واقع العملية التربوية.. هل يكفي تغيير المدراء؟

شهد قطاع التربية في محافظة الحسكة مع بداية العام الدراسي تغييرات كبيرة في الكادر الإداري، وبالأخص مدراء المدارس بعد أن شهدت العملية أخذا وردا منذ عام وأكثر اختلفت الآراء بخصوص هذا الإجراء بين مؤيد ورافض -الوزارة، وفرع حزب البعث في المحافظة -إلى أن حسم الأمر لصالح إجراء التغييرات...

ومما لاشك فيه أن مدير المدرسة يلعب دورا كبيرا في العملية التربوية سلبا أو إيجابا، ولكن الطريقة التي تمت بها التغييرات الإدارية في القطاع التربوي هي استمرار للسياسات السابقة التي تعتمد أول ماتعتمد، على الانتماء الحزبي،فالشرط الأول أن يكون المرشح من حزب البعث، وتدخل على الخط المحاصصات العشائرية والقبلية وصلات القربى مع هذا وذاك من ذوي النفوذ، لتكون النتيجة أن التغيير من ألفه إلى يائه يصبح شكليا لاعلاقة له بمبدأ الكفاءة والنزاهة المهنية التي لو اعتمدت لكان من الممكن أن تكون عاملا مساعدا لتطوير هذا القطاع الحيوي الاستراتيجي الذي لا يحق لأحد احتكاره، طبعا نحن هنا لانعني أحد من الزملاء المدراء الجدد الذين نتمنى لهم كل التوفيق في عملهم، بل نقصد المبدأ الذي يعتمد في التعيين الذي أكل عليه الدهر وشرب، لاسيما وأن تقدم أو تراجع واقع العملية التربوية لا يتعلق بالإدارات فقط،، بل يتعلق بمجمل السياسات المتبعة في هذا القطاع المنهك، كجزء من حالة التخبطالعام نتيجة السياسات الحكومية في الميدان الاقتصادي والإداري، فتغلغل العلاقات الرأسمالية ذات الطابع الطفيلي وما تمخض عنها من فساد شامل وإفساد منظم وبيروقراطية صماء وتهتك في البنية الأخلاقية للمجتمع، وسيادة عقلية المجتمع الاستهلاكي ( اللهم أسألك نفسي) و(تملك قرش تسوى قرش) وعدم الشعور بالمسؤولية تجاه الشأن العاملدرجة يظن المرء إن الأمور تسير في هذه البلاد بقدرة الله سبحانه وتعالى فحسب، ولادخل للحكومة بها كجهة من المفترض إنها راعية لمصالح الشعب،لقد ألقى كل ذلك بظلاله على مجمل الأوضاع في البلاد ومنها قطاع التعليم بمراحله المختلفة، وبوقفة سريعة أمام واقع العملية التربوية في البلاد نجد:

- تدني المستوى التعليمي للطلبة في مختلف مراحل العملية التعليمية والتربوية.
-زيادة نسب تسرب الطلبة من المؤسسات التربوية التعليمية.
- تخلف المناهج، وضعف الأداء التعليمي التربوي للأغلبية الساحقة من المعلمين والإداريين الذين يعيشون حالة لهاث يومي وراء لقمة عيش كريمة في ظل الأزمة الاقتصادية الاجتماعية التي تعصف بالبلاد.
- الانخفاض المستمر لحصة وزارة التربية في الموازنات العامة للحكومة منذ سنوات رغم الزيادة المستمرة في عدد السكان.
- اللامبالاة العامة من الأسر بمستوى أبنائهم التعليمي الأمر الذي يعد شرطا ضروريا لإعداد التلميذ وخصوصا في مرحلة التعليم الأساسي.
- عدم توفر الوسائل التعليمية وإن توفرت فإنها غالبا لاتستخدم، وعدم اعتماد الطرائق الحديثة في عمليةالتدريس.

-إن سياسة الاستيعاب في الجامعات والمعاهد الرسمية والتي تحول دون استكمال الطلبة لتحصيلهم العلمي وبالتالي تؤدي إلى ضخ أعداد متزايدة من الشباب إلى سوق البطالة أو العمل الهامشي وتفقد ثقة الطلبة وذويهم بالتعليم من أساسه طالما إن 20 سنة دراسية لاتؤمن فرصة عمل ومستوى معاشي معقول،كما إن هذه السياسة تخدم وبشكل مباشر خصخصة القطاع التعليمي، والإطاحة بمبدأ ديمقراطية التعليم ، إنّ الارتفاع اللاعقلاني في معدلات القبول في أغلب الكليات والأقسام يدفع أعداد كبيرة من الطلبة إلى الجامعات الخاصة حيث تجري عمليات بيع وشراء النجاح، فالحصول على شهادة جامعية من الجامعات الخاصة تتطلب مئات الألوف من الليرات السورية، وهذا ما لايستطيع أغلبيه أبناء شعبنا تأمينه، والنتيجة الوحيدة لذلك هي نخبوية التعليم الجامعي واقتصاره على أبناء الذوات وأصحاب الرساميل وتجهيل أبناء الطبقات الشعبية نتمنى ألا يكون متعمدا.
- تخلف الخطط والبرامج التعليمية المتبعة بالنسبة للقفزات الكبيرة في مجال التكنولوجيا والمدارس الحديثة في علم لتربية.
- استمرار تدخل الأجهزة الأمنية بواقع العملية التربوية وخصوصا ما يتعلق بالنقل التعسفي للعديد من الزملاء المدرسين إلى خارج مناطق سكنهم وعملهم لأسباب وحجج واهية،ويندرج في هذا الإطار أيضا تلك التعقيدات التي توضع أمام تلاميذ الصف الأول المكتومين كإحدى إفرازات الإحصاء الاستثنائي الجائر في محافظة الحسكة، فالموافقات اللازمة لتسجيل تلميذ من هؤلاء في الصف الأول تزيد وبلا مبالغة عما يلزم لمرشح إلى مجلس الشعب أو وزير، ومن ضمنها طبعا موافقة إحدى الجهات الأمنية وذلك تحت حجة مقتضيات المصلحة العامة ،والسؤال أية مصلحة عامة هذه التي تتطلب وضع كل هذه العراقيل أمام طفل يسجل نفسه للصف الأول؟

إن واقع العملية التعليمية التربوية هي جزء من واقع عام وبالتالي فلا تنفعأية سياسة ترقيعية أو جزئية سواء أكان تغيير المدراء أو غيرهاوالاستمرار في هذه السياسة يطيح بكل ما دفع شعبنا ثمنه خلال العقود الماضية لتوفير بنية تحتية ( مدارس، جامعات، معاهد)التي نشرت التعليم وضخت إلى سوق العمل مئات الآلاف من الكادرات الوطنية التي ساهمت في خلق بنية تحتية، وقادرة على بناء اقتصاد وطني يلبي حاجات شعبنا وإحداث تنمية حقيقية لو توفرت لها الظروف المناسبة ومن هنا فان إصلاح القطاع التعليمي يجب أن يكون ضمن إصلاح وطني شامل ومتكامل يلبي حاجات المواطن المادية والروحية... بقي أن نقول انه يحزّ في نفس المرء أن يكتب عن قضايا الداخل في ظل تكالب طغاة الحرب والنهب من دعاة مشروع الشرق الأوسط الجديد على مصالح شعوبنا وأوطاننا، ولكن للأمور منطقها، ومواجهة تلك المشاريع بالضبط تتطلب المواجهة،والمواجهة تبدأ من الداخل في كثير من الأحيان.

معلومات إضافية

العدد رقم:
281