أسئلة وأجوبة حول قضايا اقتصادية لماذا «رفع الدعم» والخيارات الأخرى كثيرة؟

وصلت إلى صحيفة «قاسيون» العديد من الرسائل من القراء الأعزاء تحمل أسئلة واستفسارات حول مسألة الدعم، خصوصاً بعد قيام الفريق الاقتصادي في الحكومة بمحاولته الأخيرة لما أسماه «إعادة توزيع الدعم»، والتي باءت بالفشل.

ونزولاًَ عند رغبة القراء، ولأهمية الموضوع، وحرصاً على استمرار الحوار مع الناس بأحد أبرز المواضيع المرتبطة بمعيشتهم، فقد قمنا بتجميع هذه الأسئلة والاستفسارات، وسنحاول في هذه السطور الإجابة عليها..

 • كيف نفهم الدعم و الموقف منه، برفعه أو عدم رفعه ضمن إطار السياسات العامة و المتبعة حالياً، أو التي يجب إتباعها في حال اقتصاد مواجهة و بلد مواجهة؟

لا يمكن اتخاذ إجراء أو قرار رفع الدعم كإجراء معزول أو منفرد، هذا الإجراء يأتي في سياق جملة من الإجراءات و السياسات التي اتبعتها الحكومة منذ مدة. وهذه السياسات هي في إطار ما يسمى الليبرالية الاقتصادية. رغم كل الشعارات المطروحة حول اقتصاد السوق الاجتماعي و الدور الاجتماعي للدولة، الملموس بشكل فعلي و حقيقي هو الإصرار على الانفتاح الاقتصادي و السير الحثيث لاتجاه السياسات الليبرالية الاقتصادية على الصعد كافة. وكان هذا واضحاً سواءً في القوانين التي اتخذت خلال السنوات الماضية، والتعديلات التي طرأت على قانون الاستثمار وعلى السماح لرؤوس الأموال الأجنبية للعمل في البلاد وغيرها بالإضافة إلى الانفتاح الاقتصادي، و تحرير حركة الرساميل هذا الاتجاه هو جزء من حزمة سياسات و إجراءات كان يوحي بها صندوق النقد الدولي، و توحي بها المؤسسات المالية الدولية والتي تصب اهتمامها بالدرجة الأولى على مسألة توازن الموازنة العامة، وتوازن الإيرادات والنفقات على مستوى الاقتصاد.

من هذا المنطلق كان صندوق النقد الدولي يدفع و يضغط على الحكومة السورية لإجراء هذا التوازن على صعيد الموازنة العامة، ويعتبر الخلل الرئيسي بالنسبة للموازنة هو وجود هذا الجانب من الدعم. هذه الرؤية للدعم من صندوق النقد الدولي، تتعارض مع الرؤية التنموية التي يمكن النظر فيها إلى مسألة الدعم، حيث يشكل هذا الدعم عاملاً إيجابياً في التنمية الاقتصادية وتحسين القدرة التنافسية على الإنتاج وتحسين المستوى المعاشي لفئات واسعة من المواطنين، وبالتالي مردود هذا الدعم سينعكس على مستوى الاقتصاد الوطني أكثر بكثير من حجم الإنفاق على الدعم و بالتالي هناك رؤية أخرى مخالفة و مغايرة، وهي ترى في مسألة الدعم عاملاً إيجابياً وتنموياً يمكن أن يدعم الاقتصاد الوطني، بعكس ما يرى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، هذه الرؤية الضيقة لصندوق النقد الدولي حاولت بعض القيادات الاقتصادية في البلاد تطبيقها مهما كلف الثمن، وهذا خطأ لأن على الحكومة أن تعيد النظر في هذه المسألة، ليس من باب توازن الموازنة العامة، و إنما من باب: ما هي العوامل المساعدة على التنمية وعلى تحسين المناخ الاستثماري والإنتاجي وزيادة موارد الدولة. و بالتالي عندما ننظر إلى هذا المشروع (رفع الدعم) يجب أن يتجرد هؤلاء المتأثرون بفكر صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية، يجب أن يتحرروا من هذا الجانب الخارجي وينطلقوا من رؤية داخلية تعنى بمسألة التنمية والنمو الاقتصادي.

 • يدعي البعض أن عدم رفع الدعم سيؤدي بموازنة 2008 إلى عجز كبير لا قبل للدولة بتحمله، بما يستدعي اقتراضاً من الخارج بمليارات الدولارات فما صحة ودقة هذه الرؤية؟

يجب معالجة مسألة الدعم و دعم المشتقات النفطية في هذه المرحلة التي يمر بها الاقتصاد العالمي، بسبب الارتفاع الكبير في أسعار البترول، تحتاج سورية إلى مبالغ طائلة لاستيراد مادة المازوت بشكل رئيسي والغاز السائل لتمويل السوق المحلية. هذه العملية مكلفة بالنسبة لسورية وهي أيضاً عبء على الموازنة. ولكن الحكومة التي كان بيدها الأمر منذ فترة، وهي ترى هذا الارتفاع الكبير في أسعار النفط على الصعيد العالمي، وترى المشكلة التي يقع فيها الاقتصاد الوطني من خلال الحاجة المتزايدة للمشتقات النفطية، كان عليها أن تسارع في عملية بناء مصافي، وهناك إمكانية لإقامة هذه المصافي ولكنها لم تحرك ساكناً خلال فترة طويلة ومازالت تنتظر المستثمرين الأجانب ليقوموا بالاستثمار في المصافي، عملياً الحكومة لسنوات لم تعالج هذه المشكلة ولم تتوجه فعلياً لحلها بشكل جذري، والآن تضع المواطنين وتضع الاقتصاد الوطني أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الاستمرار بالدعم في هذه الطريقة، وإما رفع الدعم بشكل كلي، وهذه العملية غير قابلة للتحقيق خاصة في ظروف سورية الحالية.

كان على الحكومة أن تبتدئ بمعالجة هذه المشكلة لأن المشكلة ليست فقط في الدعم وإنما تكمن في اقتصاد الطاقة بشكل عام على صعيد البلاد، وهذا يتطلب سياسات وإجراءات للتطوير التكنولوجي، لتخفيض الاستهلاك على الطاقة، لإعطاء تحقيق أو الحصول على عوائد أكبر من استهلاك الطاقة، وبالتالي هناك حاجة إلى خطة وطنية بعيدة المدى لإحداث هذه النقلة النوعية بالاستخدام الاقتصادي للطاقة. هذا الجانب لم تشتغل عليه الحكومة خلال الفترة السابقة وهي أيضاً قد أهملت واكتفت بحل وحيد وهو؛ رفع الدعم، في حين أننا بحاجة إلى جملة من الحلول ومن الإجراءات المترافقة والتي تحقق في النتيجة الفائدة والعائد الأفضل بالنسبة للاقتصاد الوطني.

 
• يدعون أن الخطة الخمسية العاشرة كلها مهددة بالانهيار إذا لم يرفع الدعم لأن مصادر تمويلها غير موجودة، وهي في عجز ليس فقط الموازنات السنوية بل الخطة برمتها، هل أصبحت خطة رفع الدعم أحد موارد تمويل الخطة؟!

ليس وارداً على مستوى الخطة هذا الكلام.. هو تفسير، أو محاولة لتبرير بعض الإجراءات، ولكن على صعيد الخطة ككل فهي تعتمد على مصادر حقيقية بالنسبة للاقتصاد الوطني، وهذه المصادر مبنية بالدرجة الأولى على تحسين عائد الضرائب والنظام الضريبي وزيادة نسبة الضريبة بالنسبة للاقتصاد الوطني، وبالنسبة للإيرادات و تحسين العائد من القطاع العام الاقتصادي، والوفورات التي يمكن أن تتحقق من خلال ضبط الإنفاق العام، هناك موارد للدولة الناشئة عن ممتلكاتها وإضافة لوجود قطاع نفطي يحقق لها إيرادات بنسبة معقولة، بالإضافة لإيرادات من النظام الضريبي، وهذه النسبة يجب أن تزداد ولكن عندما تعود إلى الواقع الآن على صعيد النظام الضريبي الحالي لا تجد أي تقدم في هذا المجال. التقدم الوحيد هو تخفيض العبء الضريبي على كاهل رأس المال، ولكنه لم ينعكس باتساع الحصيلة الضريبية، أيضاً تخفيض الرسوم الجمركية لم تنعكس في زيادة حصيلة الرسوم الجمركية، وإنما مازالت في حدودها الدنيا. والتهرّب الضريبي ككل مازال على أشده. الإعفاءات الضريبية مازالت على أشدها ويجب القول: لدى سورية موارد للدعم لأن لديها هذا الحجم الكبير والهائل من التهرّب الضريبي والإعفاء الضريبي ومن الجمارك غير المدفوعة، كلها عوامل تؤدي إلى انخفاض بإيرادات حكومية وضعف قدرة الدولة على تمويل الموازنة العامة.

 
• لو سار موضوع رفع الدعم إلى أين كان سيقودنا؟ يجوز أنه كان سيصلح الخلل في موضوع الموازنة ولكن ما هو السيناريو الذي كان سيتحقق على المستوى الكلي إذا رفع الدعم.. ما هي اللوحة؟

في ظل هذه الظروف الملموسة اللوحة قاتمة جداً، نحن نعاني من مشكلة في القطاع الزراعي وهي وجود عدد كبير وواسع من المنتجين الحديِّين في هذا القطاع. وهؤلاء هم الذين يحققون الأمن الغذائي والتوازن الغذائي، نتيجة ارتفاع التكاليف بالنسبة لهؤلاء، المردود الضعيف لعملهم هم منتجون حدّيون في إطار الكلفة الحالية عندما ترتفع التكاليف الحالية، وتصبح الأعباء على كاهل هؤلاء أكثر ستزداد التكلفة بالنسبة للإنتاج الزراعي، في الأساس هذا الإنتاج هو ذو قدرة تنافسية خارجية ضعيفة جداً، نحن غير قادرين على المنافسة في أسواق الاتحاد الأوربي ودول أخرى، نتيجة ارتفاع الكلفة بالنسبة للحمضيات والخضار، هناك ضعف في القدرة التنافسية وعلى الصعيد المحلي تحمل المواطن السوري هذه التكلفة المرتفعة نسبياً، مقابل ذلك سينسحب هؤلاء المنتجون، وانخفاض في مجمل الإنتاج الزراعي وخلخلة الأمن الغذائي، أما على الصعيد الصناعي و المنتجات الأخرى هناك تكاليف كبيرة سيتحملها هذا القطاع نتيجة ارتفاع الأسعار، وهذا يفرض زيادة في الأجور، و تكلفة النقل المرتفعة أصلاًَ وبالتالي تصبح المنتجات السورية أقل تنافسية مما هي عليه الآن. لذلك مسألة الدعم يجب ألا ينظر إليها من منظور نقدي، و توازن الموازنة العامة.

 
• في المجال الاستهلاكي، كيف سيكون تأثير الدعم على ارتفاعات الأسعار و على وضع السوق؟

ضمن السيناريو اتخذت وزارة الاقتصاد منذ عدة سنوات قراراً بعدم التدخل في السوق وألغت التسعير والرقابة على الأسعار، واعتبرت أن واجبها هو التأكد من إعلان السعر وليس الرقابة على الأسعار، أو التأكد من بنود التكلفة، وتركت السوق دون ضوابط لأصحاب السوق المحتكرين. لا نستطيع أن نقول إن السوق في سورية هي سوق تنافسية، وتحقق هذا المستوى من أسعار من خلال التنافس، هي سوق محتكرة وهذا الاحتكار هو الذي يجعل مجموعات محددة تحتكر الرز والسكر والعديد من المواد الاستهلاكية، وتفرض أسعارها على السوق، وهذا يطبق على مستوى بقية المنتجات الاستهلاكية هذا الفلتان للأسعار وللأسواق دون ضوابط، وينعكس على المستهلك وعلى المواطن العادي بارتفاعات جديدة ومستمرة. شاهدنا خلال الفترة السابقة هذه القفزات الهائلة في مستوى الأسعار، وتصبح فئات واسعة من المواطنين دون خط الفقر، وتراجع عام على صعيد مستوى المعيشة ككل، هذا جانب لا يقابله مع الأسف توازن في مستوى الأجور، حيث بقيت الأجور مرتبطة بقرارات مراسيم تشريعية، ولم تترك ـ كالأسعار ـ لآليات الصراع الاجتماعي والطبقي لكي يقوم العمال بالدفاع عن مصالحهم.
 

• يقال لنا دائماً أنتم شاطرون بالتنظير، تتحدثون عن الذي لا يعجبكم، وليس بإمكانكم تقديم الحلول، أين الموارد الممكنة لنحل المشكلة؟ أين موارد الخطة؟

لدينا تهرب ضريبي، لدينا على الأقل 200 مليار تتهرب من الضريبة، ممكن أن يُحصّل أكثر من 70 ـ 80 %، وإذا حسّنا من الإدارة الضريبية بإمكاننا أن نأتي بـ 100 مليار على الأقل إضافة إلى 100 مليار من الإعفاءات الضريبية في خلال فترة وجيزة بتحسين الجهاز الإداري، لدينا موارد يمكن أن نحصل عليها إلى جانب ضغط النفقات، ولدينا هدر يمكن حله، لدينا استثمارات يمكن أن تقوم بها الدولة ولا تقوم بها وعائداتها عالية. الدولة تركت الأسمنت للتجار، وكان يأتي لها بأرباح هائلة، المصافي يمكن أن تقدم أرباحاً هائلة إذا عمل بها، الدولة لديها أموال و بدلاً أن تجمدها وتقول للقطاع الخاص: تفضل استثمر، وهو لا يملك الاستعداد للاستثمار، كان بإمكانها أن تقوم بهذه الإجراءات، وبالتالي تحقق موازنة أكبر وعائدات أكبر.

إضافة إلى أن موارد الفساد هائلة وكبيرة، إذاً، لدينا ثلاثة موارد: (التهرب الضريبي) و( تحسين استثمارات الدولة) و(الفساد)، وهذه تعطينا موارد كافية و بإمكاننا أن نحقق إنجازاً في هذا المجال خلال سنة فقط لا غير.