عبد الرزق دياب عبد الرزق دياب

مطبات أحلام مؤجلة

نقل أحد المواقع الإلكترونية المعروفة عن مصادر حكومية مطلعة أن لا زيادة على الرواتب هذا العام، وأن دعم الحكومة للمازوت سيكون كما يريد السيناريو الحكومي، عشرة آلاف ليرة على دفعتين، إحداهما مؤكدة قبل نهاية العام.

إذاً على كل الحالمين بألف ليرة أو أكثر بقليل في فترة قريبة، عليهم أن يؤجلوا هذا الحلم، وأن الألف التي وعد بها عائلته لتكون هديته على شكل قسط سنوي من أجل مدفأة جديدة، لن تكون في الجيب، وأن استعمال المدفأة القديمة يمكن أن يستمر لشتاء آخر مع تعديل بسيط هو أن يبدل لها ما يسمى (الجهاز) حتى مع احتمال القليل من النفضات التي تجعل البيت بمحتوياته، والأنف، والوجوه الصغيرة تكتسي باللون الأسود والسخام.

كما أن المتفائلين بمبلغ أكبر من الدعم وعلى قلتهم، عادوا مع هذه التسريبات إلى رشدهم بعد أن ضللتهم الأحلام بعيدة المنال، خمسة آلاف ليرة سورية تأتي ببرميل واحد من المازوت وبعض اللترات هي جملة الدعم الأولى، والثانية التي ستتأخر على غرارها، وأنا ومن معي من قاطني المنطقة التي يتربع فوقها جبل الشيخ، كذلك كل المناطق التي تتربع على سفوح الجبال، سوف لن يستفيدوا من الدعم إلا بمقدار ما ينطبق عليه المثل الشعبي المقنن: (الرمد أحسن من العمى)، ففي العام الفائت صرف جلنا نحن المتربع علينا خمسة براميل وأكثر، أي أننا وحسب سعر لتر المازوت إذا لم يطرأ عليه أي زيادة، نحتاج إلى ضعفي الدعم الحكومي وزيادة.

على أية حال ما زلنا نحن الطبقة الأكثر حلماً، والأكثر خيبة، الأكثر اتساعاً وفقراً، ما زلنا بعد كل هذا الحيف الحكومي، نوقد شمعة الأمل والحلم، ثم يأتي من يطفئها، ونتمسك بالنار التي لا تحترق، ويأتي من يوقظ جذوتها، ألسنا أولئك الذين رغم كل شيء نحلم بأن تأتي القرارات الحكومية التي تنصفنا في كل صباح مع أول تلويحة إشاعة، لم تخبُ أحلامنا حتى مع تصريحات أحد الفرقاء في الحكومة أن لا عامل مؤقت ولا دائم في العالم؟ ألسنا نعتقد رغم كل خسارات القطاع العام المتتالية بأنه القطاع الأعز على قلب الحكومة، وأن الشركات العامة هي عماد الدولة التي صيرتها شعاراً نردده حتى في غفوتنا؟ ألسنا نحن الذين ما زلنا على إيماننا القديم أن الدولة أم الفقراء وأبوهم، وأن القليل من التقاعد خير من الكثير من التعويض الخاص؟ ألم نتعلم عن ظهر قلب أن وظيفة الدولة رغم الراتب المحدود هي الضمانة للفقراء، ألم نكثر من اجترار الأمل بأن المستقبل تصنعه اليد الخشنة؟ ألم نرفض بعناد كل العروض التي جملت في عيوننا فرص القطاع الخاص واعتبرنا دعاتها مضللين وكارهين؟

نحلم لأنه لم يبق لنا سوى ذلك، تورطنا في الحلم حتى الفجيعة، ولم نصدق ما سمعناه بآذاننا، واعتبرناه مجرد لغط، لم نصدق ما يقوله البعض عن نهايات أحلامنا، وقلنا في سريرتنا: هؤلاء حاسدون، لكننا مع كل خيبة جديدة، وكل أمل ينهار، وكل حلم ينزاح من أرواحنا المتعبة؛ صرنا أكثر يقيناً أن رفع الدعم لن يؤثر على تاجر أو لص، وأن الدعم بعشرة آلاف ليرة لن ينقذنا من شتاء بارد، وأن عدم زيادة الرواتب لن يخيب أمل مرتش أو غني، وأن العاطل عن العمل ستزداد مصائبه مصيبة جديدة، وأن الغلاء لن يهلك الجيوب الممتلئة، وأن فقدان مادة غذائية لن يضير من يتسوق من المنطقة الحرة، وأن نزلاء الفورسيزنس ينظرون إلى الشارع برومنسية شاعربلاط، وأن عابري الشوارع من حوله لا يشعرون بدفئه.

أحلامنا فقط مؤجلة، مؤجلة إلى لحظات الخيبة، هذا إن بقي هناك حلم..