حماة.. معاناة متعددة الأوجه

حماة.. معاناة متعددة الأوجه

تزايدت معاناة أهالي مدينة حماة على المستويات كافة، وخاصة المعيشية والخدمية، مع تزايد أعداد النازحين إليها من القرى والريف القريب منها، والذين فروا هرباً من الحرب الدائرة والقذائف المنهمرة عليهم من كل حدب وصوب.

وقد ذكر تقرير للأمم المتحدة صدر بمنتصف الأسبوع المنصرم، أن عدد النازحين من المناطق المحيطة بحماة يقدر بـ 100 ألف نازح.

مع الأخذ بعين الاعتبار أن مدينة حماة سبق أن استقبلت أعداداً أخرى من النازحين إليها في مراحل سابقة خلال سنوات الحرب والأزمة الدائرة في البلاد منذ أكثر من خمسة أعوام وحتى الآن، حيث أقام هؤلاء في المدارس ومراكز الإيواء، وغيرها من الأماكن التي توفرت أمامهم، بحسب إمكانات كل منهم.

تقرير الأمم المتحدة

حسب التقرير فقد فر هؤلاء من القتال باتجاه حماة والقرى المجاورة وكذلك شمالاً باتجاه ادلب، وبأنّه كان هناك حوالي أربعة آلاف و500 عائلة تعيش في بلدة حلفايا، لا يزال ألفان و800 منها محاصرين وسط القتال بينما تمكّن الباقون من الفرار، كما أشار إلى نزوح أربعة آلاف و500 أسرة من بلدة طيبة الإمام من بين تسعة آلاف و500 أسرة في البلدة، بينما فرّت خمسة آلاف عائلة من صوران، وهو نصف عدد البلدة تقريباً. 

وورد في التقرير أن العديد من النّازحين ينامون في العراء، بينما تستضيف أربعة مساجد في حماة و12 مدرسة في المناطق الريفية نازحين آخرين بصورة مؤقتة.

وبحسب التقرير فقد قدّم «الهلال الأحمر» مُساعدات لحوالي سبعة آلاف عائلة في حماه، أي لنحو 35 ألف شخص، بينما أرسلت الأمم المتحدة قافلة من 12 شاحنة مُساعدات إلى حماة في الرابع من أيلول لإغاثة 15 ألفاً آخرين. وأوضحت الأمم المتحدة أنّ ستّة آلاف و500 أسرة أخرى لا تزال في حاجّة ماسة الى الغذاء وغيرها من المساعدات.

قطاع الخدمات

معاناة أهالي مدينة حماة كانت مزمنة سلفاً مع قطاع خدماتها، وقد تزايدت هذه المعاناة مع الوافدين إليها نزوحاً، فقد ازدادت ساعات التقنين الكهربائي لتصل ببعض المناطق والأحياء إلى 20 ساعة يومياً، بحسب بعض الأهالي، مع ما يرافق ذلك من تداعيات على مستوى تأمين المياه اللازمة للاستخدام اليومي، وخاصة على مستوى مياه الشرب، حيث باتت هذه الخدمة من سيئ إلى أسوأ بظل انقطاع التيار الكهربائي، بالإضافة لذلك ظهرت مشاكل فنية على مستوى شبكات الصرف الصحي بالمدينة.

وقد كان لافتاً على مستوى نقص الخدمات ما صار إليه واقع حال النقل والمرور والمواصلات داخل المدينة، حيث مشاهد الازدحام المروري أصبحت سائدة في المدينة، بالإضافة لمشاهد الازدحام على وسائط النقل فيها، وخاصة بساعات الذروة.

كما برزت مشكلة قصور القطاع الصحي مع تزايد أعداد المحتاجين لخدمات هذا القطاع، وخاصة من الوافدين إلى المدينة مؤخراً، حيث ظهرت مكامن ضعف إمكانات هذا القطاع على مستوى تعداد العاملين فيه من الكوادر المدربة وعلى مستوى التجهيزات، ناهيك عن النقص بالأدوية والعلاجات التي كانت سلفاً أحد أسباب معاناة أهالي المدينة، وخاصة أدوية الأمراض المزمنة وغيرها.

الوضع المعيشي والأسعار

مع ازدياد الطلب على الخدمات والمواد والسلع ازداد تحكم المتلاعبين والمتاجرين بقوت المواطنين وخدماتهم، المتمثلين بشريحة من التجار والسماسرة وبعض الفاسدين من المتنفذين هنا وهناك، فارتفعت أسعار المواد والسلع بالأسواق بشكل ملفت خلال الأسبوع المنصرم، وخاصة للمواد الرئيسية (السكر والرز والسمون واللحوم ومشتقات الألبان وغيرها) بالإضافة للارتفاع على أسعار الخضار والفواكه، كما ارتفعت أسعار المحروقات في السوق السوداء، وارتفعت أسعار الخدمات وخاصة على مستوى القطاع الصحي وتأمين المياه وبدائل قطاع الطاقة الكهربائية (الليدات والبطاريات والشواحن).

ذلك كله كان له أثر مباشر على مستوى المعيشة المتردي أصلاً، مما فاقم من معاناة المواطنين اليومية على مستوى تأمين مستلزمات ومتطلبات حياتهم اليومية، بظل تدهور القيمة الشرائية لليرة ومحدودية الدخول المتآكلة يوماً بعد آخر، بالإضافة إلى تداعيات مشكلة البطالة التي ازدادت مفاعيلها مع القادمين إلى المدينة مؤخراً من النازحين، حيث ازدادت المنافسة على سوق العمل، مما فسح المجال أمام المتحكمين بهذا السوق ليزيدوا من تحكمهم على مستوى الأجور وساعات العمل وغيرها من التداعيات السلبية الأخرى.

رغيف الخبز

المشكلة الكبرى التي باتت معاناة حقيقية مؤخراً هي مشكلة تأمين رغيف الخبز، فقد زادت ساعات الوقوف أمام المخابز والأفران، من أجل تأمين احتياجات الأسرة من هذه المادة، وبعد كل مدة الانتظار تلك لا يحصل المواطن إلا على ربطة خبز واحدة في أغلب الأحيان، بذريعة العدالة في التوزيع، وفسح المجال أمام أكبر عدد من المواطنين ليحصلوا عليها، حيث لم تعد الطاقة الإنتاجية للمخابز والأفران العاملة في المدينة تستطيع أن تؤمن الاحتياجات الكافية من هذا الرغيف على مستوى الحاجة الفعلية اليومية للمواطنين، مما دعى لأن يتم تأمين جزء من هذه الاحتياجات عن طريق المخابز والأفران العاملة في الريف القريب، ومع ذلك ما زالت الكميات غير كافية حتى الآن، الأمر الذي فرض شكلاً جديداً من الاستغلال يضاف للأشكال التي كان معمولاً بها سابقاً على مستوى الاتجار بهذا الرغيف، فقد ازدادت أعداد المتاجرين به من الباعة الصغار أمام الأفران، كما ازداد تحكم معتمدي بيع هذه المادة في المناطق والأحياء، ناهيك عن التدني في الجودة والمواصفة (رغيف صغير- أسمر- غير ناضج)، مع الرفع بقيمة الربطة والنقص بعدد الأرغفة فيها.

غياب تام

 لأجهزة الرقابة ولدور المحافظة

ذلك كله جرى ويجري «على عينك يا مواطن»، حيث لا أجهزة رقابة ولا من يحزنون، والادعاءات كلها عن سهر تلك الأجهزة من أجل حماية مصلحة المواطن والمستهلك ما هي إلا ادعاءات باطلة، حيث لم ير المواطن أي دور لهذه الأجهزة على مستوى لجم المتحكمين بقوته واحتياجاته ومحاسبتهم وردعهم، وخاصة المواد والسلع الأساسية، وتحديداً رغيف الخبز، لا سابقاً ولا حالياً، فالأسعار الملتهبة التي يفرضها هؤلاء التجار والسماسرة والمتحكمين لم تعد عبئاً فقط، بل أصبحت ويلاً يومياً يعيشه أبناء المدينة، والذي أصبح جزء كبير منهم على حافة العوز والجوع، وخاصة الوافدين إليها نزوحاً.

غاب دور المحافظة أيضاً، عبر مؤسساتها الخدمية المختلفة، على مستوى الخدمات العامة، والتي كانت مترهلة أصلاً، حيث لم تعر هذه المؤسسات أي اهتمام بالضغط الجاري على الخدمات بنتيجة زيادة أعداد السكان، ما فاقم من مشكلة هذه الخدمات وتداعياتها على مستوى حياة المواطنين اليومية، على الرغم من الواقع المشاهد وكثرة الشكاوي التي تذهب أدراج الرياح، بظل اللامبالاة والاستهتار المعمم من قبل هذه المؤسسات، وطغيان الفساد والمحسوبية والوساطة ببعض مفاصلها.

شريحة معادية

أهالي المدينة والنازحون إليها، كما غيرهم من السوريين جميعاً، يعيشون تداعيات الحرب والأزمة على المستويات كافة، إلا أن الضريبة الأكبر يتكبدها الفقراء والمعوزون ومحدودو الدخل، على مستوى تشردهم وأمنهم ومعاشهم وخدماتهم ومستقبلهم، فيما تنعم شريحة المستفيدين والمتحكمين، وتجار الحرب والأزمة، والفاسدين من المتنفذين، بفوائد تداعيات هذه الحرب والأزمة أضعافاً مضاعفة، كما لا يخفي بعض هؤلاء مصلحته باستمرار هذه الحرب والأزمة.

هذه الشريحة، بأسلوبها وأدواتها، أصبح بعض أفرادها، وكأنهم أمراء حرب بتشابك مصالحهم وارتباطاتهم هنا وهناك، داخلاً وخارجاً، حيث أصبحت تسعى إلى إطالة أمد الحرب والأزمة، بأساليب وأدوات عديدة، كما تسعى إلى المزيد من الاستغلال وجني الأرباح على حساب المواطن ومعيشته ومستقبله، كما على حساب الوطن وأمنه واستقراره.

على ذلك فإن من مصلحة المواطن، كما مصلحة الوطن، تتطلب العمل على محاسبة هذه الشريحة والتخلص منها ومن ارتباطاتها وتشابكاتها الداخلية والخارجية، حيث لم يعد هناك من شك بأنها معادية لكليهما، وإن غداً لناظره قريب.