دير الزور.. مشاكل ما بعد فك الحصار

دير الزور.. مشاكل ما بعد فك الحصار

حوالي عشرة أشهر مرت منذ فك الحصار عن أحياء مدينة دير الزور ودحر التكفيريين الفاشيين من ريفيها الشرقي والغربي جنوب نهر الفرات..

 

لكن حصاراً من نوعٍ آخر ما زال مستمراً هو: حصار الفوضى والتهميش والتعفيش والإهمال والنهب، ويلقي بكاهله على أكتاف الفقراء والمستضعفين، فيزيد معاناتهم المتراكمة منذ عقودٍ فوق مأساتهم.
المواطنون شركاء في ثلاث؟
المواطنون في عصرنا شركاء في ثلاث: الغذاء والماء والكهرباء، وهي من أوائل مقومات الحياة، التي افتقدوها سابقاً، فعلى الرغم من تحسن بعض الأمور كتوفر المواد الغذائية وإن كانت بأسعار عالية، وبدء توفر الماء وإن لم يكن بشكلٍ كافٍ وبمقومات ومواصفات غير صحية، لكن لا توجد زراعة تقريباً، والنسبة لا تتعدى 5% لأنها تحتاج إلى وسائل ريٍّ ومياه ومستلزمات الزراعة من أدوات حراثة بذار وسماد وأدوية مكافحة وغيرها، وهي غير متوفرة، ناهيك أن الفلاحين ليس لديهم القدرة المادية لشرائها، وبالتالي يقل ويندر توافر الغذاء الزراعي، وكذلك بدء وصول الكهرباء إلى بعض المناطق في حيي الجورة والقصور، بفضل جهود عمال الكهرباء الذين يواصلون العمل ليل نهار، ويعرضون حياتهم للخطر، وقدموا شهداء، وإصابات، ويستحقون ليس الإشادة والتحية فقط، لكن على ما يبدو هناك من يعرقل جهودهم ويبطئ عملهم عمداً، لأن ذلك سيحرم أصحاب تجارة الأمبيرات المرتبطين بقوى الفساد، من أرباحهم واستغلالهم للمواطنين، فمحطة التوليد جرى تشغيلها منذ شهر، وكانت الوعود أن الكهرباء ستغطي حاجة المواطنين خلال أسبوع، لكنها إلى الآن لم تصل إلاّ لثلث المناطق المسكونة، فكيف بتوفيرها لمحطات ومحركات الري الزراعي، كل ذلك ينعكس على الناس وحياتهم وعلاقاتهم، ولم يعودوا شركاء في الماء والغذاء والكهرباء.
الفوضى والفساد
الفوضى والفساد ما زالا يضربان أطنابهما في المدينة والريف، بأشكال متعددة، منها:
فوضى الدوائر الحكومية
وتجلت مؤخراً في مديرية تربية دير الزور أثناء امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية، التي وصلت إلى تخصيص مركز لأبناء الفاسدين والمتنفذين بمسؤوليه ومراقبيه، بالإضافة إلى التعامل المذل للمراجعين في هذه الدوائر، وغياب الضوابط والمحاسبة، وعدم وضع المسؤولين حسب كفاءتهم، وإنما حسب محسوبياتهم وولائهم، وهو ما يطالب به الأهالي بوضع الشرفاء والمخلصين في العمل.
السلاح المنفلت
حملة السلاح والزعران الذين يستبيحون المواطنين في ممارساتهم اليومية ودراجاتهم النارية، والتي تستبيح حياة المواطنين وكرامتهم، ولا يمضي يوم إلاّ وهناك حوالي 5 حوادث وإصابات، دون أن يردعهم أو يحاسبهم أحد. ويطالب الأهالي بحصر السلاح داخل المدينة بالجيش فقط.
الابتزاز
سواء على الحواجز، أو بالعمليات التي يمارسها المعفشون اتجاه المواطنين الذين يريدون رؤية بيوتهم أو ممن يعترضون ويحاولون منعه من الاستيلاء على ممتلكاتهم والتي تصل أحياناً إلى حد ليس التهديد والابتزاز، بل القتل. كذلك استمرار الابتزاز العلني على الحواجز والإتاوات التي تفرض على المواطنين الذين يتنقلون بين الريف والمدينة، أو بين محافظة دير الزور والمحافظات الأخرى، أو الرشاوى العلنية في الدوائر الحكومية وغيرها، سواء في الحصول على الحقوق والثبوتيات للعودة إلى العمل، أو العودة للمحافظة وللمدن والقرى والبلدات، أو الفوضى والمحسوبيات في توزيع مواد الإغاثة والمساعدات، كما حصل في توزيع مبلغ 15 ألف ليرة لمن كانوا محاصرين وفق قوائم ترفعها مديريات الدوائر، تحت إشراف اتحاد العمال، وعلى سبيل المثال: حُرِم مهندسون وعمال في مديرية الزراعة من هذه المساعدة الزهيدة، التي لا تسمن ولا تغني من جوع، بحجة أنهم غير متزوجين، وكأنهم لم يكونوا محاصرين، بينما لم يحدث ذلك في دوائر أخرى. والشيء العجيب أن عناصر الجمارك يلاحقون أصحاب البقاليات والبسطات لبيعهم بضاعة تركية المنشأ، ولم يحاسبهم أحد عن كيفية دخول هذه المواد عِبر حواجزهم، وعِبرَ عشرات الحواجز الأمنية التي تمنع المواطن من نقل أثاث منزله، بينما سيارات التعفيش تتنقل بأمان من مكانٍ إلى مكان.
غياب الأمن
عمليات التصفيات والاغتيالات والقتل المتعمد تتزايد، نتيجة الفلتان، حيث حياة المواطن أصبحت هي أرخص شيءٍ، وخاصة في مدينة المياذين والبوكمال، وبلدة البوليل، وآخرها قتل أربعة أشخاص يوم الأربعاء 6/6/2018 في مدينة موحسن ممن عادوا إليها مؤخراً والأسباب غير معروفة إلى الآن وتضاربت الأقوال حولها، بين معفشين أو ألغام وانتقام وغيرها، رغم وجود مخفر للشرطة في المدينة.
تردي الصحة والمشفى
ما يزال الوضع الصحي السيء على حاله، رغم توفير عيادتين طبيتين متنقلتين، فمشفى الأسد، الذي هو المشفى الوحيد الذي يخدم حوالي 300 ألف مواطن من المدينة والريف، يفتقر إلى مواصفات وإمكانات مشفى، بل وحتى مستوصف، حيث يفتقد للأطباء الأخصائيين في مختلف الاختصاصات، ويقتصر على بعض الأطباء المقيمين، والأجهزة الطبية كلها خارج الخدمة، ويفتقر إلى الأدوية والغذاء اللازم ليس للمرضى فقط، وإنما حتى للكادر الطبي المقيم والذي يعمل فيه، ويضطرون لشراء الأدوية والغذاء على نفقتهم الخاصة، ناهيك عن غياب النظافة وانتشار الحشرات وخاصة الذباب.
فأين مخصصات مديرية الصحة، وأين مخصصات المشفى من المحافظة ومن الوزارة؟
فساد التعهدات
ما تزال غالبية الأنقاض لم ترفع من الطرقات وفي الأحياء المدمرة، وما زالت البيوت غير آمنة سواء لوجود ألغامٍ ومتفجرات، أو نتيجة التدمير، حيث هي معرضة للسقوط والانهيار، وقد قام أحد المواطنين بدخول منزله فوجد فيه جثتين متفسختين واتصل بالجهات المسؤولة فلم يستجب له أحد، واتصل بالهلال الأحمر الذي حضر وأخذ الجثتين وقام بدفنهما، وهذا ما يمنع الأهالي من العودة لمنازلهم بالإضافة إلى المعيقات الرسمية، من موافقات وغيرها.. والتعهدات المتعلقة بذلك أو بإعادة تأهيل البنية التحتية، تمنح لمن لهم شراكة أو علاقة مع المتنفذين والمسؤولين، بل وحتى شركات قطاع الدولة التي تتعرض لضغوطٍ وابتزازٍ أيضاً، كشركة الطرق العامة رودكو. وبعضها تحول للسمسرة، بإعطاء جبهات العمل لمتعهدين؟
حصار المسلحين انتهى أيها السادة.. والطرقات سالكة، وزيارات المسؤولين والوزراء واللجان الحكومية المتكررة لم ينتج عنها سوى وعود، وبهورة إعلامية من تصوير وخطابات رنانة باسم الوطن والمواطن لا أكثر..
لكن حصار قوى النهب والفساد والفوضى ما زال مستمراً، فإلى متى، وكيف تريدون من المواطن التضحية أكثر من ذلك، والذي أصبح كما يقول المثل الشعبي: على الحديدة، يفترش الأرض ويلتحف السماء، ومع ذلك ليس آمناً على حياته أيضاً.. بينما أنتم تتنعمون بخيرات الشعب والوطن؟