مؤسسات علمية أم إقطاعات للربح فقط؟ جامعة المأمون نموذجاً

جاء قرار السماح بافتتاح الجامعات الخاصة في سورية كخطوة على طريق الخصخصة التي تتبناها الحكومة السورية في السنوات الأخيرة والتي تسير نحو خصخصة الماء والهواء والشجر كما يبدو، وأصبح التعليم العالي في سورية لأول مرة على مستويين الأول: هو التعليم الرسمي والثاني هو التعليم الجامعي الخاص،

وإذا كان للتعليم العام همومه ومشاكله المزمنة كانعكاس للواقع العام في البلاد، فإن تحقيقنا عن بعض جوانب الواقع في جامعة المأمون الخاصة في القامشلي يكشف وبشكل واضح أن التعليم الخاص ليس هو الدواء السحري، وليس

بأفضل حال، بل زيادة على ذلك هناك مشاكل لم ولن تمر على التعليم الرسمي... طبعا، ودون تستر هي المشاكل المادية التي يتحمل الطلبة وذووهم أعباءها... وبغض النظر عن الموقف من التعليم الخاص، فهو قد أصبح أمرا واقعا فعدد الجامعات الخاصة تقارب اليوم عشر جامعات ومن هنا فإن تسليط الضوء على هذه التجربة بات أمرا ضروريا، إذ ستخرج جيلا من الكوادر التي من المفروض أن تكون مؤهلة للعمل في مختلف المجالات المجتمعية والوطنية، وبالتالي إن تقصير هذه الجامعات سواء كان عن سوء نية أو حسن نية هو بمعنى من المعاني حرب على الوطن وهو ما لانرضاه..

جامعة المأمون: المقر الرئيس القامشلي، عدد الطلاب 1000، الفرع الثاني حلب تادف عدد الطلاب 1600، رئيس الجامعة أسامة دويدري... الاختصاصات هندسة كومبيوتر – لغة انكليزية إدارة أعمال هندسة اتصالات...

بدأت جامعة المأمون عملها بمجرد حصولها على ترخيص من وزارة التعليم العالي ومن الطبيعي أن تواجه في البداية العديد من الصعوبات،  فقد افتتحت أبوابها في مقرات مؤقتة إلى أن تجهز أبنية الجامعة الرئيسية هذا الواقع تفهمه الطلبة وتأقلموا معه ولكن بعد مضي 3 سنوات على الافتتاح بدا واضحا أن التقدم الوحيد للجامعة

هو انتقالها إلى مقرها الدائم (وللأمانة البناء عصري ومجهز بكل ما يلزم)، وعلى الجانب الآخر كانت مشاكل الطلاب ثابتة وتزداد أحيانا لاسيما ما يتعلق بالتسجيل والدراسة وبعد أن يئسوا من وعود إدارة الجامعة تقدموا بشكوى إلى وزارة التعليم العالي لزيارة الجامعة والاطلاع على واقع المشاكل التي يواجهها الطلاب... وبالطبع اكتفت الوزارة بمراسلة الجامعة وطلب رد على الشكاوي المقدمة من الطلاب والإدارة لم تتردد في ردها بتبرير كل شيء وانتهى كل شيء. 

مؤامرة؟

ما سنورده في السياق التالي يمكن تسميته بالمؤامرة أطرافها وزارة التعليم،  وجامعة المأمون يدفع ثمنها الوطن بكل أطيافه وعاداته وتقاليده وتعدده الجميل ونص المؤامرة هو ما ورد في رد رئيس جامعة المأمون د.أسامة دويدري إلى وزارة التعليم العالي حول شكوى طلاب الجامعة إلى الوزارة رقم 3ر ج ص 733 تاريخ 16 7 2006 ، والذي تضمن: (إدارة الجامعة تعلم تماما الطلاب الثلاثة الذين كانوا وراء الشكوى، وهم من طيف واحد من ذوي اتجاهات سياسية خاصة تم توظيفهم من جهات مغرضة بهدف الإساءة للجامعة العربية الوحيدة التي تم إحداثها في القامشلي)...

(السيد معالي الوزير: تضم مدينة القامشلي عدداً من الأقليات القومية والدينية والعرقية يتحدثون لغات مختلفة وإن بعضا من هذه الفئات لا ترغب بإنشاء جامعة عربية في تلك المنطقة، لذلك حاربت وماتزال جامعتنا منذ اليوم الأول لإنشائها، وطالبت بتدريس ونشر اللغة الخاصة بها، وإن توجيه السيد رئيس مجلس الأمناء شفهيا بأن تكون اللغة المتداولة داخل الجامعة هي اللغة العربية فقط، أدى إلى استياء بعض الطلبة المسيسين من الذين يحاولون الإساءة إلى هذه الجامعة دائما... نأمل سيدي الوزير أن تستمر وزارتكم الموقرة بدعم جامعتنا الفتية)..

الفقرتان السابقتان وردتا حرفيا في الرد!!

أشير أولا أن الشكوى وقع عليها 146 طالباً وطالبة، وهي تتعلق بأمور تنظيمية وتعليمية، معظمها إن لم نقل كلها صحيح، كما أن الطلاب قاموا بممارسة حق تكفله كل القوانين والشرائع والأحكام، وكان الأولى بالسيد رئيس الجامعة الرد على الشكوى بالوثائق والأرقام الحقيقية، لا الهروب إلى الإمام، ومحاولة افتعال فتنة، وتغييب المشكلة الرئيسية وهي إخفاق جامعته في الكثير من الجوانب. إن رئيس الجامعة ينزلق من حيث لايعلم إلى المس بالوحدة الوطنية قدس الأقداس التي لن نسمح له ولأمثاله اللعب عليها... سيدي رئيس الجامعة أجدني مضطرا إلى التذكير بأنك من خارج المحافظة والحمد لله، وأهل مكة أدرى بشعابها، وإن الهروب من الإجابة على شكاوي الطلبة، لانقبل أن يدفعك نحو المس بسلاحنا الوحيد في مواجهة مشروع كبير(إثارة الفتن) أنت مطلع عليه  دون شك، وغير مدعو لمواجهته إذا لم ترغب... ولكن حذار من خدمته بمثل هذه الأساليب الرخيصة.. 

الوزارة النائمة

إن رد جامعة المأمون المرفوض بكل المقاييس، والذي لايليق بمؤسسة تعليمية، وصل إلى أدراج الوزارة دون أي رد فعل... وهم (في الوزارة) إما لم يقرأوه، أو أنهم لم يدركوا معناه، ولا أريد الخوض في احتمالات أخرى، وإلا ما مبرر صمت الشياطين هذا؟ وعلى كل حال، الوزارة مدعوة للرد على مثل هذا الجواب الذي ينضح بفكر متعصب، ومعالجة المشكلة الحقيقية عبر اللقاء بالطلبة ميدانيا وردع الجامعة عن تجاوزاتها، في الجوانب المالية والخدمية التي طالما وعدت بها الطلبة ولم تنفذها، وإبداعها في (تلطيش) نفقات زائدة عن المتفق عليه، أو إلزام الطلبة بشراء هذا الكتاب أو ذاك، والقصور في أوضاع بعض المخابر، وتطفيش بعض الأساتذة المتميزين الذين لم يوافقوا على ممارسات الإدارة..

دعاية، إعلان، علاقات عامة... وخداع!

بالعودة إلى الجامعة وهموم الطلبة، لا يمكن القول إن إعلانات جامعة المأمون التي نطالعها في الصحف والمجلات والبروشورات تكلف ميزانية ضخمة، والإعلانات على كل حال تشمل العديد من الكليات منها الطب والصيدلة كما تشمل على العديد من أسماء الجامعات الأمريكية والبريطانية تدّعي جامعة المأمون بوجود علاقة علمية معها حول هذا الموضوع وجهت وزارة التعليم توضيحا إلى جريدة تشرين الرسمية تقول الوزارة فيه إن إعلان جامعة المأمون موارب للحقيقة، ومما جاء فيه أن قانون إحداث جامعة المأمون يمنع إنشاء كلية الطب أو الصيدلة وأيضا إن هناك تعاوناً سابقاً بين هذه الجامعات ومعهد المأمون (مؤسسة المأمون الدولية) كما أن الوزارة لم تشد أبدا بالجامعة، ولا يوجد بين جامعة المأمون وتلك الجامعات الأجنبية علاقة، سيما جامعة ساندرلاند. كما إن الوزارة وجهت لها أكثر من إنذار وصلت إلى إيقاف التسجيل في الجامعة. وعليه فإن إعلانات جامعة المأمون والمعلومات التي تحويها، لا تتعدى كونها نوعا من أنواع الدعاية الرمادية والعلاقات العامة، هذا بالإضافة إلى الإعلان عن افتتاح فرعي الهندسة الزراعية وهندسة البترول، وهذه الأخيرة لقيت إقبالا من الطلبة، ولكن بعد انقضاء الفصل الدراسي الأول تبين أن الجامعة غير مؤهلة لافتتاح هذا الفرع مما أدى إلى تغيير الفروع التي سجل فيها الطلاب بشكل إجباري دون تعويض!! 

مفاجأة مالية بانتظاركم

أيا كان الموقف من رسم التسجيل في جامعة المأمون فهو معلن وواضح للجميع، الجامعة لاتجبر أحدا على التسجيل عندها، ونسجل لها (كرمها الحاتمي) باتباع نظام التقسيط في دفع الرسوم، فالموارد المالية للكثير من أبناء المحافظة موسمية، لكننا نأخذ على الجامعة الكثير من الرسوم المالية التي تأتي تحت مسميات مختلفة: رسم خدمات جامعية، وتقديره الوسطي سنويا 25000، وهو رقم كبير مقارنة بالتسجيل على المقررات، ناهيك عن رسوم أخرى من قبيل رسوم مصدقة وثيقة الدوام،  الانتقال إلى قسم جديد – الانترنيت علما أن صاحب الجامعة أكد في معظم لقاءاته مع الطلبة بان الخدمات مجانية ليفاجأ الطالب عند التسجيل بأن مفاجأة حقيقية كانت بانتظاره بالإضافة إلى رسم الكتاب الجامعي 1500 ليرة وهو إلزامي مع العلم أن الطالب يعتمد في قراءته بشكل رئيس على المحاضرات ويمكنه الاستغناء عن الكتاب-  خطوة لابد منها يتراوح رسم التسجيل للمادة الواحدة بين ( 9000- 12000) ل س فالجامعة تتبع نظام الساعات المعتمدة،  وتكمن المشكلة هنا أن الطالب يضطر إلى دفع نفس المبلغ في حال الرسوب، وهو عبء ثقيل اشتكى منه الطلاب وطالبوا بتخفيضه إلى نصف القيمة كما هو متعارف عليه، هذا المطلب نقلناه إلى إدارة الجامعة الدكتور مهند طالب ووعد بان يصدر قرار التخفيض قريبا.. 

الجامعات والهيئات المتعاونة

نطالع في موقع الجامعة الالكتروني صفحة تذكر اسم 17 جامعة وهيئة علمية عربية ودولية وكلها تحت عنوان جامعات وهيئات متعاونة وهو موضوع غامض لم نتمكن من معرفة حقيقته فالجامعة تؤكد علاقتها العلمية مع هذه الهيئات علما بانها لم تزودنا بصورة أي عقد أو اتفاقية مع أي من هذه الجهات، رغم طلبنا لقطع الشك باليقين... ونحن لا نفهم هنا ما علاقة جامعة المأمون بمدرسة هامبستيد البريطانية مثلا هذا مع العلم أن شكوى سابقة رفعت إلى وزارة التعليم العالي تنفي أية علاقة للجامعة مع معظم هذه الجامعات والهيئات العلمية المذكورة وعدا عن ذلك بعضها غير معترف بها في بلدها على كل حال نسأل مرة أخرى عن الحقيقة فهل من مجيب؟ 

لن تسمع الجرة لصرخة العطشان!

كتب الكثير عن جامعة المأمون الخاصة بين مدح وذم،  بين حقيقة وتجني... ونحن حاولنا انتهاج الموضوعية في تحقيقنا،  فتحنا لهم أوراقنا البيضاء، وقلوبنا، والتقينا بالإدارة وحاورتنا، ولكن بين رأي الإدارة ورأي الطلبة من مختلف الاختصاصات،  و(الانتماءات) حلقات مفقودة نعتقد بضرورة تدخل وزارة التعليم العالي لا عن طريق المراسلات وما أكثرها بل هي دعوة مكررة لتشكيل لجنة والاطلاع على الواقع نزولا عند رغبة الطلاب وهم الأدرى بواقعهم، ودعوة لان يكون هناك ممثل دائم للوزارة في كل جامعة خاصة، غير ملوث اليد والوجدان،  قادر على حماية شرف العلم كقيمة أخلاقية ووطنية... لا أن تبقى هذه الجامعات إقطاعات يتحكم بها أصحاب رؤوس الأموال التي يأتي العلم غالبا في الدرجة الأخيرة من اهتمامها..

■ القامشلي – قحطان العبوش

آخر تعديل على الجمعة, 11 تشرين2/نوفمبر 2016 12:53