أمن الفساد النهبوي أهم من الأمن الغذائي لمواطن
نادين عيد نادين عيد

أمن الفساد النهبوي أهم من الأمن الغذائي لمواطن

الارتفاع المستمر للأسعار، مع الحفاظ على مستوى أجور منخفض جداً، أدى بطبيعة الحال إلى تقليص سلة الاستهلاك للأسرة السورية، وقد تتابعت السلة بالتقلص حتى بات رب الأسرة عاجزاً عن سد تكاليف وجبة غذاء بأبسط المكونات.

فماذا يعني أن تصبح الخضار والبقوليات ثقيلة على جيب رب الأسرة، بعدما كانت عوناً لموائدها بتكلفتها المقبولة، وبعدما أصبحت اللحوم بجميع أنواعها، ومشتقات الألبان والأجبان، من منسيات الغالبية المفقرة؟!
مادة البطاطا، كمثال، تعتبر غيضاً من فيض، تعبيراً عن الارتفاع الكارثي الذي طرأ على أسعار غذاء الفقراء من جهة، وكذلك تعبيراً عن مدى التقصير الحكومي في دعم القطاع الزراعي من جهة أخرى، وبين هذا وذاك تتلطى مصالح كبار الحيتان، المتحكمين بعمليات وسلاسل التوزيع والتسويق والبيع، وكذلك بعمليات الاستيراد والتصدير والتهريب.

البطاطا ومسلسل الكر والفر

يبدو أن مسلسل منع التصدير وفتح باب الاستيراد لمادة البطاطا، في ذات التوقيت الثابت من كل عام، مستمر بنكهة كوميدية، كما أن الأسباب والذرائع باتت معروفة لدى الجميع...
فقد تم مؤخراً السماح باستيراد البطاطا بكمية 20 ألف طن من مصر، وذلك خلال الفترة الممتدة ما بين الخامس عشر من الشهر الجاري حتى الخامس عشر من شهر آذار المقبل، بعدما وافق رئيس مجلس الوزراء على توصية اللجنة الاقتصادية المتضمنة تأييد مقترح وزارات الصناعة والزراعة والإصلاح الزراعي والتجارة الداخلية وحماية المستهلك.
الثابت وفقاً للعادة الحكومية، أن بداية الربع الأخير من السنة يقر مجلس الوزراء بمنع تصدير هذا النوع من الخضار حتى بداية إنتاج العروة الربيعية، ومن ثم يفتح باب الاستيراد من أحد دول الجوار، مثل مصر، في الفترة التي تسبق موسم العروة الربيعية...

الأسباب الظاهرة والكامنة

بالنسبة للأسباب الحكومية المعلنة، لكلتا حالتي التصدير والاستيراد، هي: توفير وتخفيض سعر المادة بما يتناسب والقدرة الشرائية، والحفاظ على مصالح المزارعين!
لكن اللافت أن سعر كيلو البطاطا بقي ثابتاً عند حدود 1500 ل.س وحتى 2500 ل.س، تبعاً للنوعية ولدرجة شعبية الأسواق، حتى بعد قرار إيقاف التصدير الذي أقره مجلس الوزراء بتاريخ 23 أيلول الماضي.
كذلك هي المبررات التي تم سوقها لاستيراد 20 ألف طن من البطاطا من مصر مؤخراً، فهي وفقاً لتصريحات مجلس الوزراء لتوفيرها بسعر مناسب ونوعية مقبولة في الأسواق المحلية، بعد أن أصبحت تكاليف تخزينها مرتفعة، ولتراجع المساحات المزروعة في المنطقة الوسطى جرّاء الصقيع المتكرر.
والسؤال الجدّي هنا، كيف يمكن أن يكون سعر المادة المستوردة من دول الجوار، مع كل ما تحمله عملية الاستيراد من أعباء وصعوبات وتكاليف إضافية لأجور الشحن والنقل والعمولات، أقل من تكلفة إنتاجها محلياً، أو من أعباء تكاليف تخزينها، لتوفيرها بسعر مقبول للمستهلك؟!
لنصل إلى خلاصة مختصرة مفادها: أن المواطن ليس المستهدف من تلك القرارات على مستوى السعر المقبول للمادة بالنتيجة!
فالتحكم بمنافد الاستيراد والتصدير لا يخضع لأهمية توفر المادة وبما يتناسب مع القدرة الشرائية للمواطن، إنما يتم تجيير ذلك العنوان العريض تبعاً لمصالح قوى السوق والفساد، بدءاً من القائمين على عمليات الاستيراد من الحيتان أولاً، الذين يحصلون على الحصة الأكبر من أرباح الاستيراد، وليس انتهاءً بتجار الجملة والمفرق المحليين، المنتفعين من هوامش الأرباح الإضافية، خلال عمليات البيع ثانياً.
المؤشر العملي الواضح على ذلك، بالنسبة لمثال مادة البطاطا قيد الاستيراد حالياً، هي آلية توزيع الكمية المستوردة البالغة 20 طناً، فقد صرح وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بتاريخ 20/2/2022 عبر صحيفة الوطن، بأن هذه الكميات سيتم توزيعها وفق التالي: 5 أطنان منها على صالات السورية للتجارة، وجزء سيباع لمعامل البطاطا والشيبس، وجزء ثالث سيباع في سوق الهال وللتجار.
ولا ندري كيف ستتحقق مصلحة المستهلك بالسعر المقبول للمادة وفقاً لذلك بالنتيجة؟

أسباب ارتفاع الأسعار

إن ارتفاع سعر مادة البطاطا، كغيرها من المواد والسلع الزراعية المنتجة محلياً، يعود لسببين رئيسيين:
الأول والأهم هو ارتفاع تكاليف الإنتاج على المزارع، مع تحكم وسيطرة من قبل قوى السوق على عمليات التسويق والتوزيع الداخلي، الذين يستغلون المزارع أبشع استغلال، وهذا يؤدي بالتالي إلى ارتفاع الأسعار على المستهلك بالنتيجة، بالإضافة إلى تراكم الخسائر لدى المزارعين موسماً بعد آخر، بغض النظر عن نوعية المحصول، فالتعميم جائز هنا.
والثاني أن قنوات التهريب ومنظومتها ما زالت مستمرة دون انقطاع، والمنتج ذو الجودة العالية يبقى محط اهتمام قوى السوق والفساد لهذه الغاية، فلا رقابة جدية قادرة على إيقاف سطوة منظومة الفساد تلك على ما يبدو، فقد أصبح التهريب يمثل جزءاً أساسياً من ريعها، ويتم ذلك طبعاً على حساب الكميات التي من المفترض أن تكفي حاجات الاستهلاك، وتحافظ على الاستقرار السعري في السوق.

لا دعم للمزارع والمستهلك

أُتخم المواطن من أبر البنج التخديرية الرسمية التي تتحدث عن الخطط الزراعية، وعن توفير مستلزمات الإنتاج الزراعي كافة!
وكذلك أُتخم بالحديث الرسمي عن مصلحته وعن الحفاظ على سلته الاستهلاكية الضرورية!
فلسبب ما لا نجد تنفيذاً حقيقياً لكل ذلك بما ينعكس إيجاباً على واقع الزراعة والمزارعين، والإنتاج عموماً، أو على مصلحة المواطن المستهلك!
فمع كل ما جرى ويجري، استمرت السياسات الحكومة الليبرالية خلال سني الأزمة بالتعمق، مع كل نتائجها الكارثية التي انعكست سلباً على الإنتاج بكافة قطاعاته، وكذلك على الواقع المعيشي للمواطن السوري بالنتيجة، وخاصة وبشكل مباشر على مستوى سلة استهلاكه الغذائي المرتبطة بقدرته الشرائية، التي انخفضت واستنفذت بشكل متسارع لا مثيل له، حتى وصلت إلى العجز الكبير الآن على مستوى أمنه الغذائي، وصولاً إلى درجات الجوع المستمرة بالتزايد.
ولمَ لا؟ فأمن وضمان مصالح قوى الفساد النهبوي، وتوسيع قاعدته ومركزته، بحسب السياسات الحكومية الظالمة، أهم من أمن المواطن الغذائي، الذي بات يحتاج إلى غرفة إنعاش.. لكنها غير متاحة!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1059