نوار الدمشقي نوار الدمشقي

نكتة المركزي الأخيرة

طلب المصرف المركزي من المواطنين «الإبلاغ عن تسلُّمهم أي حوالة خارجية عن طريق شركات الحوالات المالية الداخلية، خاصة الشركات التي تم اتخاذ إجراءات بحقها»، وقد كان ذلك عبر بيان صادر عن هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بتاريخ 19/12/2019، على إثر إغلاق بعض فروع شركات الحوالات الداخلية لمخالفتها بعض أنظمة العمل المصرح لها بها.

ربّما لا يعني المواطن، مستلم الحوالات والتحويلات من الخارج، أمر إغلاق بعض شركات تحويل الأموال كثيراً، ومخالفاتها الموجبة لمثل هذا الإجراء، لكن لعل ما يعنيه أولاً وآخراً، هو أن يُمارس معه شكل من أشكال العدالة، وأن يصل من خلالها لحقّه بمبلغ الحوالة والتحويل بما يوازيها بالليرة السورية فعلاً، بعيداً عن الحديث عن وهمية سعر الصرف والمضاربات وغيرها.

ثلاثة أسعار للصرف

عند الحديث عن التحويلات المالية التي تأتي للمواطنين داخلاً من أبنائهم وأقربائهم في الخارج، مباشرة يتم استدعاء الفارق بسعر الصرف بين الرسمي والأسود، وهو أمر جدُّ طبيعي، خاصة في ظل ما وصل إليه هذا الفارق السعري مؤخراً، ومن الطبيعي أكثر أن يبحث المواطن عن حقه المهدور رسمياً بهذا الفارق، وصولاً إلى اضطراره للتعامل مع السوق السوداء التي يجد فيها مع الأسف مكاناً أرحم به من المصرف المركزي وسعره وقيوده، وفوقها كل أشكال التجاهل والتعامي عن هذا الفارق، مع الأخذ بعين الاعتبار ربما بعض المبررات المشروعة بشأن تثبيت سعر الصرف، وخاصة على مستوى تسعير بعض المواد والسلع والخدمات، لكن بالمقابل لا يمكن غض الطرف عن السعر الجديد «التفضيلي» الذي تم إقراره من المركزي مؤخراً لمنظمات الأمم المتحدة بدواعي «إنسانية»، وهو إقرار رسمي بسعرين رسميين للصرف، يضاف إليهما سعر السوق السوداء، كما لا يمكن إغفال أن المستفيد الأكبر من كل فارق سعري، سواء للعملة أو للسلع والخدمات، هم كبار الحيتان والفاسدين.

الفارق أكثر من 100%

الفارق السعري الذي يجري الحديث عنه الآن أصبحت نسبته تقارب الـ100%، ومع ذلك، وعلى الرغم من عدم مسؤولية المواطن عن هذه النسبة لا من قريب ولا من بعيد، يطلب المركزي من هذا المواطن أن يكون عينه الساهرة على الشركات المخالفة، ولو كان ذلك على حساب حقه المهدور رسمياً بفارق القيمة السعرية هذه، علماً أنَّ هؤلاء المواطنين يستعينون بقيمة هذه الحوالات والتحويلات من أجل سد بعض الفجوات الكبيرة بين الاحتياجات والضرورات وأسعارها، والمطلوب منهم أن يتخلوا عن جزء كبير من هذه القيمة، أي التخلي عن ضرورات حياتية ومعيشية إضافية، كانت قد ضربت بها الحكومة ومصرفها، ومن خلفهم من الحيتان والفاسدين والمضاربين، بعرض الحائط، من خلال السياسات المالية والنقدية، وغيرها من مفردات السياسات المُفقرة والمجحفة الأخرى، التي لسنا بصدد الحديث عنها بهذا السياق الآن.
فهل من نكتة تراجيدية ومضحكة أكثر من ذلك؟!.

معلومات إضافية

العدد رقم:
945
آخر تعديل على الإثنين, 23 كانون1/ديسمبر 2019 13:53