أرز سوري بالهواء!
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

أرز سوري بالهواء!

منذ ما قبل سنوات الحرب والأزمة وحتى الآن، ونحن نسمع ونقرأ عن الاختبارات والتجارب المستمرة عن زراعة الأرز الهوائي في سورية، والتي يجريها مركز البحوث العلمية الزراعية.

وقد تم الحديث مؤخراً، عن أن البحوث العلمية الزراعية تستعد لتطبيق زراعة الرز السوري الهوائي غير المغمور في بعض المناطق، حيث أوضح مدير إدارة بحوث الموارد الطبيعية، عبر إحدى الصحف الرسمية: أنه تم إجراء تجارب على مدى ثلاث سنوات في سهل عكار، وفي محطة بحوث زاهد، بالتزامن مع قيام بعض الفلاحين بالتجربة، وكذلك في محطة دبا في اللاذقية، وكانت النتائج مبشرة حيث يصل إنتاج الرز في الهكتار إلى 6 طن باحتياج مائي من 8 آلاف إلى 9 آلاف متر مكعب مياه في الهكتار.
أعوام مُغيبة من الاختبارات!
الحديث أعلاه عن السنوات الثلاث من التجارب في المناطق المذكورة، كأنه يجُب ما سبقه من سنوات واختبارات تم الحديث عنها، والتغني بها وبنتائجها سابقاً!
ففي عام 2011 تم الحديث عن اتفاق بين وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، ممثلة بمركز البحوث العلمية الزراعية، مع منظمة الفاو، من أجل مشروع تطبيق تقنيات الأرز الهوائي المروي، وقد أعلن في حينه: أن عمليات تنفيذ وتطبيق المشروع ستنتهي مطلع العام 2012، حيث كانت نتائج الحقول المزروعة بمحصول الأرز في محافظتي دير الزور والحسكة مبشّرة، وبأرقام وصلت إلى 6 أطنان بالهكتار، وهو من الأصناف التي تضاهي المستورد من مادة الأرز بمختلف أنواعه.
وقد دلت تجارب زراعة محصول الأرز الهوائي «الجاف» في محافظة الرقة على مؤشرات إيجابية، حول إمكانية نجاح هذه التجربة، وبين الدكتور محمد فرحان اسماعيل، المشرف على التجربة بحينها، بعام 2011، أن الاختبارات تمت بطريقة الزراعة الجافة المثيلة لزراعة القمح والذرة الصفراء دون غمر دائم بالمياه، حيث جرى اختبار «11» صنفاً في النصف الثاني من شهر تموز في العام الماضي_ 2010_ وقد بلغت إنتاجية الهكتار الواحد نحو «6» أطنان من صنف الأرز المسمى «أُقْصر» في حين تراوحت الإنتاجية ما بين 3 إلى 4 أطنان في الهكتار لدى بقية الأصناف الأخرى، وتراوحت مدة الوصول إلى مرحلة النضج من 100 إلى 125 يومٍ تقريباً، وإضافة للتجربة الرئيسية تمت زراعة /11/ حقلاً إرشادياً موزعة على أنحاء المناطق الزراعية في المحافظة، إضافة إلى تجربة في الحسكة، وأخرى في دير الزور، والحالة العامة لعموم هذه التجارب جيدة ومبشرة.
ليس ذلك فقط، بل جرى الحديث عن أن الأصناف التي تم اعتمادها ذات احتياج قليل للمياه، عكس أنواع الأرز التقليدية الشرهة للمياه، فضلاً عن أن الأرز (الهوائي) كما يطلق عليه يعد محصولاً تكثيفياً، أي يزرع بعد محصول القمح ويحتاج إلى عدد ريات أقل.
وعلى أثر ذلك قيل: أنه في حال نجاح هذه الزراعة، ستتمكن سورية من تقليص حجم المبالغ المادية التي تدفعها سنوياً لاستيراد 250_ 300 ألف طن من الأرز، تقدر قيمتها بمئات الملايين من الدولارات، وبأن وزارة الزراعة على وشك فتح جديد على صعيد الأرز، كي يضاف إلى قائمة المحاصيل الاستراتيجية (قمح_ قطن_ شوندر سكري_ وغيرها) ولتغطية احتياجاتنا المحلية من هذه المادة.
معوقات
في شهر أيلول من عام 2012، وفي متابعة للملف إعلامياً عبر الموقع الرسمي لوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، جرى الحديث عن المعوقات التي اعترضت تجارب زراعة الأرز، منها ما هو متعلق بظروف مناخية، كدرجات الحرارة المناسبة، ومواعيد الزراعة، وملوحة التربة والمياه، ومنها ما هو مرتبط بوسائل ومستلزمات الإنتاج، كالمبيدات العشبية الخاصة بزراعته، وهي غير مسموح باستيرادها، وتحتاج إلى تعديل قوانين وتشريعات تسمح باستيراد الحصادات والمبيدات الخاصة بالزراعة، بالإضافة لغياب الصيغة المناسبة للتعويض على الفلاحين أصحاب الحقول الإرشادية، الذين فشلت تجربة زراعة الأرز في حقولهم.
مع التأكيد على أن التجارب مستمرة وتتحدث عن الوصول إلى ثلاثة أصناف من سلالة الأرز، تمت زراعتها وحققت إنتاجية جيدة وهي من الأصناف المبشرة، بحسب مدير مركز البحوث العلمية الزراعية في حينها، وما زالت التجارب مستمرة وواعدة.
الإعاقة الأهم!
الآن، وبعد هذه الأعوام كلها، من التجارب والاختبارات الناجحة والمبشرة والموثقة، بما فيها الحديث الأخير لمدير إدارة بحوث الموارد الطبيعية، نتساءل:
هل من الممكن أن يتم ادخال محصول الأرز إلى محاصيلنا الاستراتيجية، لنكتفي ذاتياً منه، ونوفر على أنفسنا مئات الملايين من الدولارات لقاء استيراده لتغطية احتياجاتنا الاستهلاكية منه، أم أن المعيقات سابقة الذكر ستستمر حائلاً دون ذلك؟
أو ربما هناك معيق لم يتم ذكره أو التطرق إليه من جملة المعيقات أعلاه، ولعله المعيق المغيب والأهم، ويتمثل بمصلحة حيتان الاستيراد، المتماهية مع السياسات الليبرالية المعتمدة والمتبعة رسمياً، المحابية لمصالح هؤلاء على حساب مصالح المواطنين والوطن، والتي يدفع ضريبتها الإنتاج عموماً، خاصة والحديث عن مئات الملايين من الدولارات سنوياً، وما تحققه من أرباحٍ نظامية واحتكارية من جيوبنا ومن خزينة الدولة معاً؟

زراعة ليست وافدة

تجدر الاشارة إلى أن زراعة الأرز ليست غريبة على المزارعين السوريين الذين زرعوا الأرز منذ زمن طويل في الحسكة والرقة وحمص ودرعا والقنيطرة حيث تتوفر مياه الري، وقد توقفت زراعته عام 1948 بعد انتشار زراعة القطن الأقل كلفة من الأرز، ثم إن أسعار استيراده أقل من أسعاره في السوق المحلية، مع زيادة الإصابة بالملاريا، حيث تراجعت مساحاته المزروعة من 2372 هكتاراً عام 1956 إلى 200 هكتار في عام 1960، وذلك حسب موقع الوزارة.
كما أن إعادة زراعة هذا المحصول الاستراتيجي، بالإضافة لكونه يحقق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الأمن الغذائي الوطني، بالإضافة لحزمة المحاصيل الاستراتيجية الأخرى في سورية، فهو يؤمّن دخلاً إضافياً للفلاحين قد يساعدهم على تأمين متطلبات عيشهم الكريم.
لكن، أخيراً يمكننا القول: إن الأرز الهوائي السوري على الرغم من أنه أثبت نجاح اختباراته، لكنه من كل بد لم يطابق أهواء حيتان الأرباح والفساد، وربما لم تطابق هوائيته أهواء السياسات الحكومية المحابية لهؤلاء!