حكايا الشارع الحلبي عن «مال الدولة الداشر»!

حكايا الشارع الحلبي عن «مال الدولة الداشر»!

بعد اليوم لم تعد البيوت تنغلق على أسرارها، بل باتت مبعثرةً فوق هامات أصحابها وعلى وجوههم، يكفي أن تسير في شوارع المدينة، فترى الهموم متراكمةً على أكتاف سكانها، أو متراميةً على جنباتها، منهم من قَطَب حاجبيه، ومنهم من راح يُكلم بها نفسه، فضغط الأزمة بكل أبعاده الاقتصادية والمعيشية، ويومياتها أنهكت ذاكرته، وحاصرته بأحداثها المتراكمة، خلال «يومه- أسبوعه- شهره- وعامه».

فالمدينة هي الأخرى كقاطنيها، مرهقة ومتخمة من تراكم صدأ الفساد، والإهمال في مفاصل مؤسساتها، حتى استحالت الحياة واستيأس منها مواطنوها، وباتو يلجؤون إلى بدائل عكست فقدان ثقتهم بمؤسسات الدولة، والذي يعد من الخطورة بمكان، فهذه المؤسسات، التي دفع المواطن السوري دماءه وعرقه في سبيل بنائها حجراً حجراً، هي الآن مفرغة من دورها، لحساب قوى الفساد وبعض المتنفذين.

الفرقة النحاسية!

قِطّاع الكهرباء، الذي يُعد من أكثر القطاعات تضرراً، بسبب الأعمال الإرهابية التي تعرض لها بشكل دائم، لكن المفارقة أن خسائره الفادحة بدأت بالتراكم، من بعد تطهير المناطق من قبل الجيش العربي السوري، حيث عملت فرق خاصة تسمى «بالفرقة النحاسية» على قطع الأكبال، وتفكيك محطات التحويل، وربما تدميرها وبيع نحاسها للسوق السوداء، في وضح النهار وعلى مرأى المواطنين ومسمع مسؤولي المدينة، الذين إلى الآن لم يصدر عنهم سوى تنديد خجول هنا وتقريع هناك، دون وجود فعل، أو تحرك جدي على الأرض لمنع هكذا ممارسات، أخرجت قطاع الكهرباء عن الخدمة، رغم الوعود المستمرة، والتصريحات من قبل الحكومة والوزير، ولكن استنزفت جميعها صبر المواطن وأراقت ثقته.

قطاع المياه، المتصل بشكل مباشر بالكهرباء، هو الآخر أنهك أعصاب المواطنين، لكن لحساسيته وخطورته وارتباطه بصحة المواطن وحياته بشكل مباشر، بقيت آماله معلقةً به، ولو بيأس، علَّ أملاً ما، يحمل لهم بشرى خلاصهم، رغم تحرير محطة الضخ واستعادتها من أيدي الفصائل الإرهابية المسلحة، لكن كما كانت وعود المحطة الحرارية؛ بات يدرك المواطن أنّ ما وعد به جميعه محض كذب.

تَسيّب النقل

قِطاع النقل ليس أفضل حالاً، وخاصةً بعد فتح العديد من الشوارع في المدينة، واتساع رقعتها، بعد استعادة الأحياء الشرقية منها، ما سبب عجزاً كبيراً في قطاع النقل، إلا أن المفارقة هنا، سببها أصحاب «السرافيس» أنفسهم، حيث لم يبق عدد آليات محدد لكل خط سير، كما تفلتت تسعيرة الركوب من سيطرة وإدارة مديرية النقل، وخاصةً في خضم أزمة المحروقات التي ضربت المدينة.

فبدل أن يُخدّم خط سير بأكمله مقابل 40 ل.س لكل راكب، يقوم بتقطيع المسافة إلى عدة نقاط مقابل ذات الأجر، وربما عند كل مرحلة يقوم بتغيير خط مساره بحسب مزاجه وكيفما اتفق، لتجد ضغطاً هائلاً على خط دون آخر، وإهمالاً لغيره.

المضحك حدَّ السخرية، قيام العديد من السائقين على إرجاع قطع من «العلكة» بدل الفراطة، وهو ما تحول إلى نكتة في يوميات الحلبيين، ومديرية النقل حاضرة الدقن غائبة العقل!!

مال داشر!

أمام هذا الواقع الخدمي المتهالك، الذي حول مؤسسات الدولة، التي هي ملك للشعب، إلى مال داشر، أسال لعاب اللصوص ومن ورائهم الفاسدين، يجدر الوقوف بحزم أمام هكذا انتهاكات، أفقدت الثقة بمؤسسات الدولة.

وكيف يمكن الحديث عن صمود هذه المؤسسات، وهي مفرغة من دورها في خدمة المواطن؟! وكيف يُسمح بهكذا تجاوزات، وفي الوقت نفسه نحامي عن السيادة الوطنية، التي تُعبر عن هيبة الدولة، وهي تنتهك بهكذا ممارسات؟!.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
802