المخططات التنظيمية والتعديلات عليها لمصلحة من؟

المخططات التنظيمية والتعديلات عليها لمصلحة من؟

من أكبر المشاكل التي اعترضت وتعترض المواطنين من مالكي الأراضي والعقارات، هي الإجراءات التي تتم استناداً للمخططات التنظيمية التي تعتمدها الوحدات الإدارية، من محافظة ومجالس مدن ومديريات الخدمات الفنية فيها.

 

الكثير من التحفظ والسرية تعتري التعامل مع المخططات التنظيمية في الأروقة الرسمية، وذلك لما يترتب عليها من منافع ومصالح، كبيرة وصغيرة، مع الكثير من التدخلات والتداخلات من قبل الكثير من المنتفعين والمتنفذين وأصحاب رؤوس الأموال من تجار العقارات والأراضي.

المواطن مغبون

هذه المشكلة كانت من أكبر المشاكل وأعقدها بالنسبة للمواطنين، وما زالت، خاصة على مستوى معارفهم البسيطة والمحدودة بالنسبة للقوانين الناظمة لهذه العملية، وما يترتب على ذلك من تقدير فعلي لحجم مصلحتهم أو ضررهم منها، وآليات الاعتراض عليها أو آليات تثبيتها، ومدى أهمية عامل الزمن بالكثير من الإجراءات واجبة الاتخاذ أحياناً، وغيرها الكثير من القضايا المتعلقة بموضوع المخططات التنظيمية، وما يجري عليها من تعديلات، بين الحين والآخر، والمواطنون أصحاب الحقوق بالأراضي والعقارات، ملكاً، يكونون آخر من يعلم، جهلاً وقلة حيلة، وبالتالي يقع الغبن عليهم وبحقوقهم.

قلة من أصحاب الحظوة

من يعلم حقيقة الأمر وتفصيلاته ومقتضياته، هم هؤلاء القلة من المتنفذين والقائمين على هذه المخططات والتعديلات في الوحدات الإدارية صاحبة العلاقة، بالإضافة إلى القلة الأخرى المتمثلة ببعض الملاكين من المقربين، أو أصحاب اليد الطولى من كبار تجار ومستثمرين، والذين يستطيعون الدخول إلى أي تفصيل جزئي في هذه المخططات، قبل التصديق عليها واعتمادها، أو بعد ذلك عبر إجراء بعض التعديلات بما يحقق أكبر قدر من الاستفادة اللاحقة، وهؤلاء هم أصحاب الحظوة والحظ في امتلاك المعارف والتفاصيل الدقيقة، كما يعرفون من أين تؤكل الكتف، قانوناً وحسب الأصول.

اعتراضات دون جدوى!

كثيرة هي الاعتراضات التي تُقدم للبلديات والوحدات الإدارية من قبل المواطنين، بعد أن يدركوا أن المخطط التنظيمي الذي كان معتمداً منذ أعوام، قد تم تعديله على حين غرة، وبغفلة من الزمن، ولكن لمصلحة من؟، وبأية ذريعة؟، لا أحد يدري، كما لا أحد يجيب، وجل ما يستطيعه هذا المواطن هو التقدم بالاعتراض، حسب اللوائح التنفيذية، هذا إن لم يكن موعد التقدم بهذا الاعتراض قد نفذ، وهي حالات كثيرة ومكررة، لتذهب حقوق هؤلاء أدراج الرياح، وبالمقابل يكون المستفيد من هذا التعديلات البعض من المتنفذين ومن أصحاب رؤوس الأموال من المتاجرين بالعقارات.

مناطق ومناطق!

كيف تعمل الوحدات الإدارية، ولمصلحة من؟ ، وكيف تدخل منطقة حيز التنظيم، فيما منطقة أخرى، ملاصقة ومجاورة، تبقى خارج التنظيم لأعوام وأعوام، لا أحد يدري؟!.

الشواهد على ذلك كثيرة جداً، ففي الريف الدمشقي القريب والملاصق للمدينة، كان هناك الكثير من هذه الأمثلة، والآن هناك أمثلة حية وشواهد أخرى في كل من طرطوس وحماة واللاذقية وحمص، وغيرها الكثير من المدن والبلدات والقرى، حيث وبقدرة قادر، يصبح البعض من أصحاب الملايين، فيما يبقى الآخرون من أصحاب القروش، وذلك بتعديلات بسيطة يتم إدخالها على المخططات التنظيمية، أو بالتدخل المباشر أثناء وضع هذه المخططات، مع الكثير من المضاربات العقارية التي تتم على هامش هذه العملية، والتي ترفع أو تخفض من القيمة السعرية الحقيقية للعقار أو للأرض، ولعل ما يتم الآن في منطقة المرسوم 66 خلف الرازي مثال حي على ذلك أيضاً، على الرغم من كل ما يتم الحديث عنه من إيجابيات على مستوى المالكين، إلا أن واقع الحال يقول غير ذلك، وخاصة لأصحاب الملكيات الصغيرة، وهم الأكثر عدداً.

مشاكل قادمة

فإذا كانت حقوق الملكية هي من المشاكل المتوقعة للتصعيد خلال فترة قريبة قادمة، فإن المشاكل المترتبة على وضع المخططات التنظيمية والعمرانية، ولمصلحة من، تعتبر من المشاكل الأخرى التي سنواجهها، خاصة وأن الكثير من البلدات والمدن قد تهدم، وسيطالها إعادة الإعمار، بما في ذلك من إعادة تنظيمها، وفق مخططات جديدة، وستدخل هذا الحيز رساميل كبيرة للاستثمار من كل بد، سواء كانت رساميل حكومية عامة، وهو الأنسب والقابل للقوننة وحفظ الحقوق، أو خاصة، الأمر الذي يمكن أن تضيع معه بعض الحقوق.

الحل الأبسط لتفادي الخلافات أو الاعتراضات والحد منها، على أي مخطط تنظيمي سيوضع ويعتمد، هو ألا تدخل فيه الأيدي العابثة من أصحاب رؤوس الأموال، أو من المتنفذين، ويكون ذلك عبر الكثير من الشفافية والوضوح، وعبر الكثير من الإجراءات التبسيطية والتوضيحية، التي يدرك من خلالها المواطن مصلحته، ويستطيع أن يدافع عنها بموجب القانون والتعليمات التي من الواجب أيضاً أن تكون إجراءاتها ميسرة وبسيطة.

ولعل ذلك كله يبدأ عبر إعادة النظر بالكثير من القوانين والتعليمات الخاصة بهذا الشأن، على أن تستعيد الدولة لدورها على هذا الجانب وبعمقه، بما يحقق مصلحة المواطن البسيط أولاً وأخيراً، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا عبر نبذ السياسات الاقتصادية الليبرالية المتبعة منذ عقود.