الاهتمام الرسمي المفاجئ بالرأي العام... إعلامي فقط!
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

الاهتمام الرسمي المفاجئ بالرأي العام... إعلامي فقط!

بعد كل النتائج السلبية للسياسات الليبرالية المتبعة على كافة المستويات، التي ضربت وتضرب بعرض الحائط بمصالح الغالبية من السوريين، وخاصة المفقرين، وصولاً إلى مرحلة التوحش التي طالت المعيشة والخدمات والصحة والتعليم والإنتاج و...، تطالعنا الحكومة باهتمامها المفاجئ بالرأي العام، لكن ليس من خلال إعادة الاعتبار لمصالح الغالبية التي يعبر عنها هذا الرأي العام بشكل أو بآخر، بل من خلال ما يجب التعبئة به إعلامياً لتسويق تلك السياسات وتبريرها، ليس إلا!

هكذا ترى الحكومة مسؤولياتها وواجباتها تجاه (الرأي العام) وما يمثله ويعبر عنه من مصالح وحقوق مغيبة ومستلبة، حيث تنحصر بمهمة إعلامية غايتها «توحيد الخطاب الإعلامي والمعرفي الموجّه إلى الرأي العام».

لجنة إعلامية داعمة

أصدرت الحكومة بتاريخ 2/12/2021 قراراً يقضي بتشكيل لجنة تحت مسمى «لجنة دعم إعلامي»، عضويتها مؤلفة من بعض معاوني الوزراء، وبرئاسة معاون وزير الإعلام لشؤون التطوير الإعلامي.
وقد حددت مهمة اللجنة بالتالي: تنسيق المعلومات المتداخلة بين الوزارات المعنية المتعلقة بكل قرار مزمع إصداره، وصياغة مسوغاته لإصداره وتحديد مسؤولية كل وزارة عند تطبيقه، وتوحيد الخطاب الإعلامي والمعرفي الموجّه إلى الرأي العام- الإشراف على المكاتب الإعلامية في الوزارات، حيث تشكّل اللجنة مصدراً أساسياً للأخبار والبيانات الصادرة عن الوزارات المعنية حتى تصل بشكل صحيح وفي الوقت المطلوب للرأي العام- التنسيق مع وسائل الإعلام لتهيئة الرأي العام قبل صدور قرارات تتعلق بالحياة المعيشية للمواطنين- ضمان تدفق المعلومات للمكاتب الإعلامية المعنية وتحديث المواقع الإلكترونية الخاصة بها- الإشراف على تنظيم لقاءات دورية بين المعنيين في وزاراتهم ووسائل الإعلام- الاتصال والتنسيق مع الوسائل الإعلامية فيما يتعلق بالاختصاصيين والمحللين والرد على الاستفسارات الواردة من قبل الإعلاميين.

تناقض صارخ مع الواقع لا يمكن تغليفه والقفز عليه

يبدو أن الحكومة كانت مضطرة للجوء لهذا الشكل من تنسيق العمل الإعلامي بين وزاراتها بشكل أكثر مركزية، ليس لوضع حد للتناقض في بعض التصريحات الرسمية، وخاصة بما يتعلق بالقرارات المرتبطة بالحياة المعيشية والخدمية للمواطنين، وما يتبع ذلك من «إحراج» إضافي تتحمل مسؤوليته تجاه الرأي العام (إن سلمنا بوجود إحراج تجاهه أصلاً)، بل للتغطية على التناقض الصارخ بين مضامين هذه القرارات بنتائجها مع مصالح المواطنين على أرض الواقع، وانعكاساتها السلبية على حياتهم المعيشية والخدمية، والتي أصبحت أكثر كارثية، والتي يتم التعبير عنها من خلالهم بأشكال وأساليب متعددة، وعبر العديد من الوسائل، والتي شكلت بالنتيجة رأياً عامّاً بالضد من هذه القرارات بمضامينها وانعكاساتها الكارثية عليهم.
فهل ستستطيع الحكومة بهذا النموذج الإعلامي الجديد المزمع أن تغطي على النتائج السلبية لقراراتها على أرض الواقع، وتمنحها صبغة تلتف على الرأي العام؟
يبدو ذلك مهمة مستحيلة، فمن الواضح أن كل غاية الحكومة من هذا الأمر هو التسويق لقراراتها وتبرير ما لا يمكن تبريره من سلبيات يتم حصادها إثر كل قرار يصدر عنها!

عن أي رأي عامّ يجري الحديث؟

الأكثر وضوحاً بمضمون عمل ومهمة اللجنة الإعلامية، الداعمة للعمل الحكومي، أنها غير معنية بالرأي العام لا من قريب ولا من بعيد إلا بما يخص التسويق والتبرير للقرارات الصادرة عن الحكومة والسياسات المطبقة من خلالها، مع التركيز على الحالة الاستباقية للقرارات قبل صدورها لتهيئة الرأي العام فقط، عسى يتم تقبلها، وهو أمر غير ممكن من الناحية العملية، كون مجمل السياسات المتبعة تمييزية بكل وضوح، فهي محابية لمصالح القلة الثرية والناهبة والفاسدة على حساب مصالح الغالبية المفقرة على طول الخط.
ليس ذلك فقط، بل إن من مهام اللجنة «الرد على الاستفسارات» فقط لا غير كما ورد اعلاه، أي لا مجال لإعادة النظر أو تصويب القرارات والسياسات المطبقة، مهما كانت نتائجها، ومهما كانت الآراء حيالها!
فمن الواضح أن الحكومة ماضية بسياساتها الظالمة والمجحفة بحق الغالبية، وعلى ما يبدو أن في جعبتها المزيد من القرارات الظالمة الإضافية بحق هذه الغالبية، لذلك كان لا بد من تهيئة ما يلزم للجم الرأي العام بشكل مسبق عبر مركزة الخطاب الإعلامي الرسمي بهذا الشكل الجديد المزمع تطبيقه، والذي يسحب البساط أيضاً من أيدي وسائل الإعلام الرسمية، وغير الرسمية كذلك.
فعن أي «رأي عام» يجري الحديث هنا، وأين أهميته والاهتمام فيه؟!

طبقية الرأي العام ودور الحكومة

قد نجد تبايناً لدى المختصين بمختلف المجالات حول معنى الرأي العام وتعريفه، كظاهرة متبدلة ومتغيرة بحسب المكان والزمان، والظرف والحالة الملموسة، لكن جميع هؤلاء متّفقون على أهميته وحيويته البالغة، بل وعلى مدى قوة تأثيره وفعله، لذلك يتم السعي المحموم دائماً، من قبل مختلف القوى الفاعلة، من أجل السيطرة عليه أو التأثير به لتغييره، بل وحتى لتحويل وتشتيت انتباهه أو لإضعافه، بمختلف الوسائل والسبل المتاحة.
فجوهر الأمر في التعامل مع الرأي العام طابعه طبقي، مهما اختلفت وتباينت الأساليب والطرق حياله، تماماً كحاله نفسه بما يعبّر عنه من مصالح الغالبية التي تشكله ليحمل صفة العمومية، ولو كان كظاهرة متبدلة ومتغيرة، مكاناً وزماناً وظرفاً، فالرأي العام ظاهرة جوهرها طبقي، وكذلك التعامل معه.
فصانعو القرارات، الحكوميون أو غير الحكوميين، سياسيون أو اقتصاديون، منتجون أو مسوقون، بمختلف القطاعات والمجالات الحيوية التي تمس حياة عامة الناس ومصالحهم، يلجؤون عادة إلى سبر الرأي العام ومعرفته قبل اتخاذ قراراتهم، لاستمالة هذا الرأي بما يعزز غاية وأهداف تلك القرارات، أو لتعديل بعض مضامينها ومخرجاتها بما يحقق هذه الغاية (الاستمالة) ما أمكن ذلك، أو اللجوء إلى أساليب التأثير، المباشرة وغير المباشرة، بهذا الرأي، لتحويله أو لتشتيته أو لتغييره، وربما للسيطرة عليه وتوجيهه بالضد من مصالح من يعبر عنهم!
فالتعامل مع الرأي العام، كظاهرة متبدلة ومتغيرة، يختلف بناء على الجهة التي تتعامل معه وغاياتها من معرفته وسبره في اللحظة المعنية، قبل اتخاذها لقراراتها التي تمسه، أو بعدها، بغض النظر عن الأساليب التي تتعامل من خلالها معه، بما في ذلك أساليب التضليل والضغط بما يحقق مصالح من تمثلهم هذه القرارات بالنتيجة.
والسؤال الذي يطرح نفسه، على أرضية تشكيل «لجنة دعم إعلامي» للحكومة وفقاً لمهامها الواردة أعلاه المتمثلة «بتهيئة الرأي العام قبل صدور قرارات تتعلق بالحياة المعيشية للمواطنين»:
مصالح من تمثل الحكومة عبر قراراتها وسياساتها؟ ولماذا أصبحت مضطرة للتأثير المسبق في الرأي العام بهذا الشكل المركزي الآن؟
لا شك أن الإجابة لم تعد صعبة على الرأي العام المعبر عن مصالح الغالبية المفقرة، فمصالح القلة الفاسدة والناهبة هي المحبية من القرارات الحكومية الصادرة تباعاً، ومن جملة السياسات الليبرالية المطبقة، والوقائع الملموسة أصبحت أكثر من أن تعد وتحصى بهذا الصدد.
والخشية أصبحت أكثر مشروعية مما تضمره الحكومة، ومن تمثل مصالحهم، من قرارات لاحقة بالضد من مصالح الغالبية المفقرة والمهمّشة، والتي أعدّت العدة الإعلامية من أجل تهيئتها «كرأي عام» لتتحمل المزيد من النتائج الكارثية على معيشتها وخدماتها، فما خفي أعظم على ما يبدو!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1048
آخر تعديل على الأحد, 26 كانون1/ديسمبر 2021 00:31