انتهاك مقبرة «الأيوبية» بدمشق.. والأوقاف تتفرج!

حين أطلقنا، في «قاسيون» قبل شهرين نداء: «دعوهم يرتاحوا في قبورهم»، كنا نرجو أن يجد نداؤنا أذاناً صاغية لدى أصحاب الضمير، لمناصرة الموتى هذه المرة، وليس الأحياء، بعد التعدي المخزي على القبور من أشخاص معدومي الشعور بالمسؤولية، وبالتواطؤ مع بعض الجهات المنوط بها حماية تلك القبور، لكن عبثاً، فلا حياة لمن تنادي!

إن تربة «الأيوبية» في حي الأكراد بدمشق، وهي المعتدى عليها، تُعتبر من الأماكن الأثرية، إذ يصل عمرها إلى حوالي ثمانمائة سنة، وهي مسجلة بمدينة دمشق بالقرار رقم/143/ بتاريخ 25/8/1980، وقد أجريت لها في فترة سابقة أعمال ترميم وصيانة وإعادة تأهيل، وفق شروط فنية، فالمزار الموجود فيها مقصدٌ للتبرك، يؤمه الزوار من أنحاء مختلفة: تركيا وباكستان والهند وأفغانستان، وقد زاره الرئيس الباكستاني أيوب خان عام 1959، كما زاره عدد من وزراء الدول المجاورة والبعيدة. وهذا المزار التاريخي معروف باسم (بموق بابا)، ومعناه (أبو القطن)، وله تاريخياً قيمة كبيرة لدى أهل المدينة جميعا.

أخذ الحق بالقانون

المحامي كمال حاج خليل، المكلف بمتابعة شكوى أهل المتوفين الذين هدمت قبورهم, صرح ل«قاسيون» في مكان الموقع، أن قيام المشكو منه بالعبث بهذه القبور وإزالتها بدافع الجشع، وعدم الاكتراث لمشاعر المسلمين، مع أن لها قيمة أثرية كبيرة تتعلق بميراث الأمة، عدا عن كونها من المقدسات الراسخة بقناعات المسلمين. وهذا يعتبر جرمَ تخريب للآثار، ومساً بالشعور الديني، وفق المادة/462/ عقوبات فقرة (ب)، والتعدي على حرمة الأموات، سنداً للمادة /467/ عقوبات عام. يضيف المحامي كمال: إن الرجوع للدعوى يبين أن المتعهد يتصرف نتيجة جشعه غير آبهٍ للكتب الصادرة من وزارة الأوقاف، التي تأمر بالإيقاف الفوري للأعمال، وذلك بالكتاب رقم 7714/14 بتاريخ 6/12/2007، الصادر عن مدير الأوقاف بدمشق، والموجه إلى دائرة خدمات ركن الدين، وذلك تراجعاً وتصحيحاً لمضمون كتابها رقم 6049/4/6 بتاريخ 20/11/2007، الذي كان قد صدر عنها، بعد أن صُوِّر لها الموقع بشكل مغاير للحقيقة من التاجر. 

إيقاف فوري:

جميع القبور مثبتة بكشف مكتب دفن الموتى، وعددها/13/ قبراً، إضافة لخمسة قبور قديمة لرجال صالحين، وقد تم الاعتداء على أربعة قبور بشكل كامل ولم يبق منها إلا بعض العظام المتناثرة بين الركام. وهناك كتاب صادر عن مديرية الآثار، برقم 397/ص بتاريخ 9/7/2007، موقّع من رئيس دائرة آثار مدينة دمشق، وموجه إلى السيد محافظ دمشق، يوضح إن هذه المقبرة تصنف كآثار، ولا يجوز المساس فيها، ويطلب إيقاف التعدي. وبناء عليه وجه السيد المحافظ أمراً إلى دائرة الخدمات المعنية بالمعالجة الفورية, وكذلك أرسلت مديرية أوقاف دمشق كتاباً برقم 7714/14 إلى دائرة خدمات ركن الدين، يأمر بإيقاف الأعمال في الجزء المذكور، إلى حين إنجاز دراسة الوجائب، بالشكل الذي يضمن حرمة التربة والقبور، ويحافظ على كافة الحقوق في تلك المنطقة، وكان أهالي الحي قد تقدموا بعريضة للسيد المحافظ بهذا الخصوص تحمل مئات التواقيع، وبناءً عليها نوقش الأمر بمجلس محافظة دمشق بالجلسة رقم 23 بتاريخ 11/11/2007 وقرر مجلس المحافظة دراسة المقبرة والحفاظ على آثارها ومنع التعديات على القبور، من شاغلي المقاسم المجاورة لها، بالقرار رقم 58272/ص بتاريخ 19/11/2007. 

« ما دخلنا!»

قسم شرطة ركن الدين لم يتدخل بحجة عدم وجود أمر من النيابة وعدم وجود حوادث!، وقد تجمع الأهالي عند المقبرة، لمتابعة الموضوع والوقوف على حيثيات العمل الذي قام به التاجر «المتعهد المدعوم», وأبدوا استنكارهم واستياءهم البالغ مما جرى!. 

العطلة عطلت كل شيء!

السيد بسام جيرودية، عضو المكتب التنفيذي لقطاع الآثار والثقافة في محافظة دمشق المكلف من مجلس المحافظة بمتابعة الأمر، قال لنا إنه يرفض إعطاء أي تصريح للصحافة، إلا بعد دراسة الموضوع بشكل جيد، ولأن جميع المؤسسات والدوائر الآن مغلقة بسبب عطلة العيد، فإنه سيتابع الأمر بعد انتهاء العطلة، لكنه أكد أنه كان على المتعهد ألا يباشر أي عمل إلا بعد الموافقة النهائية من المحافظة، وخاصة أن هناك بلاغا بذلك يأمر بعدم القيام بأي شيء، إلى حين البت بالموضوع بشكل نهائي، وإن إزالة أربعة قبور، أمر غير مقبول، وفيه تعدٍّ واضح. 

عندما تسقط الحقيقة!

أحد المواطنين قال: أصبحت أشك بالجهات التي لجأنا إليها فالكل يرد علينا بالكلمات والجمل نفسها: «إنه يحمل رخصة بناء»، وكأن الرابط بينهم رشاوى مقابل السكوت عما يحصل، علما أن الجدار الأسمنتي الضخم الذي هدمه المتعهدعشية العيد، والمشاد من قبل المحافظة منذ ربع قرن, عرضه في القاعدة أكثر من 150 سم، وطوله يصل إلى عشرة أمتار، أي أن التواطؤ واضح وضوح الشمس.

تواطؤ أم ماذا؟!

أما أبو بسام، أحد متابعي الموضوع، فقد استغرب كيف تعطى رخصة بناء على أرض مقبرة! وقال: أليس من المفروض أن يرى من أعطى الرخصة حقيقة واقع الأرض قبل منح الرخصة؟!.

إن لهذا المزار قيمة أثرية وتاريخية هامة فهو لأولاد عم صلاح الدين الأيوبي، محرر القدس.

إننا نطالب بحل هذه المشكلة بأسرع وقت وكشف ملابسات ما جرى ومحاسبة من كان وراءها, ففي ذلك ضمانة لكرامة المواطنين، الأحياء منهم والأموات.

آخر تعديل على الخميس, 24 تشرين2/نوفمبر 2016 14:52