المهن الطبية وغياب الرقيب والرقابة!
بعد سنوات الحرب، بات الفقر والجوع أمراً طبيعياً جداً في سورية، في ظل الأزمات الاقتصادية، المُفتعلة والمقصودة غالباً، ليس فقط على صعيد الطعام والشراب وتأمين الاحتياجات والضرورات، وإنما على صعيد الصحة والمرض أيضاً.
فيوماً بعد يوم، يزداد الوضع سوءاً في سورية عموماً، وفي العاصمة دمشق خصوصاً، ارتفاع في الأسعار- احتكار- تدهور كبير لليرة السورية، وهذا لم يؤثر إلا على المواطن المُفقر، والذي بات يُمثل أغلب الشعب السوري اليوم.
المرض «مرمطة»!
وصفت إحداهن الارتفاع الجنوني في أجور التحاليل الطبية بقولها: «بتكون عم تموت وبينطلب منك تحاليل وع أساس بتكلف بس 26000 ليرة، وأنت بالمخبر بعد ما تعمل تحاليل بتموت من صدمتك أنو التحاليل صارت بتكلف 40000 ليرة ومع كلمة بس!! وفوقا عجقة والعالم فوق بعضا والدنيا شوب وكورونا فبتضطر إنك تطلع لبرا وتقعد تنطر ع الرصيف بهل الشمسات، وما فيك تشتري قنينة المي تبع الـ 500 ليرة كرمال يكفوك المصاري وما ترجع ع بيتك مشي... هاد يلي اسمو مرمطة المرض... الله يعافينا ويعفو عنا أحسن الشي».
كذلك هي حال المواطن مع (العيادات- الأشعة- التحاليل الطبية- الصيدليات..) التي كانت أجورها وتكاليفها قبل الحرب، ولا تزال إلى يومنا هذا، عبئاً على المواطن السوري، بسبب ارتفاعها دون رقيب أو حسيب!
واقع أليم وفوضى تسعيرة
المرض، واقع أليم في يومنا هذا، ورحلة علاجه تعتبر رحلة مريرة.
فاليوم، موضوع اختيار طبيب مختص أصبح هاجساً يضاف إلى قائمة المتطلبات المعيشية للمواطن السوري، التي تشهد ارتفاعاً مستمراً في ظل الغياب شبه الكامل للرقابة، وتلاعب أصحاب النفوس الضعيفة، حتى من قبل بعض الأطباء بأجور المعاينة.
فقد أصبحت أجور الكشف الطبي غير مرهونة فقط بالمنطقة ذات النجوم الخمس، ولا حتى باسم الطبيب «الفلاني» المشهور، أو بعدد سنوات الخبرة!
ففي وقتنا هذا، أصبح طبيب «حديث المهنة» والذي لا يزال في بداية مسيرته المهنية يتحكم بالتسعيرة التي يريدها.
وكأن المرض والمريض بالنسبة لهم تجارة مُربحة، ويجب على التاجر «الطبيب» أن يحصل على هذه الصفقة و«حلال ع الشاطر»، كي يتم «التشليف» بأجور المعاينات، حيث تتراوح التسعيرة بين الـ «7000 والـ 15000 ليرة».
وفي بعض الحالات الشاذة ربما، وصلت كشفية أحد أطباء القلبية في دمشق إلى الـ 25000 ليرة، والكشفية كانت عبارة عن سؤال عما يشعر به المريض، مع الاستلقاء على سرير المعاينة والفحص للحرارة، والقليل من الدردشات «ذات الطابع الصحي طبعاً»، ولمدة لا تتجاوز خمس دقائق فقط، حتى دون تخطيط قلب!
والسؤال هنا: هل يحتاج بذل مجهود الطبيب بالـ «أخذ والرد» هذا المبلغ
الكبير؟ أم أن مهنة الطبابة باتت «تجرة» ويجب أن تكون مربحة؟!
الرمد أحسن من العمى!
في الوقت الراهن، وبسبب الأمراض المزمنة والمنتشرة، ولعدم قدرة الأغلبية من المواطنين على تأمين نفقات العلاج في المشافي الخاصة، وعند الأطباء، والخوف من تغلغل مرض الـ «كورونا» في المشافي الحكومية، تزايد لجوء المواطنين إلى الصيدليات والاستشارة المجانية من قِبل الصيدلاني/ ـة، علماً أنه يتم التلاعب بسعر الدواء من قِبل الصيدلاني/ ـة أيضاً، حيث أنه قد تضاعف سعر الدواء لثلاثة أضعاف مع «سكرة صغيرة من الصيدلاني».
لكن كما قال أحد المواطنين: «بيضل الصيدلاني وحق الأدوية أرحم من معاينة الدكتور، وع قولتو جرب هل الدوا... إذا ما نفعك ما بيضرك... وهيك».
فأجور معاينة الأطباء المرتفعة جداً منعت المواطن السوري المنتوف من التفكير بالعلاج في حال مرضه... لا بل جعلته يحافظ مكابرة على صحته الشكلية فقط!! لأنه وإن حمل لافتة مكتوب عليها «أنا فقير» فلن يجد أحداً من الأطباء أو المخبريين أو الصيادلة لديه رحمة، إلاّ من رحم ربّي على مبدأ «إن خليت بليت»!
أخيراً، وبهذا الصدد لن نتساءل عن الضمير الإنساني، الواجب توفره في المهن الطبية عموماً، كرقيب ذاتي غائب، لكن نتساءل عن الرقابة الجدية، من قبل الجهات الرسمية صاحبة العلاقة، المغيبة!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 976