يوسف البني يوسف البني

أهالي مدينة النبك يرفعون صوتهم: نطالب بخدمات مدروسة ومجدية وقليلة التكاليف

تعاني مدينة النبك منذ فترة طويلة من تداعيات وإشكالات كبيرة بسبب مشروع محطة معالجة مياه الصرف الصحي للمدينة، الذي لم يُنفَّذ حتى الآن، بسبب الاختلافات الكبيرة في المواقف والآراء بين أعضاء مجلس مدينة النبك، حيث بعضهم يدلي باقتراحاته بما يناسب مصلحة المدينة وقدراتها وميزانية المجلس البلدي فيها، بينما بعضهم تحكمه المصلحة الخاصة والنظر إلى القليل من الفوائد الشخصية، والبعض الآخر محكوم بآراء وقرارات المتنفذين من الجوار، ويداري خواطرهم على حساب مصلحة المدينة ومقدراتها، وتبين أن هذا البعض الأخير هو صاحب القرار والرأي النهائي في الموضوع.

المكونات الأساسية للأزمة

توجد في الأراضي المحيطة بمدينة النبك ثلاثة مواقع مقترحة لإقامة محطة معالجة مياه الصرف الصحي، المنطقة الأولى وهي المكان الطبيعي والملائم جداً لإقامة المحطة، وتقع شمال مدينة النبك باتجاه الإسالة الطبيعية لمجرى مياه الصرف الصحي حالياً، وفي المكان الذي تصب فيه، وقد بينت الدراسات الفنية والاقتصادية أن بناء المحطة في هذا المكان قليل التكلفة وذو جدوى اقتصادية متميزة عن الموقعين الآخرين المقترحين. ولكن بما أن هذه المنطقة واقعة في المسافة الجرداء الفاصلة بين مدينتي النبك ودير عطية، فقط اعترض أحد المتنفذين في دير عطية على إقامة المحطة في موقعها الطبيعي، ولا يريد المحطة (أمام عينيه) واقترح تغيير المكان. فتم اقتراح إقامة المحطة في موقع الزريبات، وعُرض هذا الاقتراح على مجلس مدينة النبك، وكانت هنالك آراء ومواقف متباينة تجاه الموقع الجديد، وكذلك اعترض عليه المتنفذ من مدينة دير عطية بحجة أن هذا الموقع ذو بعد سياحي مستقبلاً، ويمكن إقامة المشاريع فيه.
المكان البديل الذي اقترحه وشجعه المتنفذ من دير عطية هو الموقع المقترح حالياً وموضوع الخلاف بين أعضاء مجلس مدينة النبك ورئيس المجلس، الذي يحابي صاحب النفوذ من دير عطية و(يقبل خاطره) ويشجع أعضاء المجلس على الموافقة عليه، ويعمل على ذلك. وهذا المكان يقع جنوب شرق المدينة، بالاتجاه المعاكس للمسيل الطبيعي للمياه وخطوط الصرف الصحي، ويبعد عن مكان الصب مسافة 6 كم، وبارتفاع منسوب عنه بمقدار +65 متراً. وقد أثبتت الدراسات الفنية والهندسية والاقتصادية أن إقامة المحطة في هذا الموقع يتطلب تكاليف باهظة.
 

تصريحات ومطالب محقّة

للوقوف على تفاصيل هذه المشكلة التقت «قاسيون» عدداً من أعضاء مجلس مدينة النبك، بحضور السيد رامز بحبوح عضو مجلس محافظة ريف دمشق، وقد شرحوا الجوانب السلبية للمكان المقترح في جنوب شرق مدينة النبك، حيث التكاليف الباهظة حسب رأي اللجان الفنية والهندسية التي درست الجدوى الاقتصادية للمشروع. وتساءلوا: «كم تكلف قناة الجر التي ستضخ مياه الصرف من مكان المصب الطبيعي الحالي إلى مكان المحطة المقترح؟! علماً أن المسافة تبلغ ستة كيلومترات، وبارتفاع عن المنسوب يزيد عن 65 متراً، وبالإضافة إلى تكاليف قناة الجر هناك المضخات والعنفات الكهربائية الضخمة اللازمة لهذا الأمر، إضافة إلى المصروف الخيالي للطاقة الكهربائية، في حين أن هناك تعليمات حكومية للترشيد والتخفيف من استهلاك الطاقة. إضافة إلى أن الموقع المقترح قريب جداً من الأحواض الجوفية المستخدمة لاستخراج مياه الشرب للمدينة (مياه الشفة)، ولا يبعد أكثر من 600 متر عن حدود المخطط التنظيمي، وهذا مخالف لكتاب مجلس المدينة الذي ينص على أن المحطة يجب أن تبعد عن حدود المخطط التنظيمي بمسافة لا تقل عن 1.5 ـ 3 كم، لذلك يجب الالتزام بقرارات اللجان الفنية والاقتصادية، حلاً لكل المشاكل الآنية والمستقبلية، وتداركاً لكل المصاعب التي قد تنجم عن الأعطال، إن كان انقطاعاً في الكهرباء، أو عطلاً في المضخات، الذي قد يؤدي إلى طوفان مياه الصرف الصحي في مكان المصب، أو حتى السيول التي ستساهم في زيادة معدل تدفق مياه الصرف في موسم الأمطار الغزيرة، فأية مضخات ستكفي لتقوم بالعملية بالشكل الكافي؟!!
إن المكان المناسب والطبيعي، والأقل تكلفة، والأكثر جدوى اقتصادياً، هو باتجاه الإسالة الطبيعية لمياه الصرف الصحي أو منطقة السد أو منطقة الزريبات، المكان الأقل ضرراً وتكلفة، بينما المكان المقترح جنوب شرق المدينة يقع ضمن أملاك خاصة، وتتطلب مراسيم استملاك، والإجراءات المعقدة لتنفيذها، والمدة غير المنظورة لتنفيذ المشروع.

 
من الذي يقرر أين المصلحة العامة؟

تم رفض جميع الأمكنة المناسبة والأقل تكلفة بناء على رأي أحد المتنفذين في مدينة دير عطية، فهو لا يريد محطة معالجة مياه الصرف الصحي (أمام عينيه)، علماً أن المكان الملائم الذي أُقِر أولاً يقع في أراضي مدينة النبك وليس في أراضي دير عطية، وقد تمت مراعاة اقتراح هذا المتنفذ، ورفع كتاب عن طريق معاون وزير الإسكان والتعمير إلى السيد الوزير بتاريخ 5/4/2009 للاهتمام برأي هذا المتنفذ «للموافقة على تكليف الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية بإعداد الدراسة الفنية لربط مصبات الصرف الصحي ومحطات الضخ لمدينة النبك وفقاً لموقع المحطة المقترح».
يتساءل أعضاء مجلس مدينة النبك: «لماذا يتدخل الآخرون في شؤون مدينتهم، وقد تبين أنهم لا يعرفون أين مصلحتها والفائدة العامة لمشاريعها؟! ولماذا يسيطر المتنفذون على قرارات مجلس المدينة، وخاصة رئيس المجلس الذي يحابي مشورتهم ويقبل بآرائهم، دون النظر إلى مصلحة المدينة؟! فلو تم تنفيذ هذا المشروع عالي التكلفة، فستكون مصاريفه على حساب الخدمات والمشاريع الأخرى المطلوب تنفيذها للمدينة من ميزانية المجلس.
تم رفع عريضة من أهالي مدينة النبك تضم الكثير من التواقيع إلى فرع أمن الدولة يعترضون فيه على الموقع جنوب شرق المدينة ويشرحون فيه أضراره وتكاليفه وتشعباته الإجرائية، ولكن أحداً لم يستجب لطروحاتهم.
توجه بعض أعضاء مجلس مدينة النبك بالتساؤل إلى معاون وزير الإسكان والتعمير: «كيف يوافق على المكان المقترح للمحطة علماً أن الدراسات أثبتت عدم جدواه الاقتصادية وأنه يتطلب تكاليف باهظة؟» فكان الجواب: «هكذا يريد أصحاب الشأن، وأنا سأتبع المثل القائل: أربط الجحش مطرح ما يقول لك صاحبه».

مشاكل أخرى تعاني منها مدينة النبك

في جولة لقاسيون على المناطق المختلفة التي تم اقتراحها لمحطة معالجة مياه الصرف الصحي، مرت بنا السيارة على الطريق المؤدي إلى دير مار موسى، وهي طريق ذات أهمية سياحية واقتصادية كبرى، ولكنها مهملة وتملؤها الحفر والتعرجات، وتضيق أحياناً حتى لا تكاد تتسع إلا لسيارة واحدة. وقد شكا أعضاء مجلس المدينة من إهمال رئيس المجلس لهذه الطريق التي يؤمها الكثير من السياح الأوربيين والعرب، ولكنهم بالتأكيد سيقولون لمن يريد زيارة هذه الأماكن إن الطريق المؤدية إليها محفرة وغير صالحة لراحة السياح، ولن ينصحوا أحداً بالقدوم إلى هذه المنطقة.

ومشكلة بيئية خطيرة أيضاً

في جولتنا شاهدنا مكباً للقمامة تنبعث منه الروائح الكريهة والدخان الأبيض الكثيف، الذي يملأ الأجواء ويلوثها، ويهدد صحة المواطنين ويسبب لهم الأمراض التنفسية المختلفة، فذكر لنا أعضاء مجلس المدينة أن هذه مشكلة بيئية أخرى تعاني منها مدينة النبك، وقد سمح بتفاقمها رئيس المجلس الذي سمح لسيارات القمامة بتفريغ وتجميع القمامة في المكب القريب من المحمية الطبيعية السياحية، التي مولتها ودعمتها السفارة السويسرية، وكان يجب أن تكون مكاناً سياحياً بالغ الأهمية، ولكن مكب النفايات هذا منع استكمال هذا المشروع الحيوي الهام ودعا بالسفارة السويسرية لتوقيف دعمها وحجب مساعداتها للمحمية، مع أن هناك في البعيد مكاناً مخصصاً لمكب النفايات، ولكن رئيس المجلس سمح بتجميع القمامة وحرقها في هذا المكان البديل، علماً أن الأراضي التي يقع عليها هذا المكب هي أملاك خاصة للمواطنين، وتبلغ مساحتها أكثر من 500 دونم.

بانتظار الحسم للصالح العام

هذا ما يريده أهالي مدينة النبك وممثلوهم في مجلس المدينة: إصلاح وترميم الطريق السياحي إلى دير مار موسى، ونقل مكب النفايات من الأملاك الخاصة في المنطقة المجاورة للمحمية السياحية الطبيعية إلى مكانه المقرر، وإقرار مكان محطة معالجة مياه الصرف الصحي حسب الدراسات، وإذا ما قال أحدهم: «اربط الجحش مطرح ما يقول لك صاحبه»، فإنهم هم أصحاب الجحش، وهم يعرفون أكثر من غيرهم مصلحة مدينتهم وفائدتها أين تُرجى!! وأهل مكة أدرى بشعابها، فلنتركهم يقررون ما يرونه مناسباً لطبيعة مدينتهم، فنياً وهندسياً واقتصادياً، وما يوفر التكاليف والأعباء المالية الضخمة التي يمكن الاستفادة منها في مشاريع ومتطلبات أخرى يحتاجها الكثير من المواطنين والمرافق.

وإلى متى ستبقى الواسطات والمحسوبيات وأصحاب النفوذ يُدلون برأيهم وتُقبَل قراراتهم بما يخدم مزاجهم الشخصي أو مصلحتهم الخاصة؟ فيتم بذلك تجاهل المصلحة العامة التي تحددها الدراسات الجدية المقدمة من مختصين يقع على عاتقهم إقرار مواطن الفائدة الحدية من المشاريع المنفذة، دون تكاليف باهظة وتضمن جدوى اقتصادية عالية تعود بالنفع والخدمات المختلفة التي يحتاجها الوطن والمواطن..