلك المنتجات التصديرية منها، والشرائح الواسعة المستفيدة منها.
مقابل الشريحة المستهدفة من المنتج السياحي الاستثماري، والمتمثلة بشريحة النخبة من المليئين مالياً، الباحثين عن الترفيه والترف.
فهل من يسأل، بعد المقارنات البسيطة أعلاه، لماذا تقتضي المصلحة الوطنية أن يكون الإنتاج أولاً، ولماذا لا بد من الانتهاء من جملة السياسات التوحشية التي أوصلتنا لما نحن فيه من خراب؟!

الاهتمام الحكومي منقطع النظير!

بحسب التصريحات الرسمية، فإن الحكومة تولي اهتمامها بالمشاريع الاستثمارية، وتعمل على تشجيعها وتقديم كل ما يمكن من تسهيلات وإعفاءات لها، مع المزيد منها، مع قوننة هذه الإعفاءات والامتيازات، بما في ذلك التمويل وتأمين الأراضي.
ولعل إيراد الخبر أعلاه عن المشروع السياحي في طرطوس، على الموقع الحكومي الرسمي، دليل على مدى الاهتمام بالمشاريع السياحية المرخصة وفق أحكام القانون 18 لعام 2021، الذي يمنح المستثمرين الكثير من المزايا والإعفاءات والتسهيلات، بما في ذلك التسهيلات التمويلية الكبيرة طبعاً.
فعلى النسق نفسه من الاهتمام الحكومي بالمشاريع السياحية لأصحاب الأرباح، وبتاريخ 6/8/2022، تم وضع حجر الأساس من قبل وزير السياحة لمشروع سياحي خاص في طرطوس أيضاً، بكلفة تقديرية تصل لـ٦٠ مليار ليرة، كذلك قام بافتتاح عدة مشاريع سياحية أخرى في المحافظة.
وربما لا داعي بالمقابل لمزيد من الحديث عما يواجه الإنتاج (صناعي- زراعي- حرفي) من صعوبات ومعيقات، على الرغم من كثرة مطالب الصناعيين (والمنتجين عموماً) بتذليلها، أو مساواتهم بالامتيازات والمزايا الممنوحة للمشاريع الاستثمارية، الخاصة بكبار أصحاب الأرباح، بالحد الأدنى، لكن دون جدوى!
والنتيجة، مزيد من الإعاقة للإنتاج والمنتجين رسمياً، مقابل المزيد من المزايا والإعفاءات لمشاريع الترف والسياحة والربح السريع، في الوقت الذي نعيش فيه جملة من الأزمات على المستوى الوطني!
فالسياسات الليبرالية التمييزية المتبعة، والتي تصب بمصلحة شريحة أصحاب الأرباح فقط لا غير وعلى طول الخط، على حساب مصالح جميع الشرائح الاجتماعية الأخرى، وخاصة الغالبية من أصحاب الأجور، كما على حساب المصلحة الوطنية، والتي وصلت لمرحلة التوحش بنتائجها الملموسة على المستوى الإنتاجي والمعيشي والخدمي والتعليمي والصحي و.. لم ولن تخرجنا من أزماتنا، بل على العكس، توسعها وتزيدها تعمقاً يوماً بعد آخر!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1082