يوسف البني يوسف البني

تزوير كشوفات ونهب للمال العام ملايين الليرات السورية تذهب للمتعهدين دون التـأكد من صحة الكشوفات

قدمت مديرية الموارد المائية بدرعا التابعة للهيئة العامة للموارد المائية في وزارة الري مشروعاً لتدعيم وإعادة تأهيل سد باسل الأسد (سد سحم الجولان)، السد الأكبر في محافظة درعا، الذي تبلغ سعته التخزينية 20 مليون متر مكعب، وقامت الوحدة الهندسية بجامعة دمشق بإعداد الدراسة الفنية لتقييم الوضع الفني للسد وإعادة تأهيله, وجرى بعد ذلك تدقيق أضابير الدراسة في مديرية الشؤون الفنية في الهيئة العامة للموارد المائية, وتم التعاقد مع مؤسسة تنفيذ الإنشاءات العسكرية لتنفيذ أعمال الصيانة اللازمة. وبدورها قامت مؤسسة تنفيذ الإنشاءات العسكرية بإعطاء المشروع لمتعهد ثانوي (قطاع خاص) بالاتفاق بالتراضي. وبلغت قيمة عقد تدعيم وإعادة تأهيل السد 135817875 ل.س، وبدأ العمل بالمشروع بتاريخ 28/10/2007، وحددت مدة إنجاز العقد بـ730 يوماً.

كشوفات غير مطابقة للواقع

بتاريخ 30/7/2008 قدمت مديرية الموارد المائية بدرعا الكشف المؤقت الذي يتضمن قيمة الأشغال التي تمت لتاريخه، والتي حُددت آنذاك ب59983000 ل.س، ولاحظ بعض القائمين على العمل أن هناك أعمالاً وهمية مصروفة بغير وجه حق، كما تضمن الكشف مجموعة أعمال تَبين فيما بعد أنها غير مطابقة بالكمية والنوعية للواقع الفعلي المطبق على الأرض.

طالب المهتمون الغيورون على سلامة سير العمل أكثر من مرة بتشكيل لجنة لجرد الأعمال وإحصائها على الواقع على أرض المشروع لتبيان أحقية مؤسسة تنفيذ الإنشاءات العسكرية بالمبالغ المصروفة، وتحديد حقوق المتعهد بشكل مفصل. واستجابة لهذا الإلحاح تم بتاريخ 17/6/2009، أي بعد نحو سنة من تاريخ الكشف المؤقت رقم 10 تاريخ 30/7/2008، وبناء على الأمر الإداري رقم 54 القاضي بتشكيل لجنة فنية لهذا الغرض، تم تشكيل لجنة مؤلفة من مجموعة من المهندسين من بينهم مهندس في لجنة الإشراف على المشروع، وكانت مهمة هذه اللجنة حصر كافة الأعمال المنفذة في مشروع (إعادة تأهيل سد باسل الأسد، سد سحم الجولان سابقاً) لتاريخه، وإعداد مخططات تنفيذية للأعمال المنفذة وإعداد المحضر اللازم بذلك.

أعمال ميدانية واكتشافات فاضحة

اجتمعت اللجنة بكامل أعضائها في موقع المشروع واطّلعت على الأعمال المنفذة وباشرت بالقياسات وأعمال الرفع الطوبوغرافي للأعمال المرئية ، وتم إنجاز التقرير ميدانياً بعد إعداد الرسومات وحساب الكميات ببرنامج الأتوكاد للردم الحجري على الوجه الأمامي للسد والحفريات في قناة المفيض، والحفريات لأنابيب الصرف وحجوم ردميات الرمبات. وبسبب تنفيذ الإكساء الجانبي لم توجد أية معطيات على الواقع للاستدلال بها عن نوعية الحفريات، صخرية أو ترابية، وقد بينت الصورة جزءاً من حفريات ترابية، غُطّي الجزء الذي يليها مباشرة بطبقة أسمنتية، ما يؤكد أن الامتداد المغطى بالأسمنت هو حفريات ترابية أيضاً، بينما ذُكر في الكشف أنها حفريات صخرية. وكذلك جانب القناة من الجهة الشرقية تكشفت فيه تربة أيضاً ما بين الوتدين 11 و 12 في مخطط المشروع، كما لوحظ وجود ردميات ترابية في الردميات الحجرية في الرمبات في الأجزاء الخارجية الظاهرة.

جاء في البند الأول من الكشف رقم 10 تاريخ 30/7/2008، تحت فقرة ( بيان الأشغال) أنه تم تقديم وتنفيذ ردميات من الصخر البازلتي على الوجه الأمامي بكمية 120000 م3 بينما كانت الكمية المقدرة حسب تقرير اللجنة الفنية، وبعد عام من هذا التاريخ ومع ما أُنجز خلال هذه الفترة لا تتجاوز 98000 م3، أي بفارق 22000 م3 وبقيمة ثمانية ملايين ومائتين وخمسين ألف ليرة سورية. وجاء في البند الثاني من الكشف تقديم وتنفيذ ردميات حجارة بازلتية لزوم رمبات بكمية 18000 م3 بينما كانت الكمية المقدرة في تقرير اللجنة الفنية تساوي 28660 م3، ولكن منها 28000 م3 ردميات حجارة بازلتية ناتجة عن أعمال الحفريات في موقع المشروع، وهذه الكمية لا تحتسب حسب الشرط المعمول به في دفتر الشروط الخاصة بالمشروع و التي تقول إن نواتج الحفريات الصخرية في موقع المشروع يتم استخدامها في بند الردميات الحجرية دون احتساب سعرها، وبذلك تبقى الكمية مستحقة الثمن التي يجب أن تذكر في الكشف فقط 660 م3، بدلا من 18000 م3، وتكون الزيادة في الكشف 17340 م3 وقيمتها ستة ملايين وتسعة وستين ألف ليرة سورية. كما جاء في البند الثالث تحت بيان حفريات آلية لأجل سن قاعدة السد للوجه الأمامي تنفيذ 33000 م3، بينما كانت الكمية المنفذة حسب تقرير اللجنة الفنية 25717 م3 فقط، وتكون الزيادة 7283 م3 بقيمة مليون واثنين وتسعين ألف ليرة سورية. وفي البند الرابع ذكر الكشف تنفيذ حفريات صخرية لتنفيذ شبكة الصرف بكمية 4200 م3، بينما تبين في تقرير اللجنة أن المنفذ الصخري هو فقط 1286 م3، والباقي البالغ 2914 م3 هو حفريات ترابية، مع لحظ أن أجرة المتر المكعب من الحفريات الصخرية تبلغ 970 ل .س بينما أجرة المتر المكعب من الحفريات الترابية 150 ليرة سورية أي بفارق 765 ل.س للمتر الواحد، والقيمة الإجمالية الزائدة في هذا البند هي مليونان ومائتان وواحد وثلاثون ألف ليرة سورية. كما جاء في البند الثامن من الكشف المصروف (حفريات صخرية بعد قناة المفيض باتجاه الوادي) تم تنفيذ 41500 م3، بينما كانت الكمية المنفذة حسب تقرير اللجنة الفنية 39100 م3، فقط و لم تذكر اللجنة نوع الحفريات، صخرية أم ترابية، بينما يؤكد بعض المراقبين والمشرفين أن معظم هذه الحفريات كانت ترابية، أي أن هناك زيادة في الكشف عن الواقع بحدود 2400 م3 بقيمة مليونين وثلاثمائة وثمانية وعشرين ألف ليرة سورية، وفرق الأسعار بين الحفريات الترابية والصخرية بحدود خمسة عشر مليون ليرة سورية.

محاباة وحسن نيّة.. أم تواطؤ؟!

تم لحظ الكمية المنفذة من الردميات الصخرية الناتجة عن أعمال الحفر في موقع المشروع عند صرف الكشف و تم إسقاط كمية 28000 م3،من الردميات الصخرية البازلتية و قيمتها من مجموع الكشف في حينه ,و لكن مؤسسة تنفيذ الإنشاءات العسكرية اعترضت بكتاب رسمي على حذف المبلغ و تمت المراسلة بالتسلسل بين المؤسسة المتعهدة للمشروع وبين مديرية الموارد المائية حتى وصل الكتاب إلى دائرة العقود والإمداد التي أجازت احتساب أجور أعمال الردم والسكربة علما ً أن رأي الشؤون الفنية و الإدارة أنه لا يجوز احتسابها حسب ما جاء مفصلاً في دفتر الشروط الفنية لعقد إعادة تأهيل السد.

بعد ظهور هذه الفروقات المالية الكبيرة لمصلحة المتعهد من القطاع الخاص على حساب ميزانية المشروع تمت إحالة الموضوع إلى لجنة الرقابة الداخلية في مديرية الموارد المائية ,بما أن صلاحيتها محدودة بالتحقيق بالمبالغ التي لا تتجاوز 200000 ل.س و بما أن الفروقات قد زادت عن 30 مليون ل.س وهذا بعد أكثر من سنة من الأعمال المنفذة حتى مع إضافة الأعمال التي تم تنفيذها خلال هذه المدة. فطلبت الرقابة الداخلية من مدير الموارد المائية بدرعا إحالة ملف المحاسبة إلى الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش, ولكن هذا الملف لم يفتح ومن الممكن انه لم تتم إحالته حتى الآن.

فيا لهذا الوطن المسكين الذي كثر ناهبوه, كم يتحمل من هدر وسرقة وفساد وتواطؤ وإثراء غير مشروع على حساب المصلحة العامة للوطن والمواطنين؟! فمن انتهازيين واستغلاليين ومتعهدين احتكاريين في القطاع الخاص, إلى فاسدين وناهبين متواطئين في مؤسسات الدولة يستغلون مراتبهم ووظائفهم لتحقيق مكاسب وأطماع شخصية وليس هناك من يأخذ على عاتقه جديّة فتح الملفات للمحاسبة وإحالة الفاسدين والناهبين إلى القضاء, الذي يجب أن يقوم بدوره الفاعل في محاسبة وتوقيف من يخرقون ويتطاولون على القانون، وفي هذا فقط استرداد لهيبة الوطن وحفظ لكرامة المواطن.