الحكومة ومجلسها الاستشاري!
سمير علي سمير علي

الحكومة ومجلسها الاستشاري!

كان قد صدر المرسوم التشريعي رقم 22 والقاضي بتشكيل مجلس يسمى «المجلس الاستشاري لمجلس الوزراء» يرتبط برئيس مجلس الوزراء، وذلك بتاريخ 1/9/2016، والذي أنهى بموجبه العمل بالمرسوم 60 لعام 2002.

 

ومن مهام المجلس، حسب المادة 4 من المرسوم المذكور: يتولى المجلس تقديم الاستشارات والمقترحات لمجلس الوزراء في الشؤون التي تتعلق بالسياسة العامة للدولة، والقضايا الاقتصادية والخدمية والتنموية والإصلاحية، ومشاريع التشريعات، ويقوم بإجراء الدراسات عن المواضيع التي يحيلها إليه رئيس مجلس الوزراء .

اجتماع تمهيدي

في مطلع آذار 2017، صدر المرسوم 73 القاضي بتسمية أعضاء المجلس الاستشاري، وبمنتصف الشهر تقريباً، تم عقد الاجتماع التمهيدي الأول للمجلس، في رئاسة مجلس الوزراء، حيث تم التركيز على عناوين أساسية هي: أن سعر الصرف مؤشر إنتاج بالأساس وليس سياسات تدخل، وأن موازنة الدولة مخصصة لتأمين المستلزمات الأساسية، وفق أولويات العمل الحكومي، أولها دعم صمود الجيش، وأن الاعتمادات الاستثمارية مخصصة للزراعة والصناعة والتجارة، الكفيلة بتحقيق التنمية المستدامة، التي تشكل الذراع القوية والرافعة للاقتصاد.

وأكد المجتمعون: أن عمل المجلس هو رسم السياسات، على المستوى الاستراتيجي والطويل، المتمثلة في الرؤية الكلية لإعادة الإعمار على المستوى الشمولي، وعلى المدى القصير، بحيث تكون الزراعة والصناعات الزراعية هي من أولويات العمل، إضافةً إلى دور الشباب والاستفادة من الطاقات الشابة في المرحلة المقبلة في البناء، والتي يجب أن تتسم بالواقعية والإبداعية والإنتاجية القابلة للتنفيذ، على أرضية إعداد خطة اقتصادية كاملة لإعادة بناء سورية من خلال رؤية كلية شاملة، تحقق التنمية المستدامة، وتؤمن فرص العمل لتعزيز الموارد ورفع قيمة الليرة، لافتين إلى أنّ أية عملية تنمية لا تحقق البعد الاجتماعي، غير مجدية، لأن الحامل الأساسي لعملية التنمية هو الجانب الاجتماعي.

لا تعارض!!

العناوين الأساسية التي تم طرحها، مع التأكيدات التي صدرت عن المجتمعين، حول التنمية المستدامة، والصناعة والزراعة والصناعات الزراعية، وتعزيز الموارد، والاستفادة من الطاقات الشابة وتأمين فرص العمل، وبأن التنمية التي لا تحقق البعد الاجتماعي، غير مجدية؛ تظهر شكلاً وكأنها تتعارض مع واقع حال السياسات الحكومية المقرة والمتبعة منذ عقود، حيث لا تنمية، ولا دعم للإنتاج الصناعي والزراعي، ولا فرص عمل، ولا بعد اجتماعي ايجابي لأي توجه أو قرار حكومي.

ولكن يزول هذا الشكل المتعارض، كتابةً ولفظاً ومضموناً وجوهراً، إذا علمنا أن رئيس الحكومة هو من ترأس الاجتماع، وأدار اجتماعه التمهيدي، وبأن مخرجات الاجتماع المذكور بعناوينه، وتأكيداته، لم تخرج عن حيز السياسات المتبعة، وآليات تسويقها الإعلامي، ذات الطابع التجميلي، بالشكل فقط، دون المضمون.

حيث اتفق المجتمعون على دور المجلس الاستشاري في دعم الحكومة، من خلال «تصويب قراراتها» فيما يخص الواقع الاقتصادي «الزراعي والصناعي والتجاري»، باعتبار المكون الاقتصادي يمثل أولوية في عمل الحكومة خلال المرحلة الحالية، ومن ثم سيتم توسيع عمل المجلس بشكل تدريجي ليشمل القرارات الخدمية جميعها، وإدارة الموارد البشرية والثقافية والتربوية وغيرها، إضافةً إلى مراجعة التشريعات التجارية والصناعية والزراعية والنقدية كلها، وتقديم مقترحات التعديل بما يحقق آلية أفضل للعمل.

هيكل إداري 

متماثل المهام مع غيره

ولنتساءل بالنتيجة عن مدى الجدوى من إعادة إحياء هذا المجلس، بعد عقد ونصف من نسيانه، تقريباً؟؟ سوى أنه هيكل إداري جديد، يضاف إلى الهياكل القائمة، مع ما يترتب عليه من نفقات وتكاليف وأعباء، إدارية ومالية ومكانية، على الرغم من أن الحكومة كانت قد عزمت على إلغاء بعض الهياكل التي كانت موجودةً سابقاً، إما بالضم، أو بتغيير التبعية، أو بالإلغاء، أو بإعادة الهيكلة، تحت عنوان أساس، لذلك هو: تشابه المهام وتماثلها، فكيف بمهام المجلس المحدث، التي تتقاطع مع مهام الوزارات والهيئات والاتحادات والمنظمات القائمة كافةً، بما في ذلك من مهام لمؤسسة رئاسة مجلس الوزراء نفسها، بهيكلها التنظيمي والإداري القائم، ومهامها المناطة بها عبر مكاتبها ومديرياتها.

اللهم إذا استثنينا فقط ما تم إقراره من مهمة، ربما تعتبر الأهم، تتمثل بمراجعة التشريعات التجارية والصناعية والزراعية والنقدية كلها، وتقديم مقترحات التعديل بما يحقق آليةً أفضل للعمل!!.

علماً أن هذا الأمر يعتبر من مهام الوزارات المختصة كذلك الأمر، أصلاً.

نموذج مستهلك!

إن هذا النموذج الإداري، سبق أن تم اختبار أشباهه في بلدان أخرى، وبالأسماء نفسها تقريباً، حيث ظهرت الكثير من العيوب عبر تعارض مهامه مع مهام الوزارات، ما خلق الكثير من الإشكالات، الإدارية والتنظيمية، عبر المهام المتماثلة، أو عبر الاستعانة بالخبرات لدى بعض العاملين في الوزارات والمؤسسات، الرسمية وغير الرسمية، وعبر بعض المشاريع والاقتراحات التي تتعارض بالنتيجة وتتناقض مع ما يمكن أن تقدمه بعض الجهات العامة، من وزارات ومؤسسات، ما يؤخر من اتخاذ بعض القرارات لحين حل هذه التناقضات، وليغدو النموذج «المجلس» بمثابة حكومة تنتزع صلاحيتها عبر رئيس الحكومة نفسه، باعتبار التبعية له، بجانب الحكومة القائمة.

كي يبرز التساؤل الأهم وهو: لمصلحة أية شريحة اجتماعية ستكون تلك الاستشارات والمراجعات والتعديلات، في الشؤون التي تتعلق بالسياسة العامة للدولة، والقضايا الاقتصادية والخدمية والتنموية والإصلاحية، ومشاريع التشريعات؟؟ على ضوء استمرار السياسات الحكومية المحابية للمستثمرين والتجار والمستوردين، ومن لفّ لفهم، وعلى ضوء تشكيلة المجلس وقوامه نفسه!!.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
803