الاستثمار في الطاقات المتجددة وهم لن يحل الأزمة!
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

الاستثمار في الطاقات المتجددة وهم لن يحل الأزمة!

هل التعويل على الاستثمار في الطاقات المتجددة سيحل أزمة الكهرباء المستفحلة والمزمنة؟

يبدو من الصعب الإجابة عن هذا التساؤل وذلك لعدة أسباب، أهمها ربما يتعلق في البيئة الاستثمارية المتاحة نفسها بهذه الظروف، وهل هي قادرة على استقطاب حجم استثمارات كافية لتسد الفجوة الكبيرة بين حجم التوليد المتاح وحجم الحاجات الفعلية؟
وبحسب الحكومة سيتم عقد مؤتمر تحت عنوان «الاستثمار في مجال الطاقات المتجددة والكهرباء» لجذب المستثمرين وتشجيعهم على إقامة مشاريع في هذا المجال وإدخالها في توليد الكهرباء وتوزيعها.

أرقام رسمية

بحسب وزير الكهرباء خلال لقاء تلفزيوني على قناة الميادين في شهر شباط الماضي قال: «كانت الاستطاعة المولّدة في سورية قبل الحرب حوالي 9500 ميغاوات، انخفضت في بعض الأحيان إلى 900 ميغا طبعاً نتيجة الاستهداف والحرب.. هذا أدّى إلى انخفاض توريدات الغاز والنفط إلى محطات التوليد. كان الإنتاج 9500 ميغا، حالياً لدينا 4750 ميغاوات، وهذه الكمية كافية لتغذية الإخوة المواطنين بعدد ساعات جيّد، أقول تبلغ أكثر من 70 بالمئة، لكن انخفاض توريدات الغاز إلى محطات التوليد الجاهزة أدّى إلى هذا التقنين الحادّ الذي يلمسه المواطنون».
وحول توفر الغاز اللازم لمحطات التوليد بقدرتها التشغيلية الحالية قال الوزير: «لدينا 4750 ميغا جاهزة، لكنّها تحتاج إلى 18 مليون متر مكعب من الغاز يومياً، وما يصل إلى وزارة الكهرباء حالياً حوالي ثمانية ملايين أو أقل».
وبهذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن الغاز المستخدم لتشغيل محطات التوليد هو غاز محلي من حقول الغاز الموضوعة في الاستثمار، مع الأخذ بعين الاعتبار ما يتم الحديث عنه رسمياً حول الاكتشافات الغازية الجديدة بين الحين والآخر، وخاصة في المنطقة الوسطى، والتي لم نعرف فيما إذا تم وضعها بالاستثمار أم لا، مثل حقول أبو رباح بأرقامها العديدة، وحقول دير عطية أيضاً، وغيرها مما تم تسليط الضوء عليه مع الكثير من البهرجة الإعلامية المرافقة لها بحينه، بما في ذلك حقلا غاز أبو رباح رقم 24 ورقم 13 مؤخراً!
فآخر بيانات بهذا الشأن على الموقع الرسمي للشركة السورية للنفط كانت في عام 2017، حيث ورد التالي: «تم في مديرية حقول المنطقة الوسطى (جنوب الوسطى) خلال عام 2016 حفر وإصلاح (5) آبار تم إدخالها بالإنتاج ليصل وسطي الإنتاج حالياً إلى (5,6) مليون م3 باليوم، ومن المتوقع حتى نهاية عام 2016 إدخال بئرين إنتاجيين جديدين».
وبالمقارنة مع حديث الوزير أعلاه فإن 8 ملايين متر مكعب من الغاز المورد إلى محطات التوليد لم يطرأ عليها أي تعديل إثر الحديث عن الاكتشافات الغازية الجديدة!
فهل يحق لنا أن نتساءل أين هي هذه الاكتشافات، وأين أصبح مآلها ومصيرها، طالما لم يتم تورديها إلى محطات التوليد؟!

الفجوة الكبيرة

حديث الوزير أعلاه يبين حجم الفجوة بين 9500 ميغاوات ما قبل الأزمة، رغم عدم كفايتها في حينه، وصولاً إلى 4750 ميغا جاهزة الآن، لكنها غير متاحة بسبب نقص توريدات الغاز، وبالتالي فإن حجم التوليد بمقاييس الغاز المتاح تصبح 2111 ميغا فقط، أي إن الفجوة التي يتم الحديث عنها تقدر بـ7400 ميغا، للوصول إلى ما كانت عليه قبل الأزمة، علماً أنها لم تكن كافية لسد كافة الاحتياجات في حينه.
فهل يكفي استمرار الحديث عن عمليات الصيانة والإصلاح لمحطات التوليد القائمة، مع الأخذ بعين الاعتبار عمر بعضها الزمني المستهلك؟
وما هو حجم الاستثمار الذي من المفترض أن يتم ضخه للوصول إلى هذا الحجم من التوليد الكهربائي؟
وهل من الممكن الاعتماد على الطاقات المتجددة لسد هذه الفجوة الكبيرة؟

خصخصة في التوليد والتوزيع

تم الإعلان رسمياً عن إطلاق المؤتمر الأول للاستثمار في مجال الطاقات المتجددة والكهرباء، والذي من المقرر أن يعقد خلال يومي 15-16 من الشهر الحالي في دمشق.
وبحسب صفحة الحكومة الرسمية أكد وزير الكهرباء أن: «المؤتمر فرصة لتبادل الخبرات وجذب المستثمرين وتشجيعهم على إقامة مشاريع في هذا المجال وإدخالها في توليد الكهرباء وتوزيعها، وسيناقش مستقبل الطاقة الكهربائية والفرص الاستثمارية في قطاع الكهرباء وآليات التمويل والضمانات اللازمة وتجارب الدول في تطوير القطاع والاستفادة من الاستثمار الخاص، وأن الوزارة هيأت بيئة تشريعية جديدة للاستثمار بهذا المجال حيث تم مؤخراً إحداث صندوق لدعم الطاقات المتجددة ورفع كفاءة الطاقة وتطوير بعض التشريعات القديمة كالقانون 32 لعام 2010 ليتلاءم مع الوضع الحالي للكهرباء ما يسهم في تطوير القطاع».
من الواضح أن الإعلان الرسمي والترويجي أعلاه يتيح المجال أمام الاستثمار الخاص في الطاقات المتجددة على مستوى الإنتاج والتوزيع، أي خطوة إضافية باتجاه خصخصة قطاع الطاقة الكهربائية، وما تبقى لاستكمال الخصخصة ربما يكون الخطوة الأخيرة بهذا الشأن!
فهل ستكون خطوة الخصخصة تلك كافية بالنسبة للمستثمرين المحليين والدوليين؟
وهل من الممكن التعويل على الطاقات البديلة لسد العجز الحالي والبالغ بحدود 7400 ميغا؟

مثال ملموس

تعتبر مشاريع إنتاج الطاقة الكهربائية بالاعتماد على الطاقات المتجددة مكلفة، مع حجم توليد ضئيل، ولعل المشروع المعلن عنه مع إحدى الشركات الإماراتية دليل على ذلك.
فعلى الرغم من كل التهليل والبهرجة للمشروع عند الإعلان عنه، فإن حجم الإنتاج فيه لن يتجاوز 300 ميغا، وخصصت له مساحات واسعة من الأراضي باعتباره يعتمد على الخلايا الكهروضوئية، ومع ذلك لا أحد يعلم أين وصل بمراحله التنفيذية!
فكم مشروع شبيه من المفترض أن يتم استقطابه لسد الفجوة البالغة 7400 ميغا؟

البيئة المناسبة للاستثمار

تجدر الإشارة إلى أن موضوع استقطاب الاستثمارات بمختلف القطاعات لا يقتصر على آليات الترويج والدعاية، ولا على ما توفره الصكوك التشريعية مهما تضمنته من تسهيلات وإعفاءات وضمانات، فالأهم بالنسبة للمستثمرين، بالإضافة إلى عامل الربح طبعاً، هو حال الاستقرار في البيئة الاستثمارية التي تضمن لهم الأرباح المستمرة، وهو غير متاح على ما يبدو، بدليل كل ما سبق من مؤتمرات خاصة بالاستثمار، وكل ما صدر من تشريعات خاصة تحت عناوين تشجيع الاستثمار، حيث لم تسفر عن أية نتيجة!
فالمؤتمر المزمع أعلاه لن تكون نتيجته أفضل من سابقاته الاستثمارية، برغم كل التخلي والتفريط الحكومي المستمر لصالح الخصخصة!
ولتبقى أزمة الكهرباء مستمرة، بل مع مساعي تأبيدها دون حلول جدية وحقيقية لها!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1069
آخر تعديل على الإثنين, 09 أيار 2022 11:10