دار «الكرامة» بدمشق ماذا بقي من اسمها؟
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

دار «الكرامة» بدمشق ماذا بقي من اسمها؟

دار الكرامة لرعاية المسنين بدمشق، هي الدار الحكومية الوحيدة فيها، حيث يوجد في المدينة أربعة دور خاصة وتشاركية أخرى للغاية نفسها، بالإضافة إلى الجمعيات التي تهتم برعاية المسنين.

وعلى الرغم من الازدحام السكاني كله بالعاصمة، ومع كل ما أفرزته الحرب والأزمة من تداعيات، كان للمسنين والعجزة النصيب الأوفر منها، إلا أن الحكومة لم تعمد إلى إحداث دور أخرى لهذه الشريحة ذات الطبيعة الخاصة، من حيث ضرورة توفير العناية والاهتمام بمتطلباتها الحياتية والمعيشية والخدمية والصحية والنفسية.

تقصير حكومي

لم يقتصر الأمر عند ذلك الحد من التقصير، على مستوى الاهتمام الحكومي بهذه الشريحة، بل طال التقصير الدار الوحيدة القائمة نفسها، وعلى المستويات كافة، إعتباراً من نقص التمويل مروراً بنقص الكادر العامل فيها وليس انتهاءً بالخدمات المقدمة عبرها، مع كل الانعكاسات السلبية لذلك كلها، على مستوى نزلاء هذه الدار، من مسنين وعجزة.

ازدحام وتعدد احتياجات

دار الكرامة لم تعد مقتصرة على استقطاب المسنين فقط، بل فيها أطفال وشباب أيضاً، ممن أصيبوا بالإعاقات، العقلية والدماغية والجسدية، حيث لم يكن أمام هؤلاء سوى هذه الدار لتستقبلهم، على الرغم من النواقص كلها على مستوى الرعاية والاهتمام فيها.

تستقبل الدار كل من يحمل البطاقة الشخصية، التي تؤكد بأنه من مواليد دمشق، وقد تخطى الخمسين من العمر، دون أن يكون له معيل، وذلك حسب الشروط الموضوعة والمعتمدة حسب إحداثها، ولكن واقع الحال يقول غير ذلك، حيث بات نزلاء الدار يغلب عليهم المعوقين بدرجات الاعاقة المختلفة وبالأعمار المختلفة ومن مختلف المحافظات الأخرى، بغض النظر كان ذلك  بفعل الحرب والأزمة، أم لا، حيث باتت تعج الدار بأعداد كبيرة من النزلاء من الأعمار كلها، وبالاحتياجات المختلفة.

نواقص بكل شيء

افتقار الدار للمختصين من الأطباء والمعالجين النفسيين وغيرهم، هو أمر مزمن منذ سنين، كما هو واقع نقص الميزانية التمويلية السنوية للدار، مما يوقعها بالعجز عن القيام بدورها ومهامها المطلوبة منها بالشكل المناسب، ناهيك عن بعض أوجه الفساد والترهل التي لحقت بعض أركان العمل فيها، فكيف هو حالها الآن بعد سني الحرب والأزمة، والتقنين الحكومي الرسمي، على مستوى التمويل للخدمات الاجتماعية والصحية كافة وغيرها، بالإضافة إلى النقص والنزيف والتسرب الحاصل بالكوادر العاملة في القطاعات كافة، وخاصة الحكومية منها، نتيجة الحرب والتشرد والنزوح واللجوء، وبظل عدم رفد هذه القطاعات بالبدائل المطلوبة مقابل هذا النزف، مع السياسات الحكومية التي تعتمد التقنين بتشغيل العمالة لديها وفي مؤسساتها العامة.

أخطار أمنية أيضاً

تقع الدار بمنطقة باب شرقي، في الطريق المتجه نحو الغوطة، وقد تعرضت الدار كما غيرها من الأبنية والمنشآت في تلك المنطقة للاستهداف بالقذائف المنهالة بفعل المعارك على محاور القتال القريبة، طيلة سني الحرب وحتى الآن، لوقوعها في مرمى النيران، ما جعل النزلاء في واقع غير آمن على مستوى سلامتهم وحياتهم أيضاً، وعلى الرغم من ذلك لم يتم اتخاذ أي إجراء على مستوى نقل النزلاء لمنطقة أكثر أمناً داخل العاصمة، علماً بأن الكثيرين من هؤلاء عاجزين عن اتخاذ أي قرارات فردية بهذا الشأن، نتيجة وضعهم الصحي والنفسي والعقلي.

مختصر مفيد

إحدى المقيمات المزمنات بالدار منذ أكثر من 15 عاماً قالت: «كانت الخدمة كتير منيحة والعناية منيحة، وصرلنا من قبل الأحداث ما في لا عناية منيحة ولا أطباء بيجو لعنا وبيهتمو فينا، كان في زوار ما عاد أجو، الممرضات مو متل أول، من برا شو بدكن شو عايزين! والأطباء ما بيحكو! بيفوتو وبيطلعو من الغرفة بس».

مضيفةً: «كل شي عم يجي ع الدار ما عم نشوف شي، لا لحمة ولا فواكه، كلو للإدارة».

وتابعت قائلة: «حالتنا يرثى لها وكل مالنا لورا، ما في عناية، ما في أطباء سنان ولا غبر سنان، ما في خدمات، كان عنا عشرين عامل هلأ ما في إلا تنين، وكهربا في محولة عمرا عشر سنين خربانة وما عم يصلحولنا ياها، ومنستنى الكهربا كل اربع ساعات لتجينا ساعتين، وشوفاجات ما في».

وختمت بالقول: «القذائف عم تنزل علينا، أربع خمس مرات نزلت علينا، بتمنى ينقلونا من الدار، أو يحسنو وضعنا، بالدار ما عاد في عناية».

دار للكرامة بالاسم

واقع الحال يقول: أن دار الكرامة لرعاية المسنين والعجزة بدمشق بات مشكوك باسمها، كما بهدفها ودورها وواجبها، فقد أصبحت عبارة عن بناء شديد الازدحام بالنزلاء العاجزين عن رعاية أنفسهم، مع الكثير من الترهل، ونقص الخدمات واللامبالاة، والاستهتار الرسمي بمآل هؤلاء ومصيرهم، ولعل مسؤولية ذلك تبدأ اعتباراً من محافظة دمشق مروراً بوزارة الشؤون الاجتماعية، وليس انتهاءً بالحكومة ككل، حيث لم تكن الحرب والأزمة إلا وبالاً إضافياً يدفع ضريبته هؤلاء النزلاء كل يوم، على مستوى الرعاية والاهتمام والخدمات، بظل التذرع بهذه الحرب والأزمة عند كل حديث عن تقاعس وعدم اكتراث بحقوقهم كما بحقوق المواطنين عموماً.

أحد المواطنين، ممن اعتاد على زيارة الدار بين الحين والآخر، في معرض الحديث عن واقع الدار وما آل إليه من ترهل ونقص بالخدمات والرعاية والاهتمام قال: «ليش المسؤولين ما بيشوفوا الحالة اللي صارت فيها الدار، مو بيجوز تكون نهاية واحد منهم بهي الدار، وبهيك «كرامة»، لأن من الأكيد أنو النزلاء ما اختاروها بنفسهم، وما بيعرف الواحد منهم شو بيصير عليه، بس لو يعتبروا؟!».

معلومات إضافية

العدد رقم:
789