علا الكاسوح علا الكاسوح

قسم اللغة الانكليزية.. هل يحتمل الأمر المزيد من الإهمال و النسيان؟

ربما لم يتحضّر الطلاب لدخول الجامعات، ولم يطلعوا على مناهجها قبل دخولهم إلى فروعها، فمعظم من حصل على مقعد جامعي أكتشف متأخرا أن جامعاتنا في سورية بحال يرثى لها، والخلاص من الصدمة ليس وارداً بمفكرة أصحاب القرار الحاليين، فجّل ما يمكن تقديمه للطالب في إطار عملية التطوير والتحديث للمناهج، هو ضغط إضافي، لا يجد فيه الطالب مخرجاً لهمومه الدراسية المتزايدة. فلو علم الطلاب في جامعات سورية، أن المناهج المدرّسة يعود تاريخها إلى العام 1947م لما تكبد معظمهم عناء التعلّم. ولو قربنا الصورة أكثر، لأحد الفروع في جامعة دمشق (الأدب الإنكليزي)، الذي جرفه تيار القِدم بعيدا عن الواقع، لوجدنا أن الطالب ما عاد همّه أن يكون متمرسا باللغة الإنكليزية، بقدر ما أصبح همه أن يتخرج سريعا من الجامعة، وبأقل سنوات رسوب. ولو تجاوزنا هموم ضيق المكان والازدحام الشديد وضيق الوقت المخصص للامتحان، وكثافة الأسئلة، والتوتر الشديد في قاعات الامتحان، الذي يحدثه غالباً المراقبون، ونظرنا إلى المأساة الكبرى للطالب، ألا وهي المنهاج، لوجدنا أن نسبة كبيرة جداً من طلاب هذا الفرع يعانون من التالي:

لغة غير محكاة:

يراود معظم طلاب قسم الأدب الإنكليزي، سؤالٌ حيرهم على مر سنوات الدراسة: لماذا تدّرس اللغة الانكليزية الأدبية القديمة؟ في حين ما عادت مستخدمة بالبلاد الأصلية وغير مطلوبة في أماكن العمل التي تتطلب متحدثاً متمرساً باللغة الإنكليزية، كما أن مواد الترجمة والإنشاء واللغة، وتحديدا منها كيفية النطق رغم أهميتها الكبيرة لا تحظى بالاهتمام المطلوب، مع أنها الدعامة الأولى والأساسية للانطلاقة اللغوية الصحيحة.

نفهم ولكن لا نستطيع أن نتكلم!

يعاني الطلاب في هذا الفرع من انعدام المناقشة والحوار في المحاضرات، حيث يدخل مدرس المادة إلى القاعة ليسرد المقرر من البداية إلى النهاية، دون الاكتراث لأن يكون متفاعلاً مع الطلاب بشكل يضمن للطالب أن يتحدث اللغة الانكليزية بطلاقة، إذا ما أراد أن يخرج من إطار مهنة التعليم إلى مهنة أخرى.

الأدب، العنصر المسيطر والرئيسي بالمنهاج:

يقال إننا نرتقي بالتعليم إلى المستوى الذي يمكّن الطالب من الاستفادة والاستمتاع والتعلم، لكن الواقع ينفي هذه الإدعاءات، وهذا ما يؤكده الغالبية العظمى من طلاب فرع اللغة الإنكليزية، تقول الطالبة عبير، سنة رابعة: كانت كلمة «الأدب الإنكليزي» فخاً وقعنا به، ظننا حينها أننا سنتعلم ما يُمكّننا، بعد التخرج، من الالتحاق بوظائف في المجالات الطبية والصناعية، ووظائف نقرأ عنها اليوم ضمن المجالات التجارية التي تتطلب متحدثاً بارعاً باللغة الإنكليزية. ويقول الطالب علي، سنة ثانية: ندرس الأدب وعناصره من مسرح وروايات وشعر قديم، وعن الحياة الأدبية لعصر من العصور البريطانية والأمريكية القديمة، التي لا يحفل بها الطالب وغير مهمة للغالبية, أصدم دائما حين انظر إلى المستقبل القريب، بعد التخرج، والذي أولوياته البحث عن عمل، واصدم أكثر حين تخطر ببالي الوظائف التي تحتاج إلى مسابقات، أو فحص للقدرة اللغوية، ويعظم الخوف حين أتساءل بمخيلتي عن الأسئلة التي ستطرح علينا، فلا أظن أن أي لجنة لفحص القدرة اللغوية، ستسأل عن عنتريات شكسبير أو عن أشعار سيدني التي عفا عليها الزمان، ولن تطلب أن نروي لها مأساوية وأفراح وأحزان رواية كيلوباترا وأنتوني، وغيرها من روايات سنيِّ الدراسة.

لا تذهلوا من نسب المتخرجين!

بلغ عدد خريجي قسم اللغة الإنكليزية 297 طالباً من أصل 4007 متقدمين لامتحان الفصل الأول، لعام 2006- 2007م، وهي نسبة ضئيلة جدا بالنسبة لعدد المتقدمين. تتساءل الطالبة أمل عن سبب تدني نسبة النجاح وتقول: لا أعتقد أن الجميع كسالى ومهملون لدراستهم، ولا أعتقد أن الطلاب مغرمون جدا بهذا الفرع ليتمنوا بقاءهم على مقاعد الدراسة حتى يستنفذوا سنوات الرسوب، أو إلى أن يطردوا من الجامعة ويقضى على مستقبلهم الدراسي، والمهني من بعده، ولكن هناك خللاً كبيراً من المستحيل أن يكون غير ملحوظ لأصحاب الشأن، فحين تنخفض نسبة النجاح بمادة كمادة الشعر سنة ثالثة إلى 18%، أو أقل من ذلك بكثير، على مدى سنوات طويلة متتالية، ليس الطالب هو السبب بل الضحية الذي لا يجد منقذاً له إلا الحظ، في مثل هذه الحالة، وإنما السبب هو مدرس المادة، عبر تكثيف المقرر، وتصعيب أسئلة الامتحان، لدرجةٍ تُشعر الطالب أنها من خارج المقرر، وأصبح من المتعارف عليه بسبب صعوبة هذه المادة، وغيرها من المواد، أن يمتنع الطالب عن إرهاق نفسه بدراستها، ويلقي بعبئها على الحظ، بعد أن أصبحت معظم المواد مؤتمتة؟

آراء

يرى عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الدكتور أمين طربوش، أن المناهج بشكل عام مازالت دون المستوى المطلوب، إلا أن خطوات التطوير للمناهج جارية، وأن التطوير المحدث لمس إحداث أقسام جديدة كقسم اللغة الأسبانية وقسم اللغة الألمانية. أما عن معاناة الطالب، فيرى د. طربوش أن التحديث لا يحصل في يوم وليلة، وأصر على أن تعاون الطالب والمدرس والكلية، بشكل عام، يساهم بتخفيف الضغط على الجميع، أما عن تغيير شامل للمناهج فهو شيء غير وارد حالياً، فالتحديث يقتصر على إحداث مواد جديدة، ضمن بعض الفروع، ومنها فرع اللغة الإنكليزية.

 قسم الأدب الإنكليزي.. مجرد أفكار!

هل يغفر اسم الفرع، (الأدب الانكليزي)، الصعوبات التي تواجه الطالب؟ حيث أن كلمة الأدب اتخذت اتجاهاً متطرفاً جداً، ليكون الأدب على أصوله القديمة، دون النظر لمتطلبات المجتمع، الذي يريد متحدثين باللغة الإنكليزية، خلافاً لما تخرجه جامعات سورية حاليا، وينبغي على من يخطط لتحديث التعليم، الاهتمام بشكل أكبر والابتعاد عن المثالية المزيفة بأقنعة الوهم، التي تنتهجها جامعاتنا، وبدل أن يكون فرع الأدب الانكليزي، يسمى «قسم اللغة الانكليزية»، ليدرس كل ما يتطلبه سوق العمل بخطا جدية، فلا يحتاج خريج اللغة الانكليزية، إلى دورات تقوية للمحادثة، المهجورة حاليا، وغير متداولة في المحاضرات المقررة.

ولماذا لا يكون الطالب مساهماً بأفكاره، ليضع بعض الخطوط على ورقة التحديث للمنهاج؟ ولماذا لا يكون هناك استفتاءٌ، يحدد من خلاله ما يشتكي منه الطالب؟ وتخفف الأعباء الكثيرة وغير اللازمة عنه، ويتبع مبدأ الديمقراطية في اختيار القسم الذي يرغب بدراسته، من خلال تقسيم فرع اللغة الإنكليزية إلى أقسام، ليختار فيها كل طالب رغبته، كأن يدرس قسم الاقتصاد باللغة الانكليزية، وقسم الرياضيات بمفرداته الكثيرة، وقسم لإدارة الأعمال، وقسم يدرّس الترجمة السياسية والمفردات السياسية، وقسم آخر لعشاق الأدب القديم ومحبيه.

 فهل ستصبح هذه الأفكار يوما ما قيد الدراسة؟ أم هي أفكار مستحيلة التحقق؟ وأن معاناة الطالب وهمومه ومشكلاته الكثيرة، جراء الفشل، بربط المناهج المدرّسة بواقع المجتمع، ستبقى ورقة مطوية وليست ذات أهمية لتطرح بجدية مطلقة على طاولة من يتخذ القرار؟؟