يامن طوبر يامن طوبر

تأجير الشهادات الصيدلانية بين التهاون والتواطؤ

إذا كانت ظاهرة تأجير الشهادات الصيدلانية عامة، فهي قديمة ومستفحلة في الريف السوري، وتكاد تكون عصية على الحلّ لعدم تفعيل القوانين الناظمة للمهنة من دوائر الرقابة في مديريات الصحة العامة في المحافظات، وتساهل إن لم نقل تواطؤ نقابة الصيادلة في قمع هذه المخالفات والتستر عليها، ورغم طرح المشكلة في المؤتمرات السنوية لنقابة الصيادلة وآخرها الذي انعقد في منطقة الغاب، إلا أن نقيب الصيادلة عزا الأمر لعدم مؤازرة السلطات المسؤولة في المحافظة في قمع هذه المخالفات، وذكر أنه وجه أكثر من كتاب إلى المحافظ إلا أنه لم يلقَ تعاوناً. وإن كان الأمر كذلك، فهو لا يعفي دائرة الرقابة والتفتيش في نقابة الصيادلة ومديرية الصحة في حماة من مسؤوليتها، لأنها تستطيع أن تفعل أكثر من ذلك، وهي على علم تام بتلك الصيدليات المخالفة وأسماء المؤجرين والمستأجرين للشهادات الصيدلانية كما يقول بعض الصيادلة، لأن الكثير من هذه الشكاوى وصلت إليها لكنها طويت في الأدراج.

ففي منطقة الغاب تكاد تعد الصيدليات النظامية على أصابع اليد الواحدة، وقد تلقت قاسيون شكوى بما يخص هذه المسألة من أحد الصيادلة رفض ذكر اسمه خوفاً من الانتقام، إذ أنه في مرة سابقة تعرض فيها للتفتيش الدقيق والمتكرر حتى كره المهنة إثر تقدمه بشكوى إلى النقابة ذكر فيها عدد من الصيدليات المخالفة التي يستأجر العاملون فيها شهادات الغير ويحولون الصيدلية إلى دكان يبيعون فيه ما يشاؤون من المنظفات والأدوية المخدرة..

فكيف للرقابة والتفتيش أن تقوم بدورية على الصيدلية وتفتش عن الأدوية النفسية أو المخالفة في حال أن الذي يقوم بعمل الصيدلاني هو بالأصل منتحل لصفة الصيدلاني؟ بالتأكيد هذا يدل على أن الرقابة لا تشمل هذه الصيدليات، وإلا لقامت بإغلاقها قبل التفتيش، لأنه بالأصل هناك مخالفة أولية تحول دون اعتبار هذه الصيدلية مكاناً لبيع الأدوية، فهي والحال هذه دكان سمانة, فالمستأجر الذي يستثمر شهادة الصيدلة لو كان يأخذ بالحسبان الرقابة لما استثمر أمواله في صيدلية، وهو بالطبع ليس مكشوف الظهر وكما هو معروف رأس المال جبان، فلا يقدم على العمل في مجال إذا لم يكن مأمون العاقبة، وإن بعض المستثمرين يملكون سلسلة من الصيدليات برعاية ونفوذ بعض شركات الأدوية.

ففي ظل غياب الرقيب وإغراءات الربح الفاحش لقاء المتاجرة بالأدوية، أصبح الاستثمار بتجارة الأدوية يحظى بإقبال كبير، فحاجة المريض للدواء ليس لها ما يعادلها وخاصة الأدوية النفسية التي تزايد الطلب عليها في الآونة الأخيرة مع وصول الحالة المعاشية للمواطنين إلى الحضيض، ونظراً لأهمية مهنة الصيدلة واتصالها الوثيق بحياة الإنسان وصحته وما للأدوية من تأثير وخطورة، فقد حازت مكانة رفيعة، بدءاً من علامات القبول الجامعي، فهي تنتخب أعلى المعدلات، وصولاً إلى المسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتق الصيدلاني، فهو مؤتمن على أدوية إذا ما أسيء استعمالها تؤدي إلى كوارث اجتماعية لا حصر لها ولذلك درس وتعلم لمدة خمس سنوات كي يصبح كادراً علمياً قادراً على تحمل المسؤولية المهنية والأخلاقية إزاء المجتمع، فالصيدلاني ليس مجرد بائع أدوية، بل إنه في كثير من الأحيان يركب الأدوية وفق أسس علمية لتفي بالغرض وعلاج بعض الأمراض الخطرة.. 

يقول أحد المستأجرين لشهادة الصيدلة تدربت لمدة ثلاثة أشهر تعلمت خلالها قراءة الوصفات الطبية وأسماء الأدوية وعلاماتها التجارية، وهأنذا بائع جيد وأسعاري تناسب الجميع. ويضيف: ما هو العمل المميز الذي يقوم به الصيدلاني الذي درس بالجامعة؟ فهو لا يقوم بأي عمل مختلف عما أقوم به!!! ما علي إلا أن أبيع المريض الأدوية وأقبض ثمنها.

 والسؤال إن كان هذا التأهيل العلمي وسنوات الدراسة ليس مهماً عند من يتستر على المستثمرين التجاريين للشهادات الصيدلانية، وإن كان باستطاعة من تدرب ثلاثة أشهر أن يقوم بعمل من تخرج من كلية الصيدلة، فلا بأس أن تغلق مثل تلك الفروع العلمية ويستعاض عنها بمعاهد مهنية تقوم بتدريب الراغبين بممارسة هذه المهنة لمدة ثلاثة أشهر يحصل بموجبها المتخرج على شهادة بائع أدوية، وتحل مشكلة خدمة الريف وتأجير شهادات الصيدلة والدراسة!؟

من المؤكد ليس هذا هو الحل، كما أنه ليس من اللائق أن يجد من درس سبعة عشر عاماً نفسه بائعا في صيدلية، بل لابد من تفعيل القوانين الناظمة للمهنة وتطويرها.

آخر تعديل على الإثنين, 28 تشرين2/نوفمبر 2016 22:20