هجرة الأطباء ... أرقام مرعبة والنزيف مستمر
رند الحسين رند الحسين

هجرة الأطباء ... أرقام مرعبة والنزيف مستمر

بات التسارع في هجرة الأطباء ملحوظاً إلى درجة نيل هذا الموضوع الحصّة الأكبر من المداخلات التي تم طرحها في مؤتمر فرع نقابة الأطباء السنوي في حماة، الذي عقد في الثالث والعشرين من شهر شباط 2022.

فقد لفت رئيس فرع نقابة الأطباء بحماة الدكتور عبد الرزّاق السّبع إلى وجود حوالي 573 طبيباً غادروا القطر من محافظة حماة لوحدها!

أرقام كارثية، والقادم أسوأ

تقول الإحصاءات الرسمية بأنّ حوالي 1960 طبيباً غادروا البلاد خلال العام الماضي فقط، ليصبح مجمل عدد الأطباء الذين هاجروا حوالي 25 ألف طبيب منذ بداية الأزمة في 2011 وفق تصريح الدكتور ماهر الزعبي، المدير الإداري ومسؤول التواصل في مشفى الجيزة في درعا.
ورغم أن الأرقام مرعبة، إلّا أن المشكلة على ما يبدو ليست كمّية فحسب، بل ونوعية أيضاً، إذ أدّت هجرة الأطباء إلى فقدان اختصاصات كاملة بحالها، كاختصاص التخدير الذي بات يعاني من استنزافٍ سريع غير قابل للمعاوضة ضمن أجلٍ زمنّي قصير.
فإعداد 1500 طبيب تخدير لسدّ النقص يحتاج وقتاً وجهداً استثنائياً قد يصعب تحقيقه ضمن الظروف الطاردة التي تتسبّب بالمزيد والمزيد من الهجرات!

دوامة أسباب والنتيجة الأخيرة مزيد من الاستنزاف

يقول الطبيب محمد الهنداوي لإحدى الصحف: «هنالك قلة قليلة من الأطباء ما زالت قادرة على الصمود في ظل الغلاء المعيشي وتدني الأجور، أضف إلى ذلك معاناة الأطباء في عياداتهم من عدم توفر الكهرباء والمحروقات إلى جانب الضرائب السنوية الكبيرة».
وتساءل الهنداوي عن كيفية قدرة الأطباء وعائلاتهم على العيش في ظل الغلاء والدخل المتدني.
وبالإضافة إلى ما أشار إليه الدكتور الهنداوي، فإنّ أزمة نقص الكوادر الطبية قد خلقت سلسلة أخرى من الأزمات المتمثّلة بإجهاد الأطباء المقيمين في السنوات الأولى، حيث يتكبّد هؤلاء المعاناة الأكبر نتيجة هذا النقص.
يقول أحد الأطباء المقيمين: «كلّ طبيب مقيم هنا يقوم بعمله وعمل طبيبين أو ثلاثة آخرين، وبسبب قلّة الأطباء الاختصاصيين، نلجأ كثيراً للاعتماد على أنفسنا في معالجة بعض الحالات، وهذا ما يخلق هامش أخطاء طبيّة أكبر، وفي النهاية يخرج الطبيب المقيم بعد عمل متواصل لعشر ساعات يومياً تقريباً ليستلم راتباً لا يكفيه سوى ليومين أو ثلاثة! فيبدو المخرج الوحيد أمامه آنذاك هو السير على خطى من سبقوه، ومغادرة البلاد»!

مُشعر الخطر يعمل بخجل!

بناءً على ما سبق بدأت محاولات محدودة وخجولة لاحتواء الأزمة عبر سلسلة من القرارات والإجراءات، كان آخرها تخصيص «مكافأة شهرية» بنحو 200 ألف ليرة سورية لكل طبيب تخدير، و100 ألف أخرى كتعويض مناوبات.
إضافةً إلى ذلك كشف نقيب أطباء دمشق الدكتور عماد سعادة لإذاعة شام إف إم أنه تتم دراسة تسعيرة جديدة للأطباء بالتنسيق بين وزارة الصحة والمالية وعدة جهات، ومن المفترض أنها لن تطول، حيث من المتوقع أن تتراوح بين الـ10–20 ألف ليرة، علماً أن التسعيرة المتعارف عليها حالياً وفق د. سعادة تتراوح بين الـ 8–11 ألف.
الإجراءات السابقة تشبه محاولة مسح المياه من الأرضية بينما حنفية المياه ما تزال مفتوحة!
فالزيادة الشهرية التي تمّ وصفها بالمكافأة ما هي إلا جزء من حق طبيعي، ينبغي لأي طبيب بل ولأي مواطن الحصول عليه، وزيادة تسعيرة المعاينة قد يحلّ جزئياً مشكلة الأطباء، ولكنه يلقي ثقل المعاناة الأكبر على الناس التي لم تعد تدري «من وين بدها تلاقيها ولا من وين» ممّا سيجعل جزءاً كبيراً منهم مضطراً للجوء لخيارات بديلة، كالاعتماد على الوصفات الطبية الشعبية: «جاري صار معو نفس الشي وأخد هالدوا واتحسّن عليه»، أو إهمال صحتهم وجعل الأمراض تتراكم وتتفاقم أكثر!

ما الحل؟

هجرة الأطباء هي جزء من مشكلة الهجرة العامة والمستمرة دون توقف، التي تعاني منها البلاد في ظل انتفاء كل مقومات الحياة فيها، بل يبدو الأمر وكأن هناك سياسات تجريف بشري منظمة، قائمة ومستمرة!
فقد بات من المستغرب والمستهجن إن لم يفكر كل سوري أو سعى للهجرة-السفر-الهرب من هذا المكان «الجحيم»، برغم كل صعوبات التعامل المباشر مع مثل هذه الخيارات بالنتيجة.
وعلى اعتبار أن ترقيع المشكلة لن يجدي نفعاً وفقاً لمحاولات الحكومة حلّ بعض المشاكل والأزمات بهذه الطريقة الخجولة وغير المجدية، في ظل الاستمرار بنفس السياسات الطبقية الظالمة، الطاردة والنابذة للسوريين، فإن الخيار الوحيد المتبقّي هو نسف كل هذه السياسات التي تقود السوريين اليوم للبحث عن حياة بظروف أفضل، أو أقل ما يقال عنها أنها طبيعية أو شبه إنسانية، والسعي الجدي لإيجاد سياسات بديلة، أكثر إنصافاً وعدالة، تكون قادرة فعلاً على إنهاء جملة الوضع الكارثي الذي يعيشه السوريين!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1064