المحامي محمد عصام زغلول المحامي محمد عصام زغلول

مشروع قانون الرسوم القضائية.. بكل بساطة!!

أقر مجلس الوزراء منذ أيام في ضوء المناقشة العامة والتعديلات المقترحة مشروع قانون الرسوم والنفقات والتأمينات القضائية وإنهاء العمل بالقانون رقم 27 لعام 2010، وذلك لجهة تخفيضها وتوازنها بما يتوافق والواقع الاقتصادي والاجتماعي، ويعزز مبدأ حق التقاضي وتخفيف الأعباء المترتبة على ذلك.

والمفاجأة التي تصيب المتابع للصحافة، خاصة مقالات المحامين والقانونيين، تتمثل في كثرة ما كتب من انتقادات وطروحات وآراء، اتفقت جميعها على مدى سوء الحالّ الذي فرضه قانون الرسوم القضائية المشؤوم الصادر السنة الماضية، وما أوقعه من ظلم وجور أصاب المتقاضين عامة والفقراء منهم خاصة.

فما أذكر يوماً مر بعد إصدار القانون المذكور إلا وفيه انتقاد شديد، ووصف مرير للحالة التي قد توصل إليها تلك الرسوم المرتفعة إن بقيت على ما هي عليه.

لكن الحكومة الكريمة ومجلس الشعب الموقر للأسف، لم يكن في تلك الأيام مهتماً بما تكتبه الصحافة، ولا معتداً بما يشعر به المواطنون أو يعانونه، ولا مبالياً بما يصيب البلاد والعباد، فالعباد نائمة والبلاد سالمة!.

لكن الشعب الذي طال صمته ونفد صبره بدأ يطالب بحقوقه، لا بالقلم ولا بالمقالة، بل بصوته العالي وصدره العاري، عندها فقط بدأ الوزراء والنواب ومن يملك القرار بالاستماع لهموم المواطنين، شنفوا آذانهم، فتحوا أبواب مكاتبهم، أقروا بالمطالب المشروعة، وهرولوا ينفذونها.

اليوم فقط أقرت الحكومة بالعدالة المجانية، والتقاضي شبه المجاني، وبالضرورة القصوى في أن تكون الرسوم القضائية تناسب المواطن، الفقير ومحدود الدخل والمظلوم والمكلوم!.

وها نحن نتساءل مرة أخرى: هل تحتاج الرسوم القضائية إلى مشروع قانون جديد، ولجنة، ودراسة، وإعلام، وإصدار، ومرسوم، ومن ثم قد يعجب وقد لا يعجب، قد يناسب وقد لا يناسب؟! لم لا يكون الأمر ببساطة إلغاء قانون الرسوم القضائية لعام 2010 والعودة إلى قانون الرسوم القضائية المعمول به قبل ذلك، والذي كان مناسباً ومنطقياً للفترة الحالية على الأقل.. ريثما تتم دراسة حقيقية في ظل إصلاح حقيقي للقيام بنقلة نوعية في السياسة القضائية واستقلالها، تشمل الرسوم وخلافها.

فلمَ يجب على المحامي أن يلصق على استدعاء الدعوى ألبوماً منوعاً من مختلف الطوابع بمختلف الأشكال والألوان، والتابعة لمختلف الوزارات، وبمختلف العائديات، مرافعة ولصاقة ومحاكم وقيدية ومالية وهلالية وإسعاف، غير الإيصال، ومن ثم العادة المعروفة (ابصق وألصق)؟!

لمَ يجب عليّ أن آخذ الإيصال من محكمة السير في باب المصلى أو من محكمة قدسيا، ثم أهرول إلى قصر العدل أو إلى الزبلطاني كي أدفع الإيصال، ومن ثم أعود لأضم الإيصال، فأقضي كامل يومي في دفع إيصال قد لا تزيد قيمته عن المئة ليرة، فأنفق من المواصلات وأزيد الازدحامات وأخسر من الأوقات ما يكون أضعاف أضعاف ذلك؟!

لمَ يجب عليّ أن أمر على موظف.. اثنين.. ثلاثة.. بل تسعة موظفين في مديرية المالية وبين الطوابق الثالث والتاسع والأرضي، ومن ثم عودة إلى التاسع، وأقطع من الإيصالات وآخذ من أوقات هؤلاء الموظفين، وأستهلك قدراً من حواسبهم، وأجمع بين يدي إضبارة كاملة كي أصالح على سند أمانة، فأدفع للمالية ستاً وثلاثين ليرة كاملة؟!

لمَ عليّ أن أدفع لكل صغيرة وكبيرة على حدة، بما فيه من إرهاق للوقت والموظفين، فأدفع للتسجيل ثم أدفع للنسخ وبعده للاستخراج، وتخيل أن تدفع رسم نسخ القرار، فتقطع إيصالاً من الموظف، ثم تذهب للصندوق، فيقطع أربعة إيصالات، يحتفظ بواحد ويلصق واحد ويعطيك واحداً ويرمي واحداً، وكل ذلك كي يدخل الخزينة مبلغ عظيم قدره ثلاث ليرات كاملات!؟.

يا سيدي.. آمل أن أصبح يوماً صاحب قرار، لعلي أتراجع عن مواقفي التبسيطية، وأقتنع بأن الأمر فعلاً مهوّلٌ كما يدعي المسؤولون، ولكن إلى ذلك الحين فأنا أقترح إلغاء جميع الطوابع الملونة والرسوم المختلفة والنفقات المتنوعة، واستبدالها جميعاً برسم واحد يدفع عن كل دعوى مرة واحدة، ولموظف واحد يجلس في الديوان بالقرب من الموظف المسؤول عن تسجيل الدعوى.

رسم الدعوى – على مختلف درجاتها – خمسمئة ليرة سورية على سبيل المثال، ولا أعتقد أن أحداً قد يعارض إن اختلف الرسم وفق درجات الدعاوى.

وأنا على مثل اليقين أن هذه الطريقة أوفر وأيسر وأكثر دخلاً لوزارة المالية، وننتهي من موضوع الطوابع، ونقلل من عدد الموظفين، ونخفف من ازدحام الشوارع، ونيسر على المتقاضين، ونبسط إجراءات التقاضي، ونقضي على الرشوة والفساد!

اقتراح بسيط من مواطن بسيط، يخرج عن كل تعقيدات المسؤولين والمنظرين وأعضاء اللجان.. فهل له من مكان في ظل زحمة «الإصلاح»، أم هل له من أذن؟!

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.