زيادة الرواتب تسويف جديد
سمير علي سمير علي

زيادة الرواتب تسويف جديد

تطالعنا الحكومة بين الحين والآخر، على لسان الوزراء أو رئيس الحكومة، برؤاها حول زيادة الأجور وتحسين المستوى المعيشي، ومع ذلك لم تثمر أي منها حتى الآن، حيث تكون النتيجة العملية من تلك الرؤى، هي: تأجيل البحث الجدي في الموضوع من أجل اتخاذ القرار بالزيادة.

 

الرؤية الأخيرة كانت على لسان رئيس الحكومة، والتي عرضها خلال مؤتمر نقابة المهندسين مطلع الأسبوع الماضي، والتي تدور حول: «إجراء زيادات نوعية للرواتب وليست عامة، عبر طرح الزيادة وفقاً لشرائح».
الذرائعية التفافاً
من المفروغ منه، أن زيادة الرواتب والأجور قد تجاوزت مرحلة الضرورة منذ حين، ولعل الدليل على ذلك لم يعد مقتصراً على واقع الفجوة الكبيرة بين مستويات الأجور ومعدلات الإنفاق على ضرورات الحياة، ولا على المطالب المكررة والمحقة بنتيجة هذا الواقع، من أجل الحصول على هذه الزيادة، بل بالوصول للاعتراف الموارب بهذه الضرورة رسمياً من خلال العروض «الرؤيوية» العديدة والكثيرة للحكومة حولها، والتي يتم ربطها كل مرة بعنوان ذرائعي مختلف، مثل: (تخفيض الأسعار_ المزيد من فرص العمل_ زيادة الإنتاج_ التنمية الشاملة_ ...)، والتي تُفرغ هذا الاعتراف الموارب من محتواه بالنتيجة والمآل، فلا زيادة رواتب، ولا تحسين لمستوى المعيشة، بل ما يجري هو المزيد من الاستنزاف للأجور الهزيلة، والمزيد من الإفقار للشرائح الاجتماعية الواسعة، عبر الاستمرار بالسياسات الحكومية نفسها على هذا المستوى، والمتمثلة بشكل أساس بسياسة تجميد الأجور، ورفع الدعم تباعاً بذريعة تصحيح الأسعار، وتخفيض الإنفاق على الخدمات العامة والصحة والتعليم وغيرها، والتي تؤدي بالنتيجة للمزيد من الإفقار والعوز، وهكذا في حلقة مفرغة قاعها الجوع.
رؤية ليست خارج السياق
بالعودة لرؤية رئيس الحكومة أعلاه، فقد بيّن: «هناك نواحٍ علمية واقتصادية لأية زيادة للرواتب، وبأن تأمين فرص عمل نوعية وتحريك الإنتاج وخلق التنمية وتعزيز القدرة الشرائية عبر تخفيض الأسعار، هو أفضل بكثير في الوقت الحالي من مسألة زيادة الرواتب».
أما عن الشرائح المستهدفة من الزيادة تباعاً، فقد بوبها رئيس الحكومة بالتالي: «الجيش العري السوري في المرتبة الأولى ومن ثم المعلمين ثم الموظفين في مجال الإنتاج المباشر ثم بقية الشرائح بشكل تدريجي».
رئيس الحكومة، وعلى الرغم من الاعتراف بالنواحي العلمية والاقتصادية لأية زيادة في الرواتب، والتي من المفترض أنها توجب الزيادة، إلا أنه لم يخرج عن الربط بعناوين (فرص العمل_ الانتاج_ التنمية_ تخفيض الأسعار) مع هذه الزيادة من جديد.
والملفت في هذه الرؤية حسب رئيس الحكومة، هو: أن كل العناوين السابقة هي أفضل بالنتيجة من زيادة الرواتب بالوقت الحالي، كما أنه في المقابل لم يوضح السبب من هذا النمط من التتابع في الزيادة وفقاً للتشريح أعلاه، كما لم يوضح ما هي المدة الفاصلة افتراضاً بين حصول كل شريحة من هذه الشرائح على الزيادة الموعودة، والأهم، هو: تفسير مفهوم النوعية فيها، فهل ذلك يعني اختلاف بنسب الزيادات بين شريحة وأخرى مثلاً؟
ضرورة أم ترف؟
كأن هذه الرؤية تقول: إن الزيادة ليست ضرورة اقتصادية اجتماعية، كما كأنها ليست حقاً لأصحاب الأجور كافةً، بل ربما ينظر إليها وكأنها عبارة عن نوع من الترف الذي سيطال الشرائح المستهدفة تباعاً، فلا مانع من أن تطال شريحة دون أخرى، أو أن تكون متفاوتة نسباً وقيماً!.
وخلاصة القول: إن النتيجة العملية من الرؤية الحكومية الجديدة أعلاه، ربما لن تكون بأفضل من سابقاتها من الرؤى الأخرى، وهي المزيد من التسويف والتأجيل والمماطلة بإقرار الزيادة، وفقاً لما تمليه الضرورات الحياتية والمعيشية لأصحاب الأجور، أي: المزيد من الإفقار والجوع لهذه الشريحة الواسعة.