حلول ترقيعية على حساب الطلاب ومستقبلهم
عادل ابراهيم عادل ابراهيم

حلول ترقيعية على حساب الطلاب ومستقبلهم

رفعت جامعة دمشق كتاباً الى وزارة التعليم العالي بطلب الموافقة على امتحان وطني موحد لطلاب كلية الحقوق تعليم (نظامي ومفتوح) اعتباراً من هذا العام ٢٠٢١/٢٠٢٢، على ألّا يمنح الطالب الخريج الشهادة الا بعد اجتياز الامتحان الوطني، والذريعة هي رفع مستوى الخريجين على إثر التشكيك بمستوى بعضهم، بسبب اعتماد الاختبارات المؤتمتة التي ساهمت بتخفيض المستوى التعليمي.

فبرغم كل الملاحظات على الامتحان الوطني الموحد، وآلياته ونتائجه على مستوى بعض الكليات التي طبّق عليها خلال السنين الماضية، والتي دفع ضريبتها الطلاب الخريجون، جهداً ووقتاً إضافياً على حسابهم، وبرغم الحديث الرسمي عن إمكانية إلغاء هذا الامتحان لبعض الكليات التي تحقق بعض المعايير الخاصة بالجودة والاعتمادية، ما زالت محاولات تعميمه على باقي الكليات مستمرة، علماً أن مبرراته ومسوغاته لا علاقة لها بالطلاب بشكل مباشر إلا نسبياً، بل بالعملية التعليمية نفسها كمدخلات ومخرجات، بل وبمجمل السياسات التعليمية المتّبعة.

استياء معمم

طلاب كلية الحقوق في جامعة دمشق تلقوا خبر المطالبة بفرض الامتحان الوطني عليهم بالكثير من الدهشة والاستياء، حيث اعتبروا هذا الامتحان عقبة جديدة ستوضع أمام طموحهم، سواء من أجل استكمال دراساتهم العليا، أو من أجل دخولهم إلى سوق العمل، حيث سيعلق تخرجهم على اجتياز هذا الامتحان.
وقد عمّ هذا الاستياء طلاب كليات الحقوق في بقية الجامعات، فمن المتوقع أن يتم تعميم الامتحان الوطني، بحال إقراره من قبل وزارة التعليم العالي، على جميع خريجي كليات الحقوق في الجامعات السورية، وليس على مستوى خريجي جامعة دمشق فقط.

مبررات ومسوغات ساقطة

الامتحان الوطني الموحد بعهدة ومسؤولية مركز القياس والتقويم، الذي تم إحداثه في عام 2012، والذي يهدف إلى تقييم أداء الطلاب والبرامج والمؤسسات التعليمية الحكومية والخاصة، ووضع معايير واضحة للشهادات الأجنبية بناءً على منهجية عمل مؤسساتية وتقنيات وأدوات قياس معيارية، ويحرص على استخدام المقاييس التربوية والمهنية لإنماء القدرة التنافسية المستقبلية للمؤسسات التعليمية السورية، ولتحقيق العدالة ورفع سوية التعليم العالي في الجمهورية العربية السورية.
لكن على ما يبدو أن عمل المركز لم يكن على المستوى المطلوب، بالرغم من مضي كل هذه السنوات على إحداثه، وبرغم كل السلبيات التي لم يدفع ضريبتها إلا الطلاب الخريجون في بعض الكليات، الذين فرض عليهم الامتحان الوطني الموحد كشرط للتخرج!
ولم لا فقد تم التركيز على مخرجات العملية التعليمية، المتمثلة بإمكانات الطالب الخريج فقط عبر الامتحان الوطني، دوناً عن مدخلات هذه العملية، وبقية القضايا الهامة الأخرى المرتبطة بالعملية التعليمية، وبمجمل السياسات التعليمية المتبعة.
وليس أدل على ذلك مما صرح به وزير التعليم العالي خلال شهر أيار الماضي حيث قال «هناك مشروع قانون يُدرس في مجلس الشعب لإنشاء الهيئة الوطنية للجودة والاعتمادية، وهي هيئة مستقلة تشرف عليها وزارة التعليم العالي، وتضع معايير واضحة لتقييم الكليات ومناهجها ومخابرها والبحوث فيها، وكل كلية تحقق المعايير، يسقط عنها الامتحان الوطني، وبالتالي يرتفع ترتيب الجامعات السورية والسوية العلمية فيها، وتخلق تنافسية بين الكليات والجامعات».
حديث الوزير يوضح بما لا لبس فيه أن جوهر الأمر ليس بعهدة ومسؤولية الطالب، بل في المعايير والمناهج والمخابر والبحوث، وبالتالي فإن الامتحان الوطني لا مبرر له عندما يتم تحقيق هذه المعايير، وهي بعهدة الجامعات قولاً واحداً.
وللتذكير فقد سبق أن أكدت مديرة مركز القياس والتقويم في شهر أيار من عام 2017 أن «المشكلة هي في بيئة التعليم أو الكتاب الجامعي»، مضيفة: «إن مديرية الامتحانات في الكليات تعطي النتائج التي تعكس الدرجات الامتحانية التي يحصل عليها الطالب، لكنها لا تستطيع أن تعكس مستوى الطالب أو الأستاذ أو المنهاج».
بعد كل ذلك نتساءل عن جدوى وضرورة المطالبة بالامتحان الوطني لخريجي كلية الحقوق في جامعة دمشق الآن؟

المشكلة في مكان والحلول المقترحة في آخر

الواضح والجلي أن هناك ضرورة هامة لعملية القياس والتقويم والجودة والاعتمادية، على كامل مراحل العملية التعليمية، وليس على مستوى التعليم الجامعي فقط، وليس من خلال آليات الامتحان الوطني الموحد المفروض من كل بد.
فالمشكلة التعليمية متكاملة، وحلولها يجب ألا تكون ترقيعية كما هو عليه الحال، أو على حساب الطالب محدود المسؤولية حيالها، فالمسؤولية ليست محصورة بمستواه وجهده وتميزه فقط لا غير، بل يجب أن تشمل المدخلات والمخرجات، والمناهج وطرائق التعليم والكتب، والكادر التدريسي والإداري والأجور والتعويضات، والمستلزمات التعليمية والقاعات الدرسية والمخابر، والامتحانات وسلالم التصحيح، وغيرها الكثير مما يمكن إيراده من أجل الوصول إلى الحلول الناجعة التي تخرج العملية التعليمية ككل من جملة مشكلاتها المركبة والمعقدة.

تغيير السياسات التمييزية
والطبقية أولاً

لعل الأهم بهذا الصدد هو تغيير جملة السياسات التعليمية المتبعة بكافة المراحل التعليمية، والتي بات من الواضح أنها تسير نحو المزيد من الخصخصة، بذريعة ضغط الإنفاق، وغيرها من الذرائع الأخرى، أي المزيد من الفرز الطبقي الذي يحصد نتائجه المفقرون من الطلاب بكافة المراحل التعليمية.
فما يجري على قدم وساق حتى تاريخه، من خلال السياسات التعليمية المتبعة، ومن خلال المشكلات المتراكمة والحلول الترقيعية لها، بل من جملة السياسات الليبرالية المطبقة، أن التعليم يصبح يوماً بعد آخر حكراً على أبناء الأثرياء وذوي المحسوبية والسلطة، من الشريحة المخملية، فيما يحرم أبناء الفقراء من استكمال تعليمهم ليزجوا في سوق العمل، أو ليدفع بهم نحو البطالة والتهميش، ولا حل لجملة الأزمات والمشكلات المتراكبة، ليس على المستوى التعليمي فقط، بل على كافة المستويات الأخرى، إلا من خلال تغيير هذه السياسات جملةً وتفصيلاً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1048
آخر تعديل على الأحد, 26 كانون1/ديسمبر 2021 00:29