«دورات تدريبية» تستغل أحلام التوظيف

«دورات تدريبية» تستغل أحلام التوظيف

فرضت سوق العمل وآلية التوظيف شبه الغائبة عن سياسات الحكومات المتعاقبة منذ سنوات، واقعاً تشوبه الفوضى وانعدام الرقابة في حياة الشباب الراغب بالعمل، تمثل في جزء منه باستغلال تلك الرغبة و«العزف على احتياجات» أولئك الشباب.

 

ودون إنكار للأهمية المطلقة لضرورة التطور والتجديد في معظم المهن، والدور الكبير الذي تقوم به دورات تنمية المهارات باختلاف مجالاتها، في تحقيق التطور والتقدم العملي، لكن تلك الأهمية كانت بنظر فئة من الأشخاص مجرد وسيلة لكسب المال لا أكثر ولا أقل..

اعلانات «تحقيق الأحلام»

وانتشرت مؤخراً، على وجه الخصوص، مراكز واعلانات دورات تدريبية على تنمية المهارات في مجال التواصل والاتصال والبرمجة اللغوية العصبية، وأخرى في مجال الصحافة والإعلام، حيث أن هذه القطاعات متاحة بشكل أو بآخر لأكبر شريحة مهتمة، وإن صح القول دون الحاجة لتعليم أكاديمي أو تعليم اختصاصي، عند مقارنتها بمجالات أخرى مثل الطب والهندسة..

اللافت في الأمر، هو طبيعة ما يتم تقديمه في تلك الدورات التدريبية، وهوية القائمين عليها، فضلاً عن طريقة الترويج التي باتت مفضوحة لعدم منطقيتها في عدة حالات، مثل: «عندك موهبة الكتابة وبتحب تشتغل بالإعلام .. بتحب الشهرة.. وحابب يكون اسمك معروف.. مانك بحاجة شهادة أو خبرة نحنا رح نعطيك كل شي بتحتاجه لتدخل وتنافس بقوة أبرز الإعلاميين ونفتحلك الأفق لتحصل على فرصة عمل بأهم الوسائل المعروفة.. كله بس بأسبوعين»..

في حين يقول إعلان آخر: «أنت شخص اجتماعي وبتحب الناس.. بتتعرض لكتير مواقف وما بتعرف تتعامل معها.. كيف ممكن تستثمر هالشي لحتى تكسب مصاري.. التحق بدورتنا لحتى نعطيك مفاتيح التواصل ونساعدك توصل للوظيفة لي بتتمناها .. مدربين دوليين وشهادة من أهم المؤسسات العالمية بمجال التواصل والبرمجة اللغوية العصبية رح يكونوا معنا ليقدمولك من خبرتن ويساعدوك توصل للنجاح».

ولدى التحقق من بعض تلك الدورات، تبين أنها تمنح المتدربين فعلياً شهادات مطبوعة ومختومة بأسماء مؤسسات أو شركات محلية أو أجنبية، بغض النظر عن مدى معرفتها وشهرتها، أو حتى مدى حقيقة تواجدها في الواقع..

شركات لا أثر لها

وتحدث لجريدة (قاسيون) بعض الشباب الذين وقعوا في فخ إحدى دورات التواصل والبرمجة اللغوية العصبية، وقالوا: إن «واحدة من الجهات أعلنت عن تنظيم دورة في فنون التواصل مع الآخرين والمهارات الإدارية وعدة بنود أخرى، حيث شجعتنا تلك العناوين على الحضور، لكن النتيجة كانت أشبه بالحصول على معلومات عامة حول تلك المواضيع كلها، كان من الممكن والسهل الحصول عليها من أي مصدر آخر وتحديداً من الإنترنت».

ولفتوا إلى أنهم بعد أن أخذوا الشهادات التي تثبت التحاقهم بتلك الدورات، دفعهم الفضول للتعرف أكثر على الشركة أو المؤسسة الدولية التي طبع اسمها على الوثائق، وبحثوا على الانترنت عنها لكن المفاجأة كانت بأنهم لم يجدوا أثراً لها!.

«لم يعترفوا بما تعلمت»

وفي حالة أخرى، تحدث أحد الشباب عن تجربته في دورة لتعليم الصحافة، فقال: «رغبتي بالعمل في الإعلام والتعرف على هذه المهنة المثيرة، دفعني لتصديق أحد الإعلانات، وقمت بالفعل بالتسجيل في الدورة ودفع الرسم المطلوب، وهو ليس بالقليل».

وتابع: «خلال أيام الدورة كنت أعتقد فعلاً أني بت مطلعاً على كثير من الأمور، وتراءى لي أني امتلكت الأساسيات التي ستخولني العمل بالصحافة، لكن الواقع كان مغايراً، فعند توجهي لبعض وسائل الإعلام وتقديم طلب عمل، كانت تسأل عن الشهادة وسنوات الخبرة، دون أي اكتراث بشهادتي التدريبية».

وفي سبر لرسوم تلك الدورات المنتشرة بهذا الشكل، تبين أن رسومها تبدأ من 15 أو 20 ألف ليرة، وتصل إلى 85 ألف ليرة سورية، وتحديداً عندما يكون القائمون بالتدريب شخصيات معروفة في وسطها.

الدورات تمنحهم الأوهام..

بالمقابل أكد أحد الإداريين في وسيلة إعلامية، فضل عدم ذكر اسمه، انهم يواجهون كثيراً من المواقف، حيث يتقدم بعض الشباب والشابات للعمل، دون أي مؤهل علمي أكاديمي، أو خبرة سابقة بالمجال، وكل ما يملكونه هو شهادة تدريب من شخص ما أو جهة معينة، ومع ذلك نقوم باختبار قدراتهم العملية، لكن من الطبيعي أن النتائج تكون غير مرضية لنا، وبالتالي نرفض توظيفهم.

وأشار إلى أن البعض من أولئك المتقدمين يأخذ موقفا شخصياً من الوسيلة، ويحاول إيجاد عمل في وسائل أخرى، متوقعاً الحصول على نتيجة مختلفة، لكنه سرعان ما ينصدم بالواقع البعيد عن تلك الأوهام التي منحوه إياها في دورات التدريب. 

مطرود من عمله ومدرب فيه؟

وأكد الإداري، أن أحد الزملاء السابقين تعرض للطرد من عمله بسبب تدني مستواه المهني وعدم قابليته للتطور، لكنه بعد ذلك التقى بمن ساعده للبدء بمجال التدريب، وهو الآن مدرّب في المجال الذي لم يتقنه، ويتقاضى المال أيضاً من وراء ذلك!!..

ولا يقتصر تنظيم مثل هذه الدورات على الجهات الخاصة، بل تقوم بعض الجهات العامة بتنظيم دورات مشابهة أيضا بمبالغ ليست بالقليلة، الأمر يثير التساؤل حول سبب عدم وجود جهات رسمية تضبط وتراقب تلك الدورات بشكل مدروس، من حيث تأهيل الكوادر المدربة ومدى مصداقيتها والاستفادة المرجوة منها بتقييم محتوى ما يقدم خلالها، والأهم طريقة وآلية الترويج لها بأن لا تكون مبتذلة ومبالغ بها، كما يحدث في بعض الحالات.

مؤسسات «تعتاش» على المتدربين

وتقوم بعض الوسائل أو المؤسسات بتنظيم دورات تدريبية، لا تسعى منها للربح المادي فقط، بل وصفها بعض من التحقوا بها، بأنها «استغلالية بشكل كبير»، حيث تختار من المتدربين عدداً معيناً تعمل على الاستفادة من عملهم لفترة تحددها بـ3 شهور مثلاً ويكون ذلك غير مأجور، على أمل أن يتم التوظيف بعدها، لكن ذلك قد لا يحدث في معظم الأحيان، وقد يتم لجزء ممن وقعوا في فخها وليس الجميع.

و«تعتاش» تلك الوسائل أو المؤسسات على هذه الطريقة، مستغلة حماس الشباب ورغبتهم الشديدة في العمل وأفكارهم الجديدة، لتدعم تواجدها دون تكاليف مالية تتكبدها، إذ تكون تلك الدورات مصدراً يرفدها في حالات ضعفها أو قلة كادرها، حسب تعبير من جربها.

وللجهات العامة نسبة

وتتحمل الحكومة مسؤولية ارتفاع نسب البطالة وانتشار مثل هذه الدورات التدريبية الخلبية في بعض حالاتها، حيث لم نعد نسمع بإعلانات توظيف في القطاع العام، إلا ما ندر، في وقت اتجهت فيه معظم المؤسسات والوزارات الحكومية للاعتماد على مبدأ التعاقد السنوي عوضاً عن التوظيف، علماً أن إعلانات التعاقد ليست كافية أو متناسبة مع أعداد الخريجين والشباب المؤهلين للعمل على الإطلاق، فضلاً عن سيطرة «المحسوبيات والواسطة» على غالبية نتائج تلك الإعلانات.

وختاماً، كان من المفترض أن يكون تواجد مراكز تدريبية وكوادر مؤهلة في الاختصاصات المختلفة وبشكل متاح للراغبين جميعاً، مدعاة فخر وعاملاً إيجابياً في تطوير المهن والوظائف، والوافدين إلى سوق العمل الجدد، إلا أن فوضى عمل تلك الدورات بشكلها الحالي وغياب رقيب حقيقي فعال، دفعها لتكون ظاهرة ذات طابع سلبي غالباً، بدل أن تكون ميزة.