التعسف باستعمال الحق
نوار الدمشقي نوار الدمشقي

التعسف باستعمال الحق

لفتت انتباهي مؤخراً عبارة «التعسف باستعمال الحق» في أحد الكتب، علماً أن الكثيرين منا لا بد أنه قد سمعها أو قرأها، وربما لجأ إليها في معرض تطبيق النصوص القانونية، وهي لا شك عبارة مفهومة من قبل الحقوقيين وفقهاء القانون.

توقفي عند العبارة كان من باب مقارنة الحقوق، وخاصة بين حقي كمواطن، وحقوق الكثير من الجهات العامة، والدولة، التي مُنحت وحُصنت دستوراً وقانوناً.

تشابك حقوقي
على سبيل المثال: حقوقي كمواطن بالخدمات العامة، من ماء وكهرباء وطبابة وتعليم، وغيرها، وحقوق الجهات العامة المسؤولة عن تقديم هذه الخدمات.
أين تتقاطع هذه الحقوق وأين تتعارض؟، وأين يمكن أن تترجم عبارة «التعسف باستعمال الحق»؟، وهل تملك تلك الجهات العامة أن تتعسف باستعمالها لحقوقها على حساب حقوقي؟.
باعتبار أن الحقوق ترتبط بالشخصية، الطبيعية أو الاعتبارية.
فتخفيض الإنفاق على الطبابة والتعليم، ووضع الحدائق والملاعب والأرصفة بالاستثمار لمصلحة القطاع الخاص، أو عدم العدالة في قطع المياه أو الكهرباء، في ظل الواقع الكهربائي والمائي الحالي، جميع هذه الإجراءات، وغيرها، تعتبر من صلب عمل الجهات العامة، كما وتعتبر في جانب منها حقاً لها تمارسه حسب مقتضياتها، لكن بمقابل هذه الحقوق الممنوحة لهذه الجهات، هل يمكن أن يكون هناك تعسفٌ في بعض منها، وأين كل ذلك من حقوقي المصانة كمواطن؟.

التعسف حسب القانون
حسب القانون فإن: «من استعمل حقه استعمالاً مشروعاً لا يكون مسؤولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر».
بالمقابل فقد نص القانون على الحالات التي يكون فيها استعمال الحق فيها غير مشروع، أو مشوباً بالتعسف، حيث: «يكون استعمال الحق غير مشروع في الأحوال التالية:
أ. إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير.
ب. إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية، بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها.
ج. إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها غير مشروعة».

أسئلة مواطن
بناء على ما سبق يخطر ببالي، كمواطن، عدة أسئلة أوجهها للحقوقيين والقانونيين والفقهاء:
هل تخفيض الانفاق الحكومي على الطبابة والتعليم، أو تخفيض الانفاق الاستثماري في الموازنة العامة للدولة، وهو حق من حقوقها لا شك، يعتبر تعسفاً حكومياً باستعمالها لحقها؟، كون مثل هذه الاجراءات المالية تترجم عملياً بالإضرار بي كمواطن بالنتيجة، بينما لا تحقق الدولة من خلالها أية منفعة تبرر ذلك، وبالحد الأدنى لا يمكن مقارنة ما تحققه الدولة من مصلحة مع ما تخلفه من ضرر باستعمالها لحقها علينا كمواطنين؟.
وهل تعميم الاستثمار الخاص، والخصخصة عموماً، كتوجه حكومي بات واضحاً منذ عقود عبر اتباعها للسياسات الليبرالية، يعتبر تعسفاً من قبلها باستعمالها لحقها، ولمصلحة شريحة الأثرياء فقط، على حساب حقوقنا كمواطنين، ودوناً عن المصلحة الوطنية كذلك الأمر؟.
وأخيراً: كيف لي كمواطن أن أطالب بمنع هذا التعسف الجاري باستعمال الحقوق، والتي تضر بي كما بغيري يوماً بعد آخر، سواء عبر الإجراءات الرسمية أو عبر الإجراءات غير الرسمية، وسواء من قبل الدولة، أو من قبل الجهات الخاصة؟.
فقد زاد العسف والتعسف، على حقوقنا وعلينا كمواطنين، وربما آن لنا أن نوقف كليهما قانوناً ودستوراً، وحقاً طبيعياً ومكتسباً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
821