كيف أصبحت شيوعياً

أعزاءنا قراء قاسيون المحترمين... مع كل مقابلة لضيف جديد يتأكد لنا صواب عبارة(لايصح إلا الصحيح)، وهذا ما ينطبق بصورة واضحة على تاريخ الحزب الشيوعي السوري الذي سطرته التضحيات الجسام والجهود التي لم تعرف الكلل ولا الملل وصدق الجواهري إذ قال:

باق- وأعمار الطغاة قصار-

من سفر مجدك عاطر موّار

متجاوب الأصداء نفح عبيره

لطف،ونفح  شذاته   إعصار

رفّ الضمير عليه فهو منوّر

طهرا  كما   يتفتح     النوّار

ضيفنا لهذا العدد من الجزيرة السورية تلك القلعة الوطنية العريقة (تاريخها أشهر من أن يعرّف) وهو الرفيق عابد بن يوسف عابدي... رفيقنا المحترم أبا جهاد.. كيف أصبحت شيوعيا؟

أنا من مواليد الدرباسية عام 1931 من أسرة متوسطة الحال، وأبي كان يعمل بمهنة الخياطة (خياط عربي)، درست حتى الصف الرابع في مدرسة فرنسية للآباء الدومينيكان بإدارة الأب ( ديرودير) الذي اشتهر عنه أنه كلما (أزعجه) تلميذ، ردد بصوت عال عبارة بالفرنسية، لم أكن أفهمها حتى شرحها لي جار شامي فمعناها (إن الشرقيين الوحوش يريدون الاستقلال)!! وحدثني عن الاستعمار الفرنسي الذي ينهب خيراتنا ويسلب حريتنا  مما بعث في نفسي كره فرنسا وخاصة حين أخذوا أبي مع كثيرين من الجيران ليقوموا بأعمال السخرة في الثكنة الفرنسية. بعد حصولي على الابتدائية من مدرسة المعارف درست في كلية الشرق الأوسط السبتية الأمريكية في بيروت ،وبعد عام انتقلت إلى الكلية الأمريكية في حلب وأول ما أذكره من كلام عن الشيوعية في أواسط أربعينات القرن الماضي  أقاويل سيئة تصفها بالكفر وانعدام الأخلاق، وأذكر أنني سألت نجارا من (آل دوداغ)، كان يركّب أبواب وشبابيك بيتنا، وقد علمت أنه شيوعي عن صحة تلك الأقاويل التي فندها وقال إنها دعاية كاذبة وأفادني بمعلومات عن العدالة الاجتماعية التي ينشدها الشيوعيون، وبعد نجاحي في الشهادة المتوسطة شاركت في المطالبة بإحداث ثانوية في الحسكة وذهبت ضمن وفد قابل وزير المعارف (رئيف الملقي) في مكتبه بدمشق ولم نخرج إلا مع قرار بإحداث الثانوية وكنت أول من سجلوا فيها، وفي عام 1949 جاء الرفيق رشيد كرد إلى الثانوية يسأل عن طلاب من عامودا التقيته مع صديقي طلعت دباغ مرتين وحدثنا عن نضال الكادحين ضد الرأسمالين والإقطاعيين، وعن التطور التاريخي للمجتمع  وهذا ما شدني إلى صفوف الحزب فعملت مع الرفيق ملا رشيد في بداية نشاطي الحزبي والسياسي وقد شاركت في جميع المظاهرات ومنها –على سبيل المثال- تلك المظاهرة الكبيرة ضد زيارة جنرال إنكليزي لسورية بهدف جر بلادنا للمشاركة في الحرب ضد كوريا الشمالية ويومها صعدت إلى شرفة سراي الحكومة وألقيت كلمة كتبها لي الرفيق سعيد طرشان، كما حضرت اجتماعا عاما في مقهى الكمال بدمشق داهمته الشرطة واعتقلت عددا من الحضور ،فخرجنا بمظاهرة إلى الشارع نهتف للسلام العالمي وحدث صدام مع رجال الشرطة ورأيت وحشيتهم وهم يضربون رفيقة تهتف متحدية واسمها إن لم تخني الذاكرة(عفاف ملا رسول) وفي عام 1952 شاركت بمظاهرة حاشدة في القامشلي ضد الحكم الديكتاتوري خطب فيها الرفيق الشاعر (جكر خوين) وجرى اشتباك مع رجال الشرطة الذين عجزوا عن مجابهة المتظاهرين فاستنجدوا بالجيش وتم اعتقال 27 متظاهراً تعرضوا لأقسى أنواع التعذيب، وأذكر في العام نفسه حضور طالب يدرس في حلب إلى الحسكة  ليخبر عن مجزرة تعرض لها الطلاب خلال تظاهرهم ضد الديكتاتورية حيث قتل طالبان وجرح العشرات، فقررنا التظاهر في اليوم التالي وفعلا قمنا بالتظاهر ورغم تطويق الشرطة وجنود الهجانة ارتجلت  كلمة نددت فيها بالمجزرة ومرتكبيها، وفي أواخر العام ذاته ساهمت في توزيع منشورات تهاجم حكم الشيشكلي، واعتقلت مع أربعة من الرفاق الشيوعيين وتعرضنا للتعذيب لمدة ثلاثة عشر يوما ثم جرى سوقنا إلى سجن المزة العسكري بدمشق الذي بقينا فيه ستة أشهر وأتذكر من السجناء حينها الضابط المعروف عدنان المالكي وأخاه رياض وفي أحد الأيام بينما كنت أقف في آخر صف المرضى الذين (سيفحصون في المستوصف) سألني وكان يقف على مقربة منا (أنت شو قضيتك ؟) قلت: سياسة فقال أنت شيوعي؟ فهززت برأسي أي نعم، فانطلق يقول بصوت عال: الشيوعيون مناضلون  شجعان.

لقد ارتبطت حياتي بنضال الحزب منذ أواخر الأربعينات، وأنا الآن يغمرني شعور الاعتزاز بتاريخ الحزب على الرغم من كل الملاحظات والانتقادات الصحيحة  للأخطاء والسلبيات التي حدثت.إنني أتوجه إلى جميع الرفاق في مختلف فصائلهم التنظيمية وخارج التنظيمات بالقول: لقد كان لحزبنا دوره المشرف في نضال شعبنا ووطننا وعلى ساحة المنطقة كلها،فقد كان بحق وبجدارة حزب الجماهير، حزب الوطنية الحقة... حزب الخبز والسلم والحرية.. حزب الجلاء، ولكي يستعيد  دوره الطبيعي، علينا جميعا –دون استثناء- واجب وشرف النضال بالعمل الجاد من خلال الالتحام بقضايا الشعب والوطن في سائر الميادين السياسية والطبقية،فهذا هو المحك الحقيقي ،وهذا ما تنتظره الجماهير الشعبية منا، فهل نحن أهل لذلك؟!.

آخر تعديل على الجمعة, 11 تشرين2/نوفمبر 2016 11:57