القامشلي – ريمون القس القامشلي – ريمون القس

منع الإيذاء النفسي والجسدي... آراء وحلول

المشكلة لا تحلها تعليمات وقرارات الوزير، فجانب كبير منها يتعلق بالثقافة السائدة لدى قطاعات شعبية كبيرة من نسيجنا الوطني، حيث ثقافة التعنيف ثقافة شائعة ومتوارثة. وعادة الضرب تكاد تكون متفشية لدى قطاعات مجتمعية واسعة، والكثير من الآباء يضربون أولادهم بغية (تأديبهم)، وحتى بعض الأجهزة الرسمية، معروف عنها استخدام أسلوب الإكراه النفسي أو الجسدي! مضافاً إلى ذلك جملة من العادات والتقاليد المجتمعية التي تتعلق بمستوى التطور الحضاري.

تمت مناقشة القضية مع العديد من المعلمين، بالقرار الآنف الذكر، وعند سؤالنا للمعلم عثمان محمد عن رأيه في القرار أبدى جملة من الملاحظات: «أنا في كل الأحوال أرفض استخدام كل أنواع الإيذاء الجسدي منها والنفسي على الطالب، لأن الإيذاء يولد الخوف، وبالتالي ينتج عنه ضعف أو خلل في شخصية الطالب، وأعتقد أن المعلم الذي يستخدم الإيذاء، إنما يدل على ضعف إمكاناته التعليمية والتربوية» .

ويشير المعلم عثمان إلى أن العشرات من تلاميذ الصف الأول، ينقطعون عن الدوام بسبب الخوف من أحد المعلمين، أو محاولة بعض الأهالي نقل أبنائهم من مدرسة إلى أخرى، أو حتى من شعبة إلى أخرى ضمن المدرسة الواحدة، وذلك للسبب نفسه!

أما المعلم محمود مراد، فقد أكد على خطأ استخدام أساليب الإيذاء بجميع أنواعها، قائلاً إن المشكلة تتعلق بالمستوى المعرفي والتربوي للمعلم ذاته، من حيث قدرته على فرض حضوره بأساليب تربوية لائقة.

المدَّرسة نرجس قجو تقول: «الإيذاء سلوك لا إنساني، ولكن لابد من قوة ردع للتلاميذ الشواذ، في مجتمع بمستوى التطور الحضاري لمجتمعنا، والجميع شاهد على حالة الفلتان في الكثير من مدارسنا، وهنا أنبه إلى صوابية التعليمات الصادرة بخصوص مادة السلوك وجعلها مادة مدرسية، وينبغي تفعيل هذا القرار باتجاه تطبيقه على أرض الواقع» .

المعلم خليل قال: «إن القرار صحيح من الناحية النظرية، لكن تطبيقه على أرض الواقع يتطلب الكثير من الدقة والحذر، وأرى أنه رغم صحة القرار نظرياً، فهو لا يحل أية مشكلة تربوية على صعيد الواقع الملموس.

المدرّسة ف. علي، مرشدة اجتماعية تقول: «عندما تصدر القرارات بخصوص منع ظاهرة ما، فإن الأمر يتطلب توفير البدائل، ولا نذيع سراً عندما نقول إن هناك حالات غير قليلة من الشواذ في مدارسنا، وهم ضحية الواقع الاقتصادي الاجتماعي، وما أفرزه من بنى أخلاقية، وإذا كان الإيذاء مرفوضاً، ولاشك في صحة ذلك، فإن على الوزارة أن تضع الحلول الجذرية للمشكلة، فهذه المؤسسة غير معزولة عن الواقع الاجتماعي ومستوى التطور الحضاري، ومن الطبيعي أن يحمل التلميذ معه إلى داخل جدران المدرسة الكثير من أمراض المجتمع، والعديد من هؤلاء يضفون على المدرسة أجواء الشغب والفوضى، إن الحل لا يكمن داخل جدران المدرسة، لأن الأسباب خارجية، فالنظرة إلى التعليم اليوم نظرة سلبية، والنظرة إلى المعلم بعد سيادة عقلية المجتمع الاستهلاكي، نظرة دونية، في هذه الأجواء تتكون نظرة التلميذ تجاه المدرسة والمعلم، وجميع أركان العملية التربوية».

المعلم راكان شيخي: «الإيذاء أسلوب غير حضاري بالمطلق، لكن أشك في أن القرار يحل القضية بالاتجاه الايجابي، لذلك يجب البحث عن أساليب داعمة لتنفيذه».

أحمد دياب معلم قديم، يقول: «الضرب لم يكن مسموحاً بالأصل، ولكن كان مسكوتاً عنه، بحكم ثقافة المجتمع وعاداته وتقاليده، وينبغي الاعتراف أن هذه الثقافة ما زالت شائعة في بعض الأوساط. وقرارات الوزارة جاءت بشكل فج، إذ لابد من إحداث نقلة بين الطريقتين، ووضع استراتيجيات طويلة الأمد، حتى تتلاشى الأساليب التربوية الخاطئة، في سياق التطور التاريخي، وبكل الأحوال، ينبغي تأمين حصانة للمدرس، سواء مع الجهات الوصائية، أو بعض الأهالي الذين يجدون في تعليمات الوزارة شماعة للإساءة إلى المعلم والمدرسة.

المعلم عصام حوج، وبعد تأكيده على خطأ استخدام الإيذاء، شكلا ومضموناً، قال: «إنها مشكلة جدية بحق، لكن مثل هذه القرارات التي يصدرها السيد الوزير لن تحل المشكلة إطلاقاً، بدليل استخدام الكثير من القائمين على العملية التربوية التعليمية، أسلوب الإيذاء، على الرغم من إصدار الكثير من القرارات المانعة له! والكثير مقتنع أن مستوى التعليم قد تراجع بعد هذه القرارات. ومن يريد أن يحل المشكلة بشكل جدي، عليه أولاً أن يفكر بإستراتيجية تربوية، تكون جزءاً من إصلاح شامل ومتكامل، اقتصادي، اجتماعي، سياسي وثقافي، توفر المقدمات الضرورية لتجاوز هذه الحالة في مؤسساتنا التربوية. ولن تصلح هذه القرارات واقعاً موبوءاً بالفساد، والخوف يطبق على الناس الكبار، فكيف بالصغار؟!

أجمع كل من شارك في هذا الحوار، على ضرورة إيجاد وسائل وأساليب تربوية متطورة لاحتواء أية حالة شاذة طارئة، تستدعي التعامل معها بسرعة، لتقليل الآثار السلبية الناجمة عنها، مثل بعض السلوكيات المرضية من الطلبة، كالتدخين في المدرسة، أو توجيه إهانة ما إلى معلم أو معلمة، أو حتى تعاطي المخدرات في بعض المدارس كما سمعنا مؤخراً !!

اتفق جميع المحاورين على ضرورة عدم تحميل المعلم أو الموجه أو المدير، تبعات واقع عام، يتعلق بمستوى التطور الحضاري، فليس خافياً على أحد، أن الكثير من الأسر تستخدم الضرب مع أبنائها، كأسلوب وحيد لردعهم أو تأديبهم، كما يتوهم الأهالي. فثقافة القمع نمط اجتماعي سائد في مجتمعنا، وبعيد عن أي تبرير لكل أشكال الإيذاء النفسي والجسدي، وإن علاج أية مشكلة يبدأ بمعرفتها أولاً، ثم معالجتها من الجذور. ومن هنا نقول إن الصفعة التي توجه إلى تلميذ ما، يجب أن توجَّه باتجاه آخر، إلى الواقع بكل ما فيه من سلبيات وأخطاء. 

إلى من يهمه حل المشكلة قدم المحاورون جملة مقترحات وحلول، نختصرها بما يلي :

- تخفيض عدد التلاميذ في الشعب المدرسية، والتي قد تتجاوز في بعض الأحيان الـ (40) طالباً في الشعبة الواحدة، مما يصعب على أي معلم ضبطهم.

- تأهيل المعلم، وهو الركن الأساس في العملية التربوية.

- الاهتمام الجدي بالحصص المخصصة للنشاط البدني والذهني، لتكون مجالاً لتفريغ طاقة التلاميذ، ونزوعهم الموضوعي نحو الحركة والنشاط.

- إعادة النظر بسياسة تعيين الجهاز الإداري، واعتماد مبدأ الكفاءة المهنية والنزاهة، بدلا من شرط الانتماء الحزبي .

- تفعيل دور المرشد الاجتماعي في المدرسة .

- محاولة إقامة علاقات أكثر حميمية بين المدرسة والأسرة .

- تطوير المناهج بتجاوز الحشو الزائد، الذي يرهق الطالب والمعلم معاً، وذلك لإتاحة الفرصة للمزيد من التفاعل الاجتماعي بين الطرفين، الطالب والمعلم.

- إضافة مادة معينة تُعني بالثقافة الديمقراطية وتقبل الآخر، وتعوّده على التفاعل الايجابي، مع المحيط الاجتماعي.

- إبراز النماذج الايجابية للطلاب المتميزين، في السلوك والنشاط وأدب التعامل، في محاولة لإذكاء ثقافة المنافسة الشريفة بين الطلاب .

- تغيير نمط العقوبة بحق المعلم المخالف، وجعلها عقوبة مسلكية متدرجة، تبدأ من تنبيه المعلم، مرورا بحسم نسبة معينة من الراتب، وتنتهي بالإقصاء عن سلك التعليم، كأقصى حد. بحيث تتجنب العقوبة في الوقت ذاته، كل ما يمس كرامة المعلم، كإنسان أولاً، وكمرب ثانياً، وتفادي حالات مثل أخذ المعلم مخفورالثروة الحيوانية سلامات!

طبيب في الوقت نفسه:

1. حماية الطبيب وحصانته بقوانين رسمية.

2. تشكيل لجنة طبية تبت في حالات الوفيات والالتزام بقراراتها.

3. التدخل الإيجابي للقضاء، وعدم التعامل مع الأطباء بصفتهم مذنبين ومجرمين، فيما لو لم يتوافر الخطأ الطبي.

4. تدخل الفعاليات الأهلية الاجتماعية، لتوعية المواطنين، في هذا النوع من القضايا.

5. تدخل الجهات الرسمية، فيما لو توافرت النية الحسنة في حل المشكلة.

وإذا كنا توجهنا لإدارة المشفى سابقاً، فاليوم نتوجه لمدير الصحة والوزارة، فالمصاب جلل.

■ القامشلي - مكتب قاسيون

آخر تعديل على الخميس, 24 تشرين2/نوفمبر 2016 14:03