محمد هاني حمصي محمد هاني حمصي

ملامح الأزمة السورية في عيون السوريين.. من يشعل نار الفتنة الطائفية في سورية؟ ولماذا؟ وكيف نتجنب الوقوع في براثنها؟

تتضارب الآراء والمواقف في الشارع السوري من الأزمة التي تمر بها البلاد، بسبب التشويش الإعلامي الشديد وعدم وضوح الصورة العامة، أو تشوهها في أغلب الأحيان، فما بين الإعلام المحلي الرسمي وشبه الرسمي، البعيد عن الصدقية والمهنية والاحتراف، والذي ينقل الصورة من وجهة نظر أحادية الجانب، والإعلام الخارجي الموجَّه من أطراف لها أجنداتها ومخططاتها التي تصل في كثير من الأحيان حد التآمر وقصد التخريب، يتوه المواطن السوري في كيفية صياغة رؤية حقيقية وموقف عقلاني غير متطرف مما يجري. 

فالبعض يرى أن النظام لا يزال المنقذ والأب الحنون، متبنياً مقولة أن الحراك الشعبي «مؤامرة خارجية» من أهم غاياتها تفتيت البلاد والوصول إلى الاقتتال الطائفي بتحريض من جهات خارجية لها أجنداتها الدولية وأدواتها المحلية، والبعض الآخر يرى أن الحراك الشعبي بكامله عبارة عن ثورة حقيقية، ويقول إن النظام قد أخفق في قيادة البلاد إلى بر الأمان لاستمراره بالحل الأمني فقط، وفقد شرعيته، مصراً على أن النظام يرمي الآن الورقة الأخيرة، المتمثلة بمحاولة إشعال نار الفتنة الطائفية بين أفراد الشعب، بهدف حرف الحراك عن أهدافه الأساسية التي نزل إلى الشارع من أجل المطالبة بها. 

وما دام كل هذا هو جزء من اللوحة العامة في البلاد التي تشهد بكل أسف ملامح انقسام مجتمعي، فقد ارتأت «قاسيون» أن تتقصى حقيقة الأمزجة والهواجس، ومعرفة آراء الشارع السوري مما يجري فعلاً على أرض الواقع، فقامت بسؤال بعض المواطنين من فئات وشرائح ثقافية وعمرية ودراسية مختلفة الأسئلة التالية:

«هل هناك من يعمل على إشعال نار الفتنة الطائفية في سورية؟ ومن هي الجهات التي تدفع سورية نحو هذا الاتجاه؟ ولماذا؟ وكيف يمكن تجنب الوقوع في هذا المطب الخطير؟ فكانت الإجابات على النحو التالي: 

بين النظام والمعارضة

ـ يقول أستاذ اللغة العربية رشيد غ: «إن كلا الطرفين، النظام والمعارضة، يشاركان بتأجيج الصراع وجر البلد إلى الخراب، لأن وقود الطائفية في سورية الحبيبة هو الشعب، ولكن المستفيد من ذلك هو فاسدو النظام دون أدنى شك، فعندما يقوم الشعب بالمظاهرات التي هناك من يزج فيها بعض الشعارات الطائفية، أو المظاهرات التي تكون غطاء لبعض المخربين، فإنه بذلك يعطي الفرصة للنظام لاستخدام أساليب وحشية في القمع بالطريقة التي يريد. ونحن نستطيع أن نتجنب الوقوع في فخ الطائفية برأيي بالتسامح وضبط النفس، والعمل على إقامة الحوار الوطني الجاد».

- أما الطالب (ج. أ) فيرى أن: «المعارضة الخارجية والمتسلطين على الحكم هما فريق واحد في المحصّلة، وكلاهما يدفعان باتجاه الاقتتال الأهلي، المعارضة عبر الإعلام العالمي واللغة المتشددة والشعارات الطائفية، والمتسلطين على الحكم عبر الإعلام المحلي المتخلف والطائفي، وعبر القمع والترهيب والتشبيح اليومي.. في هذا الجو المشحون كيف لا تنتشر الطائفية؟! لقد أصبحت الطائفية حديث الناس وسر خوفهم وقلقهم من المستقبل، خصوصاً وأن ما يرافقها اليوم هو احتمال التدخل الخارجي في شؤون البلاد.. والله يستر».

ـ ويقول المواطن محمد ن. وهو معلم مدرسة: «بصراحة الطائفية موجودة في سورية منذ فترة طويلة، ولكنها كانت مكتفية بالتواجد في التكفير الضمني الصامت والأحاديث الشخصية، التي كان العقلاء دائماً يصححون المسار لها كلما اتجهت نحو الخطأ، فيضعون الأمور في نصابها الصحيح، ولكن أين نحن الآن ممن يقومون بهذا الدور؟ فنحن نجد أنه يقل عددهم كلما اتجهنا نحو الأرياف والمناطق المشتعلة مثل تلبيسة وجسر الشغور وحماة وغيرها، الطائفية ليست بحاجة إلا لبعض التشجيع من المغرضين والكارهين للوطن، الذين يقومون بافتعال حوادث متفرقة في أماكن معينة، وتسويق هذه القصص وتهويلها بمساعدة الإعلام المعادي. وأنا أرى أنه باستطاعتنا تجاوز هذا الوضع الموجود، وهذه الورطة التي وصلنا إليها، بالصبر والعمل على نبذ هؤلاء التكفيريين، وتحقيق المزيد من الألفة والتلاحم الوطني بين أفراد الشعب السوري».

ـ بينما يذهب المواطن رامز ز. وهو مهندس طيران، أبعد من ذلك محملاً النظام مسؤولية التأجيج الطائفي، فيقول: «إن ما يحدث في سورية في الوقت الحالي ليس دليلاً على وقوع الفتنة الطائفية في البلاد فحسب، بل أكثر وأخطر، فالنظام لا يكتفي بزرع الطائفية فقط، بل هو يقوم الآن بحرب إبادة كاملة وجرائم ضد البشرية ليس لها تعريف آخر، وذلك في ظل التواطؤ العربي والصمت الدولي الرهيب، فالنظام ليس طائفياً فحسب، بل هو يصر على أن يقوم بكل الأعمال البشعة من قتل وذبح وتدمير، بالإضافة إلى زرع الطائفية طبعاً، ولا خلاص للشعب السوري من الوضع القائم سوى بنهاية هذا النظام بأسرع وقت ممكن».

الشعب ليس طائفياً.. لكن؟!

ـ الشاب نزار ر. يقول: «لا توجد طائفية في سورية، لكن النظام هو الذي يزرع هذه الكذبة لدى بعض «الأقليات»، فنحن شعب يريد الحل الديمقراطي، والمظاهرات التي تخرج لا تصر على أن يكون النظام القادم إسلامياً من طائفة محددة، ولا تشترط أن يكون الشخص المناسب للحكم من هذه الطائفة حصراً، فقد يكون من أية طائفة أخرى، لا يوجد مشكلة في ذلك، المهم أن يعمل على وضع برنامج سياسي وإصلاحي واضح ومناسب، ويصل إلى الحكم عبر انتخابات نزيهة وبأسلوب شريف وديمقراطي.. تستطيع القول بصراحة إن الشعب السوري شعب بسيط، والنظام محتال، يتلاعب بالوقائع والأحداث ويقوم بنشر الإشاعات الكاذبة، ويرمي الفتنة بين الناس، فنحن شعب بعيد عن الطائفية، وليس كل من يخرج بالمظاهرات يريد استحواذ السلطة. نريد الحرية والديمقراطية وتحسين الوضع المعيشي فقط».

ـ ويقول الموظف (باسل. س): «إن ما يجري في سورية هو أمر مدبر ومدروس ومخطط له مسبقاً من جهات معينة تسعى لتفريق الشعب السوري وزرع الفتنة والطائفية فيه، وقد وقع بعض أفراد الشعب خديعة للشعارات المزيفة التي نادى بها بعض العملاء في بداية الأحداث والتي أخذت صبغة تكفيرية، وكل ذلك بعيد عن الواقع، والحقيقة أن الشعب السوري ينبذ الطائفية وهو مؤمن بمسيرة الإصلاح وينتظر الوعود التي وعدت بها الدولة والتي لم تجد الفرصة لتطبيقها على أرض الواقع حتى الآن».

ـ المواطن الشاب (علي. أ) يقول: «المشكلة هي أن النظام يسعى إلى رمي سورية في أتون حرب أهلية، فهو يرتكب المجازر والفظائع فيها، ويعمل على تخويف الناس من مصير قاتم أسود كما مصير الشعب في ليبيا. غير أن المطلوب الآن هو أن نقاوم، ونبحث عن بديل فعلي ودستور جديد عادل للجميع، يتم الحكم بموجبه ضمن دولة علمانية قادمة، لأن النظام بالمعنى القديم ساقط لا ريب في ذلك، فهذا النظام الكاذب الذي يعمل بجدية على زرع الطائفية، هذا النظام الانتهازي الذي لا تهمه مصلحة الوطن ولا المواطن، والثورة مستمرة حتى رحيله، هذا النظام الذي بدأ بالقتل وبإشعال الفتنة بدلاً من التفاهم والنظر في مطالب الشعب المشروعة، إن النظام وحده يستطيع تجنيب سورية الوقوع في وحل الطائفية، وذلك بالتخلي عن السلطة والانسحاب مباشرة منها».

ـ ويقول نجار الموبيليا (أحمد. ت): «إن النظام السلطوي والتسلط لدى بعض أصحاب النفوس المريضة هو من يغذي الطائفية في سورية، فهناك بعض الأشخاص من جماعات معينة سيطروا على السلطة والقرار، وعملوا على زرع الحقد والفتنة في قلوب المواطنين بالرغم من المحبة والتعايش السلمي الموجود بيننا، إلا أن هؤلاء القلائل عملوا بشكل كبير على خلق أزمة كبيرة في سورية لإحراقها بنار الطائفية. وإذا أراد الشعب الهروب من هذا الوضع فعليه أن يكون مدركاً وواعياً للواقع والظروف المحيطة، فالكثير من المحسوبين على النظام ليسوا بسيئين، ولا كل من دعا إلى الحراك كان يدعو إلى الاقتتال معهم».

ـ الدكتور (حسام. س) يقول: «إن الهدف من إشعال نيران الطائفية في المنطقة واضح وجلي، وهو فك الارتباط الوثيق الحاصل بين سورية وإيران وحزب الله، والذي يضر بمصالح أمريكا وإسرائيل وبعض دول الخليج، لذلك فإن هذه الدول تقوم بالعمل على تحريك الطائفية في البلاد عبر طرق ووسائل مختلفة وأهمها الإعلام والقنوات التحريضية. الحل سياسي بامتياز عبر تقديم المزيد من الحريات والانفتاح والسير نحو الديمقراطية، وإن من يزرع الفتنة الطائفية على الأراضي السورية هم المندسون الذين وظفتهم هذه الأطراف، وقد ثبت ذلك بالدليل القاطع ولم يعد هناك مجال للصمت، فالذين يخرجون للتظاهر من المتخلفين والتكفيريين لا يقومون بزرع الطائفية فقط، بل هم يقومون بتخريب البلد، وعلينا تجنُّب الطائفية بالتكاتف مع الحكومة والشد من أزرها، ومساعدتها على التخلص من هؤلاء الرعاع الذين أشبعوا البلد خراباً وتدميراً». 

التشدد.. والتشدد المعاكس!

ـ المهندس المدني سليم، يقول: «من العبث إنكار وجود بعض التشدد أو التطرف، وسيكون من الظلم عدم الاعتراف بوجود عدد قليل محدود لا يذكر من الفئات المتطرفة في سورية، ولكن هذا التطرف يستمد تشدده في تطرفه من التطرف المعاكس للطرف المقابل، إن ظلم السلطة وعنفها وقمعها الحالي، وانكفاء بعض الأقليات عن الخروج إلى الشارع أوحى بوجود تطرف إسلامي على الأراضي السورية، ونحن لا ننكر ظهور بعض الهتافات الطائفية خلال المظاهرات، لكن مقابل هتاف من هذا النوع يوجد مئة هتاف يؤكد على التلاحم والوحدة الوطنية، إن النظام هو ما يفسح المجال لظهور الطائفية في سورية، ويعمل على التجييش وزرع الخوف في قلوب الأقليات من مغبة استلام «السنّة» للسلطة، ولكن هذه الأقليات لم تعد تستجيب له في الفترة الأخيرة، فالنظام يعمل على تصعيد الفتنة الآن، غير أنه سيفشل، فهو عندما يقوم بذلك يعمل على إسقاط نفسه بنفسه، وأنا أعتقد أن سورية بلد حر، وسيبقى كذلك خالياً من الطائفية، وأن التطرف الموجود سيزول بزوال هذا النظام».

ـ يقول الموظف (بدران س): «الحراك في الشارع السوري ليس طائفياً، وكل من يدعي ذلك فهو يسيء للشعب السوري الشريف بالكامل، وليس للحراك فحسب، ونحن جميعاً نعلم أن الحراك عندما انطلق في بداية الأمر لم يطالب لا بإسقاط حكومة ولا نظام، غير أن كلمة حرية وإصلاح كانت كبيرة وهزت عروش النظام من جذوره، فبدلاً من أن يأخذ مطالب الشعب البسيطة بعين الاعتبار راح يقتل المحتجين ويرتكب الفظائع والمجازر ويسفك الدماء، ويختبئ وراء حجج وأكاذيب واهية كالسلفية والإخوان والعصابات المسلحة إضافة إلى الطائفية، بهدف خلق حماية له وذرائع لحماقاته في المجتمع المحلي والدولي أيضاً. فسورية برأيي ليست ببلد طائفي، ولن تكون يوماً كذلك.. الطائفية كذبة كبيرة من أكاذيب النظام». 

الطائفية.. ثنائية وهمية دموية!

لا شك أن من يدفع باتجاه الطائفية هم الفاسدون الكبار في الدولة والمجتمع، وهؤلاء يحاولون إخفاء واقعهم، أو طموحهم بالاستحواذ على الثروة والسلطة، بإثارة صراع ملوث طائفياً لكي لا يوجه الشعب حربته باتجاههم.. ولكن من المفيد الاعتراف أن هذه الحقيقة لا يعيها كثيرون، وخاصة البسطاء الذين يمكن تضليلهم والتصوير لهم أن أبناء طائفة أخرى أو مذهب ديني آخر هو عدوهم الذي يجب مقاتلته، لذا يجب على جميع الشرفاء من قوى سياسية ومنظمات شعبية ومثقفين وشخصيات وطنية أن يعملوا على توضيح ذلك والأخذ بيد الشعب والحركة الاحتجاجية إلى الطريق الصحيح والأهداف الصحيحة، وعدم ترك المسألة لأعداء الشعب، وأعداء الوطن