محافظة دمشق ومستثمرو الأوهام؟
مالك أحمد مالك أحمد

محافظة دمشق ومستثمرو الأوهام؟

كأن محافظة دمشق لم تستفد من تجربتها في مشروع خلف الرازي، وخاصة على مستوى تأمين السكن البديل للمواطنين، الذين سيتم إخلاؤهم من المنطقة التنظيمية الثانية، أو من هو المستفيد من هذه التجربة التي ستكرر معاناتها، ربما لا أحد يعلم!؟

ثلاثة أشهر هي المدة التي حددها مدير التنظيم والتخطيط العمراني في محافظة دمشق، من أجل تنفيذ الإخلاءات في المنطقة التنظيمية الثانية خلف الرازي، بعد توزيع الإنذارات على السكان فيها، محدداً نهاية العام الدراسي على أنه سيكون موعد استكمال عملية الإخلاء تلك.

أرقام توضح حجم المشكلة!
حديث مدير التنظيم كان رداً على تساؤلات بعض أعضاء مجلس المحافظة خلال اجتماعه الأسبوع الماضي، حيث قال أيضاً: إنه كان من المقرر تأمين سكن بديل بحدود 1500 شقة للمنطقة التنظيمية الأولى، لكن الاحتياجات الفعلية فاقت 5000 شقة ويمكن أن يصل إلى 6000 شقة بعد دراسة الاعتراضات.
الحديث الرقمي أعلاه، على الرغم من عدم تنفيذه حتى الآن، عن أعداد الشقق المخصصة كسكن بديل في المنطقة التنظيمية الأولى، بين المقرر والاحتياجات الفعلية، والفارق الكبير بينهما، يوضح بالشكل العملي حجم المشكلة التي أفرزتها إجراءات المحافظة وتداعياتها على مستوى أصحاب الحقوق، 6 آلاف أسرة مستحقة للسكن البديل، وخاصة على مستوى عامل الزمن المستهلك على حساب هؤلاء تشرداً وهم بانتظار هذا السكن، بغض النظر عن المبلغ الذي تصرفه المحافظة كبدل للإيجار لهم، وعدم توافقه مع أسعار بدلات الإيجار الرائجة، أو الروتين والورقيات التي تؤخر صرف الاستحقاقات كذلك الأمر، وغيرها من أسباب المعاناة وأوجهها الأخرى.
كما أن الأرقام أعلاه تشير إلى خلل في كل، أو ربما بعض الدراسات التي أجرتها المحافظة، خاصة وأن الفارق بين الرقمين كبير، يصل لحدود أربعة أضعاف، وهذا الفارق لا يدخل ضمن حدود الأخطاء الطبيعية المقبولة افتراضاً ضمن أية دراسة، بقدر ما يشير إلى خلل كبير بين الدراسات التقديرية والواقع، وعلى الرغم من ذلك لم تتم الإشارة إلى أسباب هذا الخلل، أو إلى نتائجه وتبعاته، وخاصة على مستوى إحقاق الحقوق، التي لم يتم إغفال الاعتراضات كأحد أشكال الوصول لها.

معاناة شركاء الأرض!
على الرغم من مضي أعوام على هذه المأساة، التي يعيشها هؤلاء المنتظرون في المنطقة التنظيمية الأولى، ولا تعانيها المحافظة أو المستثمرون من كل بد، فإن المحافظة ستعيد وتكرر هذه المأساة لتطال سكان المنطقة التنظيمية الثانية، الذين سيصطفون في أدوار الانتظار كحال سابقيهم من شركاء الأرض والمعاناة.
ليس ذلك فقط، بل إن فترة الفصل الدراسي الثاني بالنسبة لهؤلاء السكان هي الفترة المستهدفة من أجل استكمال عمليات الإخلاء، ما يعني أن الطلاب من أبناء هؤلاء سيعانون من مغبات وسلبيات انعدام الاستقرار، مع ما يعنيه ذلك من انعكاس سلبي على دراستهم ومستقبلهم.
وكأن هناك ثأراً بين المحافظة والقائمين على العمل والقرارات فيها، مع أبناء هذه المنطقة، إذ لا تكتفي بإخلائهم دون تأمين البديل السكني لهم، ولا بفتح بوابات الاستثمار والثراء على حسابهم، ولمصلحة كبار التجار والسماسرة والفاسدين، بل وتضحي باستقرار الطلاب خلال الفصل الدراسي الثاني من هذا العام، وهو عامل ضغط إضافي على سكان المنطقة، ما من شك بأنه سيكون محط استغلال كما غيره من وسائل الضغط الأخرى، التي تدفع بهؤلاء لأحضان كبار سماسرة العقارات والمستثمرين.

تأكيد المؤكد؟
ربما ما يؤكد التسويف بعامل الزمن، باعتباره ضاغط على السكان، بينما موضع ربح عند السماسرة والتجار، هو ما بينته مديرة التخطيط والتنظيم العمراني، من أنه بالنسبة لتراخيص البناء في المنطقة التنظيمية 101 المحدثة بالمرسوم التشريعي 66 لعام 2012 تم البدء باستقبال طلبات المواطنين للحصول على مصورات وجائب منذ عام 2016، وكذلك استقبال طلبات الموافقة على الفكرة التصميمية الأولية لعرضها على اللجنة الفنية الاستشارية برئاسة المحافظ.
بمعنى آخر: أن الحديث كله عن البدء بالتنفيذ الإنشائي في المنطقة الأولى، والوعود المقطوعة بهذا الشأن، لم تتعد بأحسن الأحوال «الفكرة التصميمية الأولية» التي ستنتظر ربما التعديلات والموافقات وغيرها من الإجراءات، فكيف الحال بالانتقال إلى حيز التنفيذ الفعلي، وما يشوبه ربما من معيقات أخرى، لا أحد يعلم بها بعد!
كما لا أحد من الممكن أن يحدد ما هي المدة الزمنية التي سيتم استنفاذها تباعاً، بالوعود والكلام الخلبي عن الأحلام والأوهام المباعة للمشروع الجديد، في المنطقة التنظيمية الثانية، على حساب سكانها وأهليها.
فإذا مرت حتى الآن ستة أعوام على بيع أوهام المنطقة التنظيمية الأولى، والتي تستثمر أرباحاً في جيوب الكبار، فالله أعلم ما هي تلك الأعوام التي ستأكلها أوهام المنطقة التنظيمية الثانية، ومآل أرباحها؟!