المالية تُفعل مادة من قانون الضريبة على الدخل!
عادل ابراهيم عادل ابراهيم

المالية تُفعل مادة من قانون الضريبة على الدخل!

أصدر وزير المالية قراراً بتاريخ 19/9/2021 يقضي «بمنح مراقب الدخل الذي يكتشف عدم صحة البيانات والوثائق والمعلومات عند دراسته التكليف حصة لا يتجاوز مقدارها 10% من الغرامة المحصلة، وذلك بعد اكتساب التكليف الدرجة القطعية، وعلى أن يحدد مقدار الحصة من الغرامة استناداً لدراسة من الهيئة العامة للضرائب والرسوم، يُحدد فيها اسم المكلف واسم المراقب والمطرح الضريبي المكتشف، وطريقة الوصول إليه ومقدار الغرامة المحصلة».

فما الجديد في مضمون القرار أعلاه؟
تفعيل لمادة من القانون ليس إلّا!
للوهلة الأولى، يبدو أن وزير المالية قد منح مراقبي الدخل ميزة مالية جديدة تشجعهم على بذل المزيد من الجهد خلال دراستهم للتكليف الضريبي، من خلال التأكد من صحة الوثائق والمستندات والمعلومات، لكن بالعودة إلى قانون الضريبة على الدخل يتبين أن مضمون القرار أعلاه منصوص عنه قانوناً بموجب المادة 122 منه، التي أشار لها القرار في حيثياته، بل إن مضمون المادة أوسع من حيث الشمول بالمزية المالية لمكتشفي عدم صحة البيانات.
فقد نصت المادة 122 من قانون الضريبة على الدخل على ما يلي: «يُعطى الموظف الذي يكشف عدم صحة البيانات والوثائق والمعلومات أو الأساليب الاحتيالية المنصوص عليها في المادتين 18و 19 حصة يقدرها وزير المالية على ألاّ تتجاوز 10% من الغرامة المتحصلة المنصوص عليها في المادتين المذكورتين».
فمضمون المادة من حيث الميزة المالية كحصة من الغرامة لم يقتصر على مراقبي الدخل، بل شملت كل موظف يقوم بكشف عدم صحة البيانات والوثائق والمعلومات أو الأساليب الاحتيالية.
فهل كانت هذه المادة من القانون غير مُفعلة سابقاً؟
ولماذا اقتصار المنفعة المادية منها، كحصة من الغرامة، على مراقبي الدخل فقط، وليس لكل موظف بحسب مضمونها؟
فما يؤكد عدم تفعيل مضمون المادة أعلاه هي المادة 3 من قرار وزير المالية أعلاه، التي نصت على ما يلي: «ينشر هذا القرار في الجريدة الرسمية ويبلغ من يلزم لتنفيذه»، ما يعني أن مضمون المادة 122 من قانون الضريبة على الدخل رقم 24 لعام 2003 لم تكن نافذة قبل ذلك!
والسؤال الإضافي المطروح: لماذا آن أوان تفعليها الآن؟

الغرامة منصوص عنها قانوناً

تجدر الإشارة إلى أن مضمون المادة أعلاه ينطبق على فئة مكلفي الأرباح الحقيقية (ضريبة أرباح المهن والحرف الصناعية والتجارية وغير التجارية)، وبحسب أحكام الفقرة /ب/ من المادة 18 من القانون: «إذا قدّم المكلف بيان أرباحه ضمن موعده القانوني، وأبرز القيود المحاسبية الممسوكة من قبله مع سائر الوثائق والمستندات، وثبت للدوائر المالية عدم شمولها بعض نشاطات المكلف، فتُقدر أرباحه بصورة مباشرة ويُغرم في هذه الحالة بغرامة تعادل مِثلي فرق الضريبة المترتبة على الربح المكتوم، وتحل هذه العقوبة محل الفائدة المحددة بموجب الفقرة /ب/ من المادة 31 من هذا القانون».
فمضمون المادة الواضح يفرض تساؤلات مشروعة إضافية:
هل كانت هذه المادة مغيبة أيضاً، ما يعني تهرباً ضريبياً كبيراً!؟
أم أنها كانت مُفعلة مع غراماتها المحصلة، لكن الغائب منها هي حصة الموظفين من هذه الغرامات فقط، أي هناك غبن لحق بعض العاملين طيلة نفاذ القانون منذ عام 2003 وحتى الآن؟!

خلل بعهدة وزير المالية

تجدر الإشارة إلى أن موضوعة «المطرح الضريبي المكتشف» الواردة في متن قرار وزير المالية أعلاه، منصوص عنها قانوناً بموجب الفقرة /ب/ من المادة 121 كما يلي: «يحدد وزير المالية مفهومي المطارح الضريبية المخفاة والاكتشاف».
وقد نصت الفقرة /أ/ من المادة المذكورة سابقاً على ما يلي: «يُمنح الموظفون- وغيرهم من الأشخاص الذين يكتشفون أو يرشدون إلى مطارح ضريبية مخفاة- مكافأة تحدد بقرار من وزير المالية بنسبة لا تتجاوز25% من الغرامة المطروحة، وتصرف من الاعتمادات المخصصة لهذه الغاية في الموازنة».
فموضوعة «اكتشاف المطارح الضريبية المخفاة» لها مكافأة مالية مختلفة بحسب نص المادة 121 من القانون، تصل إلى سقف 25% من الغرامة، وهي غير الحصة من الغرامة بسقف 10% عند اكتشاف «عدم صحة البيانات والوثائق والمعلومات» بموجب المادة 122 من القانون.
بمعنى أكثر وضوحاً، فإن قرار وزير المالية أعلاه قد دمج مضمون فقرتين تابعتين لمادتين مختلفتين من القانون، وجزء منها مرتبط به شخصياً وبعهدته، فهو من يحدد «مفهومي المطارح الضريبية المخفاة والاكتشاف» بحسب القانون.
فهل من خلل بمضمون القرار يتعارض مع مواد القانون، وبالتالي سيتبعه خلل لاحق خلال التنفيذ، على حساب مستحقي النسبة والمكافأة؟
ننتظر لنرى!

الفساد والتهرب الضريبي والأجور

بقي أن نشير إلى المخاوف التي تم التعبير عنها من قبل بعض المواطنين وأصحاب فعاليات اقتصادية، على إثر صدور القرار أعلاه، والحديث تحديداً عن الفساد وأدواته، وكيف من الممكن أن يتم تجيير مضمون هذا القرار لحساب بعض الفاسدين والمكلفين، تكريساً لمزيد من التهرب الضريبي، ولمزيد من عوامل الفساد، والمزيد من الضغوط على بعض الفعاليات الاقتصادية، وخاصة الإنتاجية منها، ليس إلّا!
فهل هذا هو المطلوب؟!
وبهذا الصدد تجدر الإشارة إلى نص الفقرة /د/ من المادة 121 من قانون الضريبة على الدخل التي تقول: «كل عامل في الدوائر المالية كُلف بتدقيق أو تحقيق الضريبة واستغل وظيفته ليسهل تهرب المكلف جزئياً أو كلياً من الضريبة يحال إلى المحكمة المسلكية لاتخاذ الإجراءات التأديبية والقانونية الأخرى بحقه».
فمراقب الدخل، أو موظف المالية المختص، الذي يتعامل مع كبار المكلفين، وبظل واقع أجره الهزيل ومستوى معيشته المتردي، قد يضعف أمام المغريات التي يقدمها له المكلف للتغطية على تهربه الضريبي، مع عدم التعميم طبعاً.
فالهوة الكبيرة بين الأجور وتكاليف المعيشة لن تغطيها نسبة أو حصة من الغرامة بحسب نص القانون، برغم أهميتها طبعاً، مهما بلغت، وهذا أمر ليس بجديد، فواقع التهرب الضريبي قائم وقديم وكبير، ومن أهم أسبابه: قنوات الفساد المركبة والمتشابكة والكثيرة، مع عدم تغييب الكثير من الإعفاءات الضريبية الكبيرة المنصوص عنها قانوناً طبعاً، وهي الأهم من كل بد!
ولعل الحل بداية هو في إصلاح سياسة الأجور بما يتوافق مع متطلبات المعيشة، كي تُفعل مثل هذه المكافآت والحصص من الغرامات المنصوص عنها قانوناً فعلها الحقيقي المطلوب منها، بما يُحقق مصلحة الخزينة العامة ومصلحة الموظفين المختصين في الوقت نفسه، وإلّا فإن مسارب وقنوات الفساد ستستمر، والتهرب الضريبي كذلك الأمر.
أخيراً، وللتذكير، فقد سبق، ومنذ عدة سنوات، أن تم الحديث عن تعديلات مزمعة على قانون الضريبة على الدخل، مع الكثير من الاجتماعات واللجان والتسريبات الإعلامية عن المشروع المزمع، فما الذي يؤخر صدوره حتى الآن؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
1040
آخر تعديل على الثلاثاء, 19 تشرين1/أكتوير 2021 23:12