مطبّات أنقذوا شرف الصحافة

 (يستحيل تحصين أي أمر ضد الأغبياء لأن غباءهم مبدع).. ● مورفي

من الممكن لأي أحد في الزمن الصعب أن يرمي الثمار الناضجة بحجارة الكفر، الارتزاق، الفساد..الخ.

في الزمن الصعب صار بإمكان فاسد أن يرمي الصحافة بالحجارة، أن ينال وفق أهوائه من كرامة الصحفي الذي يريد فقط أن تكون سلته بلا عنب.

في كل الردود لابد من عبارات مثل «أن يتحلى الصحفي بالموضوعية»، و«أن يسأل المسؤول أولاً»، ألا يسمع صوتاً سوى صوت الرسمي الجالس على الكرسي. الآخرون المتضررون من انتفاخه يجب ألا يسمعهم أحد، الباب الأول هو باب المنتفخ، ثم صغار الموظفين المرتشين المرتجفين بلا حيل ولا قوة من سطوة الطرد والفصل والعقوبات.

لابد من عبارة «الموضوع فيه تشكيك بدور المؤسسات الوطنية، وصفعة للقطاع العام»، لكن الأخطر الذي يروجه بعض الصغار هو «إننا لا نعترف سوى بالصحافة الحكومية»، والصحافة الخاصة تبدو لهم بعض الترف الذي يمارسه بعض الميسورين، والعاملون بها ليسوا صحفيين بل مرتزقة.

هل الصحافة غير الرسمية كلها بطر في بطر؟ هل ما يقوم به معظمها خارج إطار الوطنية، وهي التي تصدت لقضايا كبرى بات يرددها القطاع الإعلامي الحكومي خلفها بشكل منقوص؟ وحملت في كثير من الأوقات أعباء حجبها ومنعها أو إلغاء ترخيصها، ومحاربتها؟. إذا لم تكن وطنية فما بالها تتصدى لقضايا لا تبدو بطراً، بل أفخاخ جاهزة للانفجار في أية لحظة مجازفة بكل تاريخها، وإلقاء عائلات تعتاش على استمرارها، وأموال دفعت وصارت بجرة قلم في مهب الضياع.

الصحافة غير الرسمية حمل بعضها على صفحاته أسماء وهنت في الصحافة الرسمية من الدخل القليل، وانتعشت أحوالهم باحتضانها لهم، واستوت خطواتهم، كتبوا على صفحاتها مقالاً، تحقيقاً حلموا به ذات يوم، أسقطوا الشللية، صاروا جميلين وهم فرادى.

إذا لم تكن وطنية لماذا صدرت بمرسوم من رئاسة الوزراء، وتحت رقم وطني، وتوزع في الوطن، وقراؤها أبناء الوطن، وتكتب بالعربية لغة الوطن.

مجرد رئيس بلدية، موظف في الوحدات الأصغر في سلم الحكومة، لديه آذن وشرطي وديوان ومحاسبة، ومكتب فني محترف، وسيارة إطفاء لسقاية مزارع الأعلى منه والمقربين، مجرد رئيس بلدية يقول بفجاجة: أنا لا أعترف بالصحيفة (....).

محتال من الصنف الصغير، تاجر مخالفات، مدان بالحقيقة الواضحة، راشٍ من طراز مبدع، يتهم ويصول ويطلق الصفات، على مَنْ؟، لأن صحفياً اختار أن يكون مع الحق.

صحيفة غير حكومية، قلبت ميزان التستر على لعبة تمس محصولاً استراتيجياً، اتهمت بالأسماء وحذرت من لعبة الاتجار به، قبل أن تتخذ الحكومة قراراً رادعاً، وقبل القرارات السريعة لحماية المنتج الرئيس، لكن بعض الصحفيين الرسميين نسبوا لأنفسهم مجد السبق، وقالوا: لم نسمع بتلك الصحيفة!

إذاً الصحافة غير الحكومية في حرب من طرف واحد، لم تدخلها، لم تفتعلها، من الصغار، المرتشين الذين لا يعترفون بها، وكأن من يعمل بها من كوكب آخر، من وطن آخر، وأحياناً من صحف زميلة ترى الأمر من باب الأبوية، والوصاية، لا التنافس الذي يصب في مصلحة الحقيقة.. الحقيقة وحدها.

الصحافة غير الرسمية أرادت منذ ولادتها (باستثناء بعضها) أن تكون في جانب زميلاتها، ابنة حقيقية للصحافة الوطنية (الحكومية، الحزبية، الالكترونية) في معزوفة واحدة، مصلحة الوطن، المواطن، محاربة الفساد الذي ينهش الجسد الجميل، والطفيليين المعتاشين على الرشاوى، ومصالحهم، مصالحهم فقط.

أنقذوا شرف الصحافة من أن يلوثها مارق أو مدّعٍ، من لسان يطالها بأذى، من يد ملوثة بالفساد والحقد، واسمحوا لها أن تكون شريكاً في صنع مستقبل الوطن..   

أنقذوا شرف الصحافة في أن تأخذ بيد الحقيقة إلى النور، أن تقول للمارق أنت مارق دون أن تلتف وتدور.. لتقولها فجة كالحقيقة.