هشام الباكير هشام الباكير

من التراث ثنائيات وهمية... من جديد

لعل من أهم الأسباب التي تدعوني مجدداً للحديث عن الثنائيات الوهمية، ردود الأفعال تلك والتي تعني وجود أزمة معرفية أو بالأحرى «فاصل زمني تحليلي» بين ما تعودنا عليه وألفناه طويلاً بأنه صحيح و نهائي و قطعي وأحياناً «مقدس» وبين التحليل العلمي الحقيقي، القائم على دراسة عميقة للأحداث السريعة بل والخاطفة كما هو الحال اليوم، تلك الأحداث التي  بدأت بهزيمة نكراء «حقيقية» أصابت الكيان الصهيوني، لتختتم بتوقيع آلاف اللبنانيين من أهالي الضاحية الجنوبية على «رسالة» تحية للمناضل تشافيز، لكن السبب المباشر والرئيس الذي قادني للكتابة من جديد عن تلك الثنائيات التي رأيناها «وهمية»  قبل الآخرين، لتؤكد الأحداث التالية صوابية وصدق ما نقول ووضوح ما نقرأ، سألني أحد المقربين مني: لماذا موقفكم من النظام ومن المعارضة غير واضح، بل أجدكم أقرب للنظام أحياناً، أو أنتم تحاولون التقرب منه؟؟

أما سؤاله الثاني، لماذا هذه الزاوية الجديدة «من التراث» ؟هل هي للتقرب من الإسلام بعد الانتصارات التي حققتها الأحزاب الدينية!!على الأرض؛ يعني «لعبة سياسة وحسب»؟
في هذين السؤالين أستطيع الادعاء بأنني قادر على إجابة السؤال الثاني بسهولة، لأنه يأتي ضمن اهتمامي وأبحاثي المتواصلة في هذا المجال وفي تلك العلاقة، أما السؤال الأول، فقد كنت شخصياً مثل سائلي لا أفهم الحدود الفاصلة بين مصطلحين متناقضين تماماً، «للوهلة الأولى»، ولطالما تخيلت الحق المطلق مع من يعارض!! وربما كنت أو كنا جميعاً، متأثرين بذلك الدرس الأول في تاريخنا، انكسار(علي بن أبي طالب) وما يمثله من قيم إنسانية نبيلة وإيمان حقيقي في مواجهة معاوية ( وما يمثله من مصالح تجارية واقتصادية وسياسية وشخصية، ونفعية) فأضحينا نستنكر كل سلطة، ونعشق كل معارضة!
هذا جزء من الحقيقة، أما الجزء الآخر منها فهي تلك المعارضات غير النبيلة والتي أتحفتنا بمشاهدتها الفضائيات والصحف العربية والغربية منذ سقوط «طالبان» وظهور«كرزاي» قدس سره إلى سقوط النظام في بغداد ومجيء ولاة أمر المسلمين «الجلبي وعلاوي» عليهم السلام لتكتمل الصورة بمعارضتنا السورية «الدولارية» الغادري وخدام رضي الله عنهما، وبعد أن أصبحت قريباً من اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، عرفت ذاك الخط الفاصل، والحقيقي الذي يحدد بدقة علمية ( كيف نرى المعارضة وكيف نرى السلطة) !!وإليكم بعض ما قاله الدكتور قدري جميل بهذا الشأن: «إن مفهوم السلطة والمعارضة، مفهوم افتراضي وشرطي، ونرفض تقسيم القوى السياسية على هذا الأساس كي نكون معها أو ضدها، وكل قوة نتعامل معها ونحدد موقفنا منها على أساس موقفها من الثوابت» .وأسأل من جديد هل ترون فرقاً بين خدام المعارض وخدام  الحاكم بعد أن هبط الوحي عليه فجأةً و أصبح شفافا عاشقاً للشعب والديمقراطية؟!
أما السؤال الثاني، وعلاقتنا مع الأحزاب والقوى الدينية، إسلامية أو غير ذلك، فيحددها موقفها هي من القضايا الوطنية، ونحن ما زلنا نرى بوضوح الفوارق بينها، أي التنظيمات –فنظرتنا لتنظيم القاعدة تختلف تماما ًعن رؤيتنا لحزب الله، أو حماس والجهاد، فمقاومة العدوان الأمريكي هي عنوان تحالفاتنا، أولاً وأخيراً، ونحن أيضا لا نرى في الإسلام نقيضاً لنا؛ فثقافة الاستشهاد، ومقاومة الظلم التي نصرخ بها بدأت مع الإسلام الذي ننتمي إليه حضارياً، وحري بمن يسأل، أن يرى ما قام به في الأمس ألوف اللبنانيين من أبناء الضاحية الصامدة بتوجيههم رسالة حب و تقدير للقائد الأممي «تشافيز» وأسأله بدوري: هل رسالة جماهير حزب الله «المؤمنة» إلى تشافيز هي للتقرب من الفكر «الشيوعي» المواجه للمشروع الأمريكي!!؟
نقولها ونعيد، دون مواربة أو خجل.. «مسلمون ومسيحيون، سنة شيعة، عرب وأكراد وبربر وفرس، وإن شئتم ملائكة وشياطين»!! نحن جميعاً في الخندق الصحيح و «بوصلتنا» صادقة وحقيقية، وهي لاتشير إلا باتجاه واحد: مقاومة المشروع الاستعماري الصهيوني الأمريكي..

معلومات إضافية

العدد رقم:
284