في سوق الحميدية: البسطات ممنوعة والاستغلال مسموح!

في سوق الحميدية: البسطات ممنوعة والاستغلال مسموح!

لم يعد سوق الحميدية كما اعتاد الدمشقيون عليه، فلم تعد البسطات تجمع البسطاء حولها وسط السوق، أو على أطرافه، ولم يعد بائعوا الألعاب أو القماشيات الجوالون موجودين كما السابق، وكل ما هنالك محلات على اليمين واليسار تضع الأسعار التي تريد مستغلة غياب منافس قوي كان سابقاً.

سابقاً، كانت بعض الشكاوى ترد بين الحين والآخر عن البسطات في سوق الحميدية أو غيره من الأسواق، لكن في الوقت الحالي ومع ازدياد معدلات الفقر وفقدان العديد من الأسر مصدر رزقها، بات وجودها ضرورياً (بشكل منظم) بالنسبة للمشتري والبائع الذي يعيل عائلته منها.
فلتان بالأسعار!
لا يوجد ضبط للأسعار في محلات سوق الحميدية، فقد يتراوح الفرق السعري بين محل وآخر على القطعة ذاتها ما بين 500 و2000 ليرة سورية، لكن، هذا الأمر ليس بجديد على الأسواق السورية، والفلتان الحاصل وسط ضعف الرقابة من قبل وزارة التجارة الداخلية.
ما يثير الانتباه حالياً أثناء التجوال في السوق، هو: انتشار عناصر مهمتهم ملاحقة أصحاب البسطات أينما وجدوا ومصادرة بضائعهم، وهؤلاء متواجدون بدوريات جوالة ضمن السوق.
أحد بائعي الجوارب الجوالين، يحمل بضاعته على يده ويخرج من أحد المحلات بين الحين والآخر، لينادي على من يريد الشراء، ويبقى يراقب في كل الاتجاهات خوفاً من وصول «الكبسة» على حد تعبيره، وقال لـ «قاسيون»: إنه لا يملك سوى هذا المصدر للرزق، ولا يريد التسول، لكن حملة قمع البسطات وحتى الباعة الجوالين، تكاد تقضي على مصدر دخله.
وتابع: «لا أبيع في اليوم مايسد الرمق، وحاولت الخروج من السوق لأجد مكاناً آخر، لكن الوضع كان ذاته، باستثناء أن صاحب أحد المحلات هنا، يقوم بإيوائي عند قدوم الدوريات، وأمضي يومي بين الهرب والترويج للبضاعة».
كبسة!
أثناء تجوال «قاسيون» في السوق، مرت الدورية، وبدأ أحد العناصر بالصراخ «تحرك من هون كم مرة قلتلك بصادرلك البسطة؟»، عندها بدأ صاحب البسطة الصغيرة بترجيهم دون جدوى، وعلى الجانب الآخر حمل اثنان «بساطاً عليه ألبسة أطفال» وركضوا هاربين غير آبهين بما سقط منهم على الأرض من قطع.
بعد 5 دقائق من هذا المشهد خلى السوق نهائياً من أية بسطة، لكنه لم يخلُ من المستغلين وأصحاب المحلات، الذين يرفعون الأسعار دون رقيب أو حسيب، فليس هناك أية دورية لضبط الأسعار، أو مراقبة الجودة، لصالح المستهلك، وكل ما هنالك «قمع للبسطات».
«مادامت الجهات الرسمية قادرة على قمع ظاهرة البسطات وفرز دوريات لها في الأسواق، فلماذا لا تقوم بفرز دوريات حماية مستهلك في الأسواق الكبيرة على الأقل لضبط الأسعار، علماً أن تحديد نقطة واحدة لوزارة التجارة الداخلية ضمن كل سوق دون دورية، كافية لتكون مرجعية لأي مواطن يتعرض للغش أو الغبن» على حد تعبير أحد المتسوقين هناك.
يقول بائع قطنيات: «لا يوجد فائدة من إزالة البسطات ضمن السوق، ففي النهاية هو سوق ومن يريد الشراء من محل أو البسطة هو حر، لكن على المقلب الآخر، هناك ضرر كبير وخاصة لأصحاب هذه البسطات».
ويتابع: «حالياً أنا غير قادر على (التبسيط) فوق الأرض، وأتجول وأنا خائف في السوق، وأركض هرباً إلى الخارج عند قدوم الدورية»، مطالباً إما «بتخصيص سوق له ولمن يكسب رزقه من البسطة، أو السماح لهم كما السابق بالعمل بحرية».
قمع النتيجة!
منذ أشهر، وبعد بدء محافظة دمشق حملتها لإزالة البسطات من دمشق، وهي تقول: إنها تدرس تخصيص أسواق للبسطات يكون حجز المكان فيها مجانياً للبائعين، لكن شيئاً من هذا لم يحدث، وبقيت مئات الأسر دون مورد رزق، وتتحجج المحافظة بأن سكان المناطق التي يتم اختيارها يرفضون وجود تجمع للبسطات قربهم، أي: أن «الحق على المواطن» كما جرت عادة التبريرات الحكومية.
رغم ذلك كله، استطاع بعض هؤلاء، وتحديداً في سوق الحميدية، العثور على حل لكنه غير ناجح في الأحيان كلها، حيث يتحول جزء من السوق يوم الجمعة إلى سوق للبسطات، مستغلين غياب دوريات المحافظة، وتوافد زوار المسجد الأموي، إضافة إلى إغلاق المحلات، ليحققوا نسبة مبيعات مقبولة.
ولو استطاعت محافظة دمشق تخصيص أسواق محددة للبسطات، واستطاعت وزارة التجارة الداخلية ضبط الأسعار بحزم، واستطاعت الحكومة مجتمعة رفع مستوى معيشة المواطنين وتأمين فرص عمل مناسبة وخاصة لمن خسر كل ما يملك في الحرب، لما انتشر الباعة الجوالون بهذا الشكل في كل مكان مضطرين لكسب رزقهم، لكن السياسة التي تعمل بها الجهات الرسمية هي: قمع النتيجة مهما ترتب على ذلك من سلبيات، دون محاولة معالجة الأسباب.

معلومات إضافية

العدد رقم:
810