قانون رفع سقف الملكية الزراعية.. أين المصلحة العامة؟ 

يفترض في نصوص القانون من الناحية النظرية أن تكون ترجمة للأماني الاجتماعية، وتعبيراً عن رؤية المجتمع لكيفية تنظيم حياته وضبط نموه وتقدمه في مرحلة من المراحل. والحقيقة أن أية سلطة تعمل على تطوير القوانين في بلادها، يجب أن تلحظ هذه الغاية الجوهرية للقانون، وإلا فإن أي تشريع -أو تعديل لتشريع- تصدره، سيكون قاصراً، وستكون نتيجته قمعاً للأماني الاجتماعية وتشويهاً لمفهوم القانون في الوعي الاجتماعي.

في إطار عمل الحكومة السورية على «تطوير» القوانين، أقر مجلس الوزراء مؤخراً مشروع القانون المتضمن رفع سقف ملكية الأراضي الزراعية، الذي من أهم أهدافه بحسب واضعيه، معالجة مشكلة تفتيت الحيازات الزراعية. وهذا من أغرب التبريرات على الإطلاق، لأن المعروف أن توزيع الأراضي بالإرث هو السبب في تفتيت الملكيات الزراعية، وهو نتيجة منطقية للانفجار السكاني الحاد الذي يعني بجدلية بسيطة، إنه كلما ازداد عدد المواطنين، قل نصيب كل منهم من الأرض، وإن هذا التفتيت سيستمر بصرف النظر عن السقف المحدد للملكية الزراعية.

وبعيداً عن المبررات التي ساقتها الحكومة لهذا القانون، فإننا نتساءل: ترى هل يعتبر هذا القانون استجابة لحاجات المجتمع السوري الراهنة، وترجمة لأمانيه؟

يمكن القول إنه في ظل الهجمة الامبريالية الشرسة التي تستهدف المنطقة كلها، وفي ظل الظروف المتردية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، فإن أولوية المجتمع السوري تتمثل في هدفين متراكبين ومتوازيين، الأول يتعلق بتدعيم الصمود بكل معانيه في مواجهة الخطر الخارجي الداهم، والثاني يتمثل في العمل على رفع مستوى معيشة المواطن وحماية حقوقه.

ولكن تحليلاً بسيطاً لهذا المشروع، يفضي إلى القول بأنه يصب في مصلحة رؤوس الأموال الكبيرة في البلاد، ويفضي إلى إعادة تجميع الملكيات الزراعية في أيدي الفئة الفاحشة الثراء، لأنه من البديهي أن هذا الفلاح البسيط الذي يعمل في قطعة أرض صغيرة لن يتمكن من توسيع ملكيته الزراعية، وخاصة في ظل قلة مردود العمل الزراعي كنتيجة لسياسات الحكومات المتعاقبة، وعلى رأسها الحكومة الحالية التي تجاهلت ضرورة رعاية العمل الزراعي، ورفع سويته الإنتاجية، وبالتالي مردوده الاقتصادي. إذاً فإن قانوناً كهذا يمهد لإعادة إنتاج الإقطاع في البلاد، بصورته الليبرالية المعاصرة، وبالتالي فإنه يصب في خانة مركزة الثروة، وفتح البلاد على اقتصاد السوق بوصفته الاجتماعية التي طرحتها الحكومة الحالية، وهو غيض من فيض مشاريع الخصخصة، وإطلاق يد المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال، للتحكم بالاقتصاد السوري ومقدرات البلاد.

إن تهيئة البنية التشريعية لعملية مركزة الثروة هذه، ومنح امتيازات لأصحاب رؤوس الأموال، على حساب جموع العمال والفلاحين الفقراء، سيفضي إلى آثار كارثية بتنا نشاهد أول نذرها من خلال ارتفاع مؤشرات الفقر، وتزايد أعداد العاطلين عن العمل. وفضلاً عن ذلك فإن مشاريع كهذه، إذا كتب لها النجاح، فإنها ستجعل البلاد خاضعةً للابتزاز الاقتصادي من الدول الكبرى التي تسيطر على الاقتصاد العالمي، وتحاول فرض إرادتها السياسية علينا. وهذا يعني أن هذه التشريعات تسير عكس ما تتطلبه الحاجة التاريخية الملحة للمجتمع السوري، في رفع مستوى معيشة المواطن، وتحصين الجبهة الداخلية، وتعزيز القدرة على الصمود.

نخلص إلى القول، إنه عندما يتم توظيف القوانين في عكس الحاجات التاريخية لشعب من الشعوب، وعندما يتجاهل واضعوها مصالح شعبهم الحيوية، فإن هذا مؤشر على عدم إدراكهم لمفهوم القانون وغاياته، أو على تبني هؤلاء لأجندات لا تتوافق مع ما يفترض فيهم من حرص على المصلحة الوطنية العليا لشعوبهم، التي تتمثل في المزيد من الحرية والرخاء والتقدم.

 

■ نجوان عيسى