جديد التعليم العالي في الخصخصة!
نوار الدمشقي نوار الدمشقي

جديد التعليم العالي في الخصخصة!

لم يعد شعار الخصخصة أمراً يتم لملمته، والمضي به بصمت، كما درجت عليه العادة عند الحكومات الليبرالية المتعاقبة، على حساب قطاعات الدولة كافةً، وبشكل تدريجي شبه مخفي، بغاية سحق هذه القطاعات واستبدالها كلياً بالقطاع الخاص، ليزيد ملء جيوبه على حسابنا جميعاً، بل أصبح واقعاً عملياً معلناً عنه وجلياً دون مواربة.

 

آخر ما حرر بهذا الشأن هو ما صرح به وزير التعليم العالي مؤخراً بأنه «اعتباراً من العام القادم سيكون هناك تعليم مسائي في بعض الكليات، وسيكون التعليم مأجوراً ويؤمن دخلا للجامعة، يحسن الواقع المادي لأساتذة وموظفي الجامعة»، موضحاً أن «التعليم المسائي يتمثل بجامعات خاصة مسائية ضمن الجامعات الحكومية بالاعتماد على الأساتذة ذاتهم والأجهزة والقاعات والخطة الدراسية نفسها».

ذرائع مستهلكة؟

سبق وأن تم إدخال أنظمة تعليم مأجورة على قطاع التعليم العالي، تحمل طابعاً شبيهاً بالخصخصة، وقد تم تبرير ذلك بحينه بفسح المجال للاستقطاب الأوسع للطلبة والراغبين باستكمال تعليمهم العالي، مع تأمين وفر مادي، لتغطية النفقات الخاصة بالجامعات على مستوى العملية التعليمية، والكادر التدريسي والإداري، وقد شاهدنا مسمَيين لهذه الأنظمة، التعليم المفتوح- التعليم الموازي، لكل منها نظامه الخاص في القبول والحضور والامتحان والرسوم وغيرها من القضايا التنظيمية الأخرى، ولكنهما يعتمدان على الكادر التعليمي والاداري نفسه، وبالمباني الجامعية والكليات نفسها، حسب ما يتم إقراره سنوياً من افتتاح كليات جديدة بهذه الأنظمة التعليمية.

وبالتالي فإن موضوع تأمين الدخل للجامعات، وتحسين الواقع المادي لأساتذة وموظفي الجامعة، هو موضوع سبق وتم استهلاكه مرتين حتى الآن، على حساب التعليم المجاني الحكومي، وعلى حساب الطلاب ومصلحتهم ومستقبلهم بالنتيجة.

الخصخصة في العام!

أمر لم يتضح بعد من مضمون تصريح الوزير أعلاه، وهو عبارة: «جامعات خاصة ضمن الجامعات الحكومية».

فهل هذا يعني أن النموذج الجديد المقر، ليس نظاماً تعليمياً جديداً يضاف إلى نظم التعليم السابقة، وهو نموذج لتأجير الأبنية الجامعية مع كادرها التدريسي والإداري لبعض المستثمرين، تحت تسمية جامعات خاصة، عبر عقود استثمارية وتعليمات وقرارات ناظمة؟.

والسؤال الذي يتبادر للذهن مباشرةً بحال كان الأمر على هذا النحو: هل هذا الاجراء يعتبر دستورياً وقانونياً، أن يتم هذا النمط من التأجير الاستثماري، وهل يحق للحكومة أن تتاجر بالأبنية ومن فيها أيضاً؟.

وهل سيدخل نظام التشاركية، سيئ الصيت، على العملية التعليمية بنهاية الأمر؟ وأين يريدون أن يصلوا بالتعليم العام، الذي هو حق من حقوق أبنائنا والتي من المفترض أن تكون مصانةً؟!.

وأين تريد أن تصل بنا تلك السياسات الليبرالية بيعاً وشراءً وتجارةً واستثماراً، بالبشر وبالحجر وبالمستقبل أيضاً؟.

«بدل ما تقلها كش»!

وإذا كانت الحكومة، ووزير التعليم العالي، يعلمان بأن المخصصات التمويلية السنوية على العملية التعليمية بمرحلتها العليا لا تغطي التكاليف، ولا تؤمّن الواقع المادي المناسب لأساتذة الجامعات والعاملين فيها، فإن الأَوْلى بالحكومة أن تزيد من ضخ الأموال في الموازنات السنوية للجامعات، وفي مجال البحث العلمي، بدلاً من أن تخترع كل عدة أعوام نظاماً جامعياً جديداً، أو ترخص لجامعات خاصة بمسميات وألوان وعناوين مختلفة، وبجوهر واحد هو الريع الاستثماري والربح التجاري، على حساب سياسات الاستيعاب الجامعي، التي يدفع ضريبتها سنوياً الطلاب، من أبناء الفقراء والمسحوقين في البلد بشكل خاص، فيما ينعم من يملك المال أن يعلم أبنائه بأمواله.

أخيراً نقول: كفى محاباةً لأصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين والجشعين على حسابنا وعلى حساب أبنائنا ومستقبلهم ووطنا بنهاية المطاف.

معلومات إضافية

العدد رقم:
799