جهاد أسعد محمد جهاد أسعد محمد

مطبّات هواجس «خريفية»..

لم تعد نظرة السوريين لفصل الخريف ترتبط باعتبارات موروثة، فيها السلبي المحكوم بدورة الحياة المتعبة والموت المؤقت التي كرستها الأساطير القديمة، المتجلية بتساقط أوراق الشجر، ويباس الأعشاب، وشح الينابيع، وهبوب الرياح العاتية؛ وفيها الإيجابي المرتبط بنضج بعض أنواع الثمار الصفراء كالتين والعنب والسفرجل، واعتدال المناخ، وبواكير المطر..

كما لم تعد هذه النظرة تنطلق من اعتبارات رومانسية، تفرضها إبقاعات أيلول والتشرينين، حيث تختلط الأشياء المتناقضة والمتباينة: البرد والدفء، الجفاف والمطر، الأنوثة والذكورة..

نظرة السوريين لهذا الفصل الحزين، أصبحت ترتبط باستحقاقاته المعاشية التي تقصم الظهر.. ولكن سيحاول أغلب هؤلاء السوريين الذين تمرسوا مؤخراً على المعاناة، هذا الموسم أيضاً، تجنب اليأس والقنوط.. سيتخلون مؤقتاً عن حكمتهم المفضلة التي ما فتئوا يسترشدون بها طوال الحول، والتي تقول: «العين بصيرة واليد قصيرة»، وسيبذلون جهوداً قصوى في سبيل تجاوز الاستحقاقات الخريفية – إن استطاعوا إلى ذلك سبيلاً- دون أي تراخ أو استسلام..

سيستدين معظمهم من أصدقائهم أو أقربائهم الميسورين، إن وُجدوا، من أجل تأمين وتجهيز الحد الأدنى من مؤونة الشتاء القليلة، وستضاف الديون الجديدة لديون قديمة متراكمة ماتزال عصية على السداد..

وسيحاول هؤلاء وكثيرون غيرهم، الحصول على عمل مؤقت، ثان أو ثالث، ليتسنى لهم شراء حاجيات الأولاد المدرسية من قرطاسية وملابس وكتب وغيرها..

وسيسعى قسم منهم لم يعد كبيراً، للمحافظة على ما بين الأيدي من قسائم مازوتية، لمواجهة الصقيع الجاف الذي بات يطبع معظم شتائنا المتصحر، بشجاعة من لم يبق له الكثير من الفرص للبقاء على قيد الأمل. أما من أرغمته تداعيات رفع الدعم على بيع ما فوقه وما تحته، ومن ضمن ذلك قسائم المازوت، فسيتوكل على الله، ويستبدل مدفأته العتيقة بمدفأة حطب، إن أمكنه ذلك، وإلا فالبرد سيقرسه وأولاده حتى نقي العظام، قبل وبعد وأثناء أربعينية الشتاء..

وبالنسبة لاستحقاقات شهر رمضان وعيده السعيد، فالأمر لا يحتاج ممن لم يعد يستطيع بذل المزيد من الوقت والجهد والعطاء والصبر، إلا إذا استطال اليوم لثلاثين أو أربعين ساعة، سوى لبعض «التطنيش»، والتعامل مع هاتين المناسبتين المباركتين بصورة روحية بحتة، أي من خلال التعبد والتهجد والصوم، وبالتأكيد سيجري التركيز كثيراً على فكرة الصوم.. أما صراخ الأولاد وحردهم وشغبهم وإلحاحهم على طلب «المستحيل»، فليس له حل سوى القمع!! ومن بعدها لا مناص من بكاء صامت لأحد الأبوين أو لكليهما خلف باب مغلق..

والحال كذلك، لا ضير من بعض التذمر، والغمز من سياسات وقرارات الحكومة، والشكوى من سوء الأحوال وازدياد متطلبات العيال، والاستياء من غلاء الأسعار وانعدام الرقابة، واستنكار هزالة الراتب المحدود، فهذه «التنفيسات» و«فشّات الخلق» ضرورية لتجاوز المحنة بأقل الخسائر ليس للناس وحدهم.. بل لجميع الأطراف..

أمام هذه الخارطة الاجتماعية – الاقتصادية التي تسر العدو كثيراً، وتقلق الصديق، وتنهك المكتوين بنيران الواقع المتأججة، لابد من تذكير من حكم على نفسه بالتعامي والاستخفاف والاستعلاء والجهل... بأحد أهم قوانين الكون: الضغط والانفجار.. التراكم والتغيير، ولكن من المفيد هنا التنويه لأمر هام، وهو أن الانفجار إذا ما حدث، لا يمكن تقدير شدته واتجاه تشظيه وشكل تجليه، وقد يتمظهر بأسوأ مظهر، ويتلوث بكل ما لا يتمناه حتى المنفجرون أنفسهم، فكيف إذاً سينعكس على من دفع الأمور إلى عتبة الانفجار؟؟

لقد أكدت تجارب خريفية في بلدان أخرى، أن الريح لابد أن تهب يوماً لصالح المعدمين الذين أوشكوا على اليأس، وقوانين التاريخ، مثلها مثل قوانين الفيزياء والرياضيات والعلوم جميعاً، ناصعة وواضحة وراسخة، وكثيراً ما يتكرر حدوثها..

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

آخر تعديل على الأربعاء, 14 كانون1/ديسمبر 2016 14:46