محمد دحنون محمد دحنون

الأزمة الاقتصاديّة العالميّة تبدأ.. في سوريّة!

يتصل الصديق المغترب في بريطانيا منذ خمس سنوات، يقول: «ربما أعود للإقامة في سوريّة بشكل نهائي».. لا تتفاجأ، لكنك لا بدّ أن تسأل عن السبب: «لقد أنهى صاحب مكتب التحويلات الماليّة عقدي بشكل شفهي وحبّي..». يضحك الصديق، وإذ تستفسر عن معنى «حبّي»، يجيبك: «أنا أعرف بأنه لم يعد هناك لزوم لنّا نحن الموظفين الستّة، لم يعد هناك أحد يرسل نقوداً إلى الشرق الأوسط عبر مكتبنا، وصاحب المكتب وأخوه قادران على تلبية خدمات الزبائن، قليلي العدد، الذين يتعاملون معنا».

هذا هو وضع مكاتب تحويل الأموال في بريطانيا. ما هو إذاً الوضع على الجانب الآخر؟ السؤال عن الوضع على الجانب الآخر، هو سؤال عن الرقم الذي نشره البنك الدولي، والذي يقدّر حجم التحويلات الماليّة من المغتربين السوريّين إلى بلدهم بحوالي 700 مليون دولار خلال العام ما قبل المنصرم؛ بالتأكيد سوف ينخفض هذا الرقم بشكل ملحوظ.

فما قاله الصديق هاتفيّا، كان د.دريد ضرغام قد ترجمه اقتصادياً، حتى قبل أن يفقد الصديق عمله؛ يقول «بما أن التبادل التجاري وإرساليات المغتربين السوريين من العناصر المهمة في رفد سوريّة بالقطع الأجنبي، نجد أن الأزمة الحالية سيكون لها أثر كبير على الاقتصاد السوري. فمن جهة سيؤدي الركود الاقتصادي العالمي إلى تأثّر فرص العمل ومستويات الدخول لجميع المقيمين في تلك الدول ومنهم المغتربون السوريون. وهذا سيؤدي إلى احتمال تزايد الطلب على فرص العمل في سوريّة من المغتربين الذين تأثروا بالركود في بلدان المغترب، فضلاً عن احتمال انخفاض حجم القطع الأجنبي الوارد».

على العموم، قصيرو النظر فقط هم من اتخذوا من الشماتة «موقفاً» تجاه الأزمة الماليّة العالميّة، بتقلباتها الدراماتيكيّة، وبمنعكسها الأكبر: الأزمة الاقتصاديّة العالميّة، وإذا كانت الشماتة فعلاً غير أخلاقي في المجال الاجتماعي، فهي «تتكلّل» بـالغباء في المجال العلمي ـ العملي، وهذا لا يعني التعاطف مع النيوليبراليين، بل هي دعوة للخروج من السلبيّة في التعامل مع المسائل الكبرى. 

لقد تجاوز الجميع تقريباً «محللون وخبراء ومسؤولون اقتصاديون سوريون»، السؤال الناجم عن «وعي زائف» أو«مزيّف»: هل تتأثّر سوريّة «اقتصاداً وسياسة» بالأزمة الماليّة العالميّة؟ أصبح الجواب سهلاً: نعم. حريّّ بالجميع أن ينشغلوا الآن بالأسئلة التاليّة: ما هو حجم التأثير؟ ما هي القطاعات الأكثر تضرراً من الأزمة؟ كيف نحد من تأثير الأزمة؟ وما هي انعكاسات ذلك التأثير على الاقتصاد، وبالمعيّة على السياسة والاجتماع؟.

لكن لن تنتهي قائمة الأسئلة هنا، سوف يكون هناك سؤال أكثر من أساسي: ما هو دور السياسات الحكوميّة «الليبراليّة» في حجم التأثير المشار إليّه؟ وكيف ينظر مسؤولو الشأن الاقتصادي في سوريّة إلى تلك السياسات وعلاقتها بـ«تفعيل» الأزمة محليّاً؟ وعليه؛ ما هو مستقبل تلك السياسات؟.

نأخذ الإجابات، أو إيحاءاتها، من المسؤولين أنفسهم: السيد أديب ميّالة «حاكم مصرف سوريّة المركزي» يصرّح لقناة الجزيرة القطرية، خلال فترة انهيار البورصة في وول ستريت، بمايلي: «إنّ تأثّر المصارف السوريّة بالاضطرابات الماليّة العالميّة سيكون محدوداً بسبب عدم إطلاق العمل في بورصة دمشق حتى الآن». لكن هل يتوقف الأمر على إطلاق العمل في بورصة دمشق؟ لا. من ناحيته يصرّح السيّد محمد الحسين «وزير الماليّة» قائلاً «على الرغم من أن الاقتصاد السوري الأقل تأثراً بالأزمة الاقتصادية العالمية بين دول المنطقة, إلا أنه ليس بمعزل عن تفاعلاتها التي تجرى حوله, ولاسيما أن بوابات العبور إلى الاقتصاد العالمي ازدادت خلال السنوات الأخيرة بعد الإصلاحات التي تحققت على صعيد قطاعات التجارة والمصارف وشركات التأمين». إذا كانت «الإصلاحات التي تحقّقت» ساهمت في زيادة «بوابات العبور»، هل يمكن أن نسأل: ما هي نتائج تلك الإصلاحات في زمن الأزمات وفي غير زمن الأزمات؟. هذه أسئلة تحتاج إلى مراجعات عمليّة ـ علميّة، وهي تفرض حسّاً عالياً بالمسؤوليّة الوطنيّة، فالمسألة ليست «لعبة».

أمّا على الأرض فماذا يحدث وسيحدث؟ الأربعة عشر مليار دولار، التي بلغتها الصادرات السوريّة خلال السنوات الأخيرة سوف تتقلّص، نظراً لحدوث الكساد العالمي، ونظراً لأنّ ما يزيد عن ثلث تلك الصادرات كان يتجه إلى البلدان العربيّة الأكثر تأثّراً بالأزمة؛ دول الخليج. وانخفاض قيمة الصادرات، سوف يجبر صناعيي سوريّة على أخذ إجازة ليست بالقصيرة، وبما أنهم سيكونون في إجازة فسوف يعتذرون عن إجراء أية مقابلة مع طالبي العمل «لا توجد فرص عمل!».

ولن تشذ الاستثمارات عن القطاع الصناعي، ففي ظل الكساد، سوف تنخفض معدلات الاستثمار، فإذا كان الاستثمار الأجنبي يشكّل حوالي 30 % من مجمل الاستثمارات السوريّة، فإن ارتباط المستثمر الأجنبي، العربي تحديداً، بتقلّبات أسعار الأسهم، سوف يدفع البعض إلى تأخير مشاريعهم السوريّة أو حتى إيقافها نهائيّا.

وقد يكون لهذه الأزمة جانب إيجابي، فهي قد «ترجّع البسمة» إلى أصحاب الدخل المحدود، من خلال انخفاض أسعار المواد الغذائية الذي بدأ فعلاً، وهو يعود إلى خشيّة الصناعيين السوريين من تأثيرات الركود والكساد، وبالتالي فإن فتح أبواب المخازن وتسويق منتجاتها سوف يعود عليهم بمصلحة اقتصاديّة، وخصوصاً على ضوء احتمال أن يفقد العديد من السوريين فرص عملهم، وبالتالي تنخفض القدرة الشرائيّة عندهم، وهذا هو الجانب السلبي للأزمة على أصحاب الدخل المحدود.

سيعود الصديق إذاً، ولن ينصحه أحد بالخروج بحثاً عن عمل، على الرغم من خبرته «البريطانيّة»، وعندها سوف ننتظر معه جميعاً لنتابع فيلماً طويلاً عنوانه: ماذا ستفعل الحكومة؟!.

آخر تعديل على الإثنين, 28 تشرين2/نوفمبر 2016 22:33