مواجهة «أزمة العمالة».. على طريقة البنك الدولي!!

ها هو البنك الدولي يكشر عن أنيابه من جديد بإرسال توجيهات ونصائح جديدة للبلدان الفقيرة، ويزعم أنها إذا ما التزمت بها، ستتفادى تأثيرات الأزمة فيما يخصَُ تكاثر أعداد الأيدي العاملة.. وهذه الوصفة ستجدي نفعاً في بلدان «الشرق الأوسط وشمال إفريقيا»، حسب التسمية التي يفضلها البنك الدولي، والذي يرى خبراؤه أن أفضل طريقة لتسريع عملية النمو في هذه البلدان، وتوفير فرص عمل للوافدين الجدد إلى سوق العمل، تتم عبر القضاء على دور القطاع العام، وجعل اقتصاديات هذه الدول خاضعةً تماماً لهيمنة القطاع الخاص من خلال إزالة العوائق أمام أنشطته، ومن ثم الانتقال من مرحلة الانغلاق على الذات، إلى مرحلة الانفتاح على الأسواق العالمية والاندماج فيها، وذلك عن طريق تحرير الأنشطة الاقتصادية، وتنشيط عمليات القطاعات الاقتصادية المختلفة، بعد أن يتم تخفيف اعتماد هذه الدول على تصدير النفط، مما يجنب اقتصادياتها مختلف التقلبات، ويجعلها أكثر استقراراً وثباتاً.

 ووفق التقرير، فإنه من المتوقع أن يرتفع حجم القوة العاملة، في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من 104 ملايين عامل، وفق إحصائيات عام 2000، إلى نحو 185 مليوناً في عام 2020. ويستنتج التقرير أن هذه الأرقام تفرض تأمين ما يقارب 80 مليون فرصة عمل خلال العقد القادم، ولا يمكن تأمين هذه الفرص إلا بالقضاء على القطاع العام وإنهائه!! ويشير التقرير إلى أن مستقبل المنطقة الاقتصادي مرهون لدرجة كبيرة بأسواق العمل.
 ويذهب معدو التقرير إلى أن مجابهة تحدي العمالة يتطلب إجراء تحولات في هياكل وبنى اقتصاديات هذه الدول، وأن المنطقة بحاجة إلى نمط جديد من التنمية، يعتمد بالدرجة الأولى على إعادة تنشيط القطاع الخاص، وإفساح مزيد من المساحات له في الأنشطة الاقتصادية المختلفة.
 إن ما يجري في الاقتصاد السوري من سياسات ليبرالية يصب في هذا الاتجاه ويخدمه، وإلا ما معنى أن يؤكد التقرير على أن دول المنطقة بحاجة إلى مزيد من الاندماج في الاقتصاد العالمي، وإدارة الثروات النفطية بطريقة أفضل، بحيث يكون الخام الأسود سبباً دافعاً ومحركاً للتنمية؟!
فقد ورد في مذكرة السياسات الصادرة قبيل اجتماع وزراء مالية مجموعة الدول الصناعية السبع، أن حوالي 40% من البلدان النامية قد تأثرت تأثراً شديداً من جراء آثار الفقر التي ولدتها الأزمة الراهنة، وأكَّدت المذكرة بأنه من الأهمية بمكان بالنسبة للبلدان التي تأثرت بهذه الأزمة، القيام بتمويل الجهود الرامية إلى خلق فرص عمل جديدة، وتقديم الخدمات الضرورية والبيئة الأساسية، وبرامج شبكات الأمان، لمصلحة الشرائح المعرضة للمعاناة من سكانها.
المشكلة الكبرى أن ثلاثة أرباع هذه البلدان لا تستطيع توفير الموارد التمويلية من مصادر محلية، لتمويل البرامج اللازمة لكبح الآثار الناجمة عن هبوط النشاط الاقتصادي، كما لا تتوفر لدى 25% من هذه البلدان القدرات المؤسساتية الضرورية لتوسيع نطاق الإنفاق، لحماية الشرائح المعرضة للمعاناة، ويرجح أن تواجه حكومات هذه البلدان تحديات مالية كبيرة وخطيرة في الفترة القادمة، على الرغم من سعيها جاهدة لمواجهة التحديات الاجتماعية طويلة الأجل مثل البطالة.
وربَّ ضارة نافعة، فالأزمة قد تكون فرصة فعلية لإعادة هيكلة برامج شبكات الأمان، السيئة التوجيه سابقاً، ولتوجيه برامج التحضير الاقتصادي إلى معالجة القيود والاختناقات التي تعوق النمو على المدى الطويل، لا على أساس خطط خمسية وعشرية محدودة، وبالتالي خلق فرص عمل حقيقية لهذا العدد الكبير من الأيدي العاملة الذي تواجهه الحكومات في مختلف البلدان العربية والإفريقية.
الأرقام المعلنة قد تكون حقيقية، لكن نية سياسات البنك الدولي ليست سليمة بالتأكيد، وأية زيادة على الأرقام ستكون كفيلة بإحداث زعزعة حقيقية للاستقرار الاقتصادي، لا بل الاستقرار الاجتماعي والسياسي، مما سيفضي عملياً إلى نتائج أكثر سلبية من النواحي كافة.