يمارسون الفساد.. ويدّعون محاربته

تنتشر في شوارع جرمانا الرئيسية عربات وبسطات بيع الدخان المهرب وعددها ثمانية، وتحوي جميع أصناف الدخان والمعسّل المهرب وتبيعها علناً، وبأمكنة ثابتة ومحددة. تختفي هذه البسطات والعربات فجأة من أماكنها، وتغيب عن الأنظار عدة أيام لا تتجاوز الأسبوع، ثم فجأة أيضاً وبوقت واحد، يعود أصحابها بعربات وبسطات جديدة، تزهو بألوان زهرية براقة جذابة، والمواد المهربة من كل أصناف المعسّل والتبغ تملؤها بإسراف وأكثر من السابق. وعند سؤالنا ما القصة؟ وصلنا لمعرفة الحقيقة التالية:

قامت بلدية جرمانا بمصادرة عربات بيع الدخان المهرب الثمانية بإيعاز من رئيس مجلس المدينة، الذي تلقى بدوره تعليمات بهذا الخصوص من رئيس إحدى مفارز الأمن الموجودة في جرمانا، لكن بعد أيام قليلة صدرت إلى رئيس المجلس تعليمات معاكسة من إحدى الجهات، تدعوه لإعادة العربات إلى أصحابها، ولكن رئيس المجلس، متمسكاً بالقانون، رفض ذلك، وقال: «إن هذه المصادرات قد تم تنظيم محاضر ضبط رسمية لها، ولا يمكن بأي شكل تجاوز هذه الضبوط، ومن ناحية ثانية ما هي نظرة الناس للمجلس إذا أعاد عربات بيع دخان مهرب، وقد عرف كل المارّة أنه تمت مصادرتها قانونياً؟! وكيف سيكون موقفنا ودفاعنا عن تصرفنا هذا؟! أما إذا كان الأمر إنسانياً، وشفقة على البائعين الذين انقطع مورد رزقهم ولقمة عيشهم، فالبلدية مستعدة لتصنيع بسطات جديدة وعربات صغيرة لهم بدلاً عن المصادَرة». وبعد اتصالات ومشاورات صدرت تعليمات من الجهات نفسها إلى المجلس، لغض النظر مبينة أن البائعين سيحضرون عرباتهم الجديدة بأنفسهم..

تبين فيما بعد أن هذه البسطات والعربات الثماني هي «نوافذ بيع» من أصل أربعين عربة موزعة في مناطق ريف دمشق بين جرمانا والمليحة وحرستا ودوما، وهي تابعة لشخص واحد يغذيها ويموّلها ويستفيد من عائداتها، وهو «معلم» في إحدى الجهات، وهو الذي يبرم صفقات التهريب ويمارسه ويحميه. والشخص الذي يقوم بتوزيع المهرَّبات على هذه العربات في جرمانا معروف باسم «أبو عرب» ويحمل معه في سيارته السوداء أكثر من أربعة أو خمسة مسدسات، ورشاشين من نوع كلاشينكوف، وبمبكشن.

هذا نموذج للفساد الكبير المنتشر والمستشري في أجهزة الدولة بشكل عام، والتي مهمتها الأولى محاربة الفساد، فمتى يبدأ جميع الشرفاء بهذه المهمة، ويفضحون رموز الفساد الأكبر الذين يستغلون مراكزهم ومناصبهم، ويختبئون خلفها ويحتمون بها؟!!

آخر تعديل على السبت, 26 تشرين2/نوفمبر 2016 23:01