عبسي سميسم عبسي سميسم

مطبات عصفورين بحجر»!

التقييم عادة بشرية، ابتكرها الإنسان لمراجعة أعمال قام بها من أجل تحديد النقاط السلبية في تلك الأعمال بغية تلافيها، واعتماد آليات أفضل لتحسين الأداء في المراحل القادمة من العمل. وقد جرت العادة أن يقوم معظم الأفراد والمؤسسات بمثل هذا التقييم في نهاية كل عام، فهم يقيّمون أداءهم في السنة الفائتة، ويضعون الخطط الجديدة للسنة الجديدة، وبما أن حكومتنا تتألف كسائر الحكومات من مؤسسات تقوم على ما يسمى بالكادر البشري، فهي تقوم سنوياً بإجراء تقييم لجميع العاملين في الدولة لتحديد مستوى أدائهم الذي سيؤثر بالنتيجة على ترفيعاتهم في العمل، تلك الترفيعات التي تُمنح لهم كل سنتين.

وقد جرت العادة أن يتمّ في كل سنة تنظيم جدول بأسماء العاملين في كل دائرة من دوائر الدولة يكتب فيه أسماء العاملين في الدائرة وبجانبه يكتب تقييم العامل (إما متوسط أو جيد أو جيد جداً)، ولم يكن هذا الإجراء ليأخذ وقتاً كبيراً من موظف الدائرة من حيث إعداد الجدول المذكور، كما لم يكن يأخذ وقتاً إضافياً لدى الجهة التي تحدد الترفيعات بناءً على هذا التقييم، إضافة إلى أن إعداد الجدول لم يكن يعني استهلاكاً كبيراً للورق إذ لم يكن يتعدى تنظيمه ورقةً واحدةً أو بضع ورقات بحسب عدد العمال في الدائرة.

ولكن، في هذه السنة، وبالتزامن مع الحملة الشعواء التي تشنها الحكومة على الروتين والهدر في الورقيات والتي عمل عليها المحافظون على مدى السنتين الأخيرتين، قررت الحكومة أن تغير من طريقة تقييمها للعاملين لديها، فطلبت من كل دوائرها ومؤسساتها أن تستبدل الجدول الذي يضم أسماء جميع موظفيها، بأربعة جداول لكل موظف لديها؛ يضم الجدول الأول: معلومات شخصية عن العامل، بينما يضم الجدول أو الورقة الثانية: الكفاءات الأساسية للعامل، وتحمل الورقة الثالثة عنوان: المهام، أما الرابعة فتحتوي على: ملخص نتائج تقويم الأداء.

وقد أكّد موظفو شؤون العاملين في بعض الدوائر الحكومية أن المعلومات الموجودة في الورقات الأربع هي في معظمها معلومات لا معنى لها بل ولا علاقة لها بالتقييم، وإنها لا تعدو كونها عبئاً إضافياً على كاهلهم في تنظيم هذه الأوراق.

ولكن إذا علمنا أن عدد العاملين في الدولة يفوق الثلاثة ملايين عامل فهذا يعني أن عدد الأوراق التي تستخدم في التقييم ستزيد من آلاف قليلة إلى أكثر من 12 مليون ورقة. وإذا افرضنا جدلاً أن المعلومات الموجودة في هذه الأوراق هي مهمة من أجل التقييم، فكم من موظف في شؤون العاملين في الدولة (الجهة التي ستقرر الترفيعات) ستحتاج قراءة هذه الأوراق فقط؟! أم أن هذا الإجراء هو مجرد قرار ارتجالي خطر ببال من قرره دون حساب لكيفية التعامل معه؟! وحتى لا نكون ظالمين بإطلاق الأحكام، فقد يكون تفكير الحكومة قد ذهب أبعد مما نفكر به نحن الأناس العاديين، فقد يتعدى هدفها في ذلك هدر بضع أطنان من الورق كل ستة أشهر، في سبيل إنجاح خطتها للتخفيف من البطالة مثلاً! وذلك بتوظيف عدد من العاطلين عن العمل تقتصر مهامهم على قراءة هذه الاستمارات التي تحتاج جيشاً من الموظفين، فضلاً طبعاً عن نيتها (الحكومة) ربما تنشيط صناعة الورق في البلد. وبذلك فإنها (يا لفطنتها) تكون قد ضربت عصفورين بحجر واحد!

آخر تعديل على الخميس, 24 تشرين2/نوفمبر 2016 14:25